فاطمة الفهرية أم البنين مؤسسة أول جامعة في العالم – عبد الرحيم مفكير

الشخصية التاريخية الخالدة :

فاطمة بنت محمد الفهرية القرشية هي امرأة مسلمة عربية من ذرية عقبة بن نافع الفهري القرشي فاتح تونس ومؤسس مدينة القيروان وهي شخصية تاريخية خالدة في ذاكرة مدينة مدينة فاس في المغرب ، والتاريخ المغربي . توفيت حوالي 265هـ /878 م.

نزحت فاطمة الفهرية وهي فتاة صغيرة مع العرب النازحين من مدينة القيروان إلى أقصى المغرب ونزلت مع أهل بيتها في عدوة القرويين زمن حكم إدريس الثاني ، حتى تزوجت وطاب لها المقام هناك. أصاب أهلها وزوجها الثراء بعد كد وتعب واجتهاد وعمل، ولم يمض زمن طويل حتى توفي والدها وزوجها ثم مات أخ له فورثت عنهما مالا كثيرا شاركتها فيه أخت لها هي مريم بنت محمد الفهري التي كانت تكنى بأم القاسم.

كان والدها ضمن المهاجرين إلى فاس رجل عربي من القيروان اسمه محمد بن عبد الله الفهري، كان ذا مال عريض وثروة طائلة، ولم يكن له من الأولاد سوى بنتين هما: فاطمة ومريم، أحسن تربيتهما واعتنى بهما حتى كبرتا، فلما مات ورثته ابنتاه ورأتا ضيق المسجد بالمصلين أحبتا أن تخلدا ذكر والديهما بخير ما درج عليه المسلمون باتخاذ المساجد سلماً للمجد.

بناء مسجد القرويين :

عمدت فاطمة الفهرية إلى مسجد القرويين فأعادت بناءه مما ورثته من أبيها في عهد دولة الأدارسة في رمضان من سنة245هـ، وضاعفت حجمه بشراء الحقل المحيط به من رجل من هوارة، وضمت أرضه إلى المسجد، وبذلت مالاً جسيماً برغبة صادقة حتى اكتمل بناؤه في صورة بهية وحلية رصينة.

ويذكر الدكتور عبد الهادي التازي، في رسالته لنيل الدكتوراه، أن “حفر أساس مسجد القرويين والأخذ في أمر بنائه الأول كان بمطالعة العاهل الإدريسي يحيى الأول، وأن أم البنين فاطمة الفهرية هي التي تطوعت ببنائه وظلت صائمة محتبسة إلى أن انتهت أعمال البناء وصلت في المسجد شكرا لله”.

قال عنها بن خلدون :” فكأنما نبهت عزائم الملوك بعدها ، وهذا فضل يؤتيه لمن يشاء من عباده الصالحين ، فسبحانه وتعالي إذا أراد لأمة الرقي والرفعة وأذن لها بالسعادة الغامرة أيقظ من بين أفرادها رجالاً ونساء ، شباباً وشيوخاً ، أيقظ فيهم وجداناً شريفاً وشعوراً عالياً يدفعهم للقيام بصالح الأعمال وأشرفها وما كان من أجل الدنيا والآخرة “

ومثلما نحت فاطمة بنت محمد الفهري هذا العمل سبيلاً نجد أختها مريم ـ أم القاسم ـ تمشي علي نفس الدرب فأنشأت مسجداً عرف باسم جامع الأندلس .

كانت الطريقة التي سلكتها في بنائه أنها التزمت ألا تأخذ التراب وغيره من مادة البناء إلاّ من الأرض نفسها التي اشترتها دون غيرها ممّا هو خارج عن مساحتها، فحفرت كهوفا في أعماقها وجعلت تستخرج الرمل الأصفر الجيّد والحجر الكذّان والجصّ وتبني به، وكأن فاطمة عالمة بأمور البناء وأصول التشييد لما اتصفت به من مهارة وحذق، فبدا واضحاً شكل المسجد في أتم رونق وأزهى صورة وأجمل حال.

ومع أول أيام البناء أصرت على بدء الصوم، ونذرت ألا تفطر يوماً حتى ينتهي العمل فيه. وظلت صائمة محتبسة إلى أن انتهت أعمال البناء وصلت في المسجد شكرا لله الذي وفقها لبناء هذا الصرح الذي عرف بمسجد القرويين.

أول رمضان سنة 245 من الهجرة. عند إتمام البناء صلت فاطمة صلاة شكر لربها على فضله وامتنانها لكريم رزقه وفيض عطائه الذي وفقها لبناء هذا الصرح الذي عرف بمسجد القرويين،وماتت فاطمة الفهرية نحو عام 265 هـ / 1180 م.

جامعة القرويين:

بعد بناء الجامع قام العلماء بإنشاء حلقات لهم فيه، كان يجتمع حولها العديد من طلاب العلم، وبفضل الاهتمام الفائق بالجامع من قبل حكام المدينة المختلفين تحولت فاس إلى مركز علمي ينافس مراكز علمية ذائعة الصيت كقرطبة وبغداد.

وانتقل من مرحلة الجامع إلى مرحلة البداية الجامعية في عهد دولة المرابطين، حيث قام العديد من العلماء باتخاذ المسجد مقرا لدروسهم. وفي عصر دولة بني مرين دخل جامع القرويين مرحلة الجامعة الحقيقية، حيث بنيت العديد من المدارس حوله وعزز الجامع بالكراسي العلمية والخزانات. ويأتي في مقدمة هذه المدارس مدرسة فاس، والمدرسة المصباحية التي أسسها أبو الحسن المريني سنة 743هـ/1343 م، والمدرسة التي أسسها أبو عنان المريني، وهي المدرسة الوحيدة المزودة بمنبر ومئذنة، وغيرها كثير من المدارس.

وكان الطلاب هم الذين يختارون الأستاذ الذين يرغبون في التعلم عنده حسب اختصاصه في مادة أو أكثر، فيجلس الأستاذ على كرسيه وهو يستند بظهره إلى سارية من سواري المسجد والطلاب في حلقات حوله. أصبح جامع القرويين والجامعة العلمية الملحقة به مركزا للنشاط الفكري والثقافي والديني قرابة الألف سنة.

درّس فيها الفقيه المالكي أبو عمران الفاسي، ابن البنا المراكشي، ابن العربي، ابن رشيد السبتي، ابن الحاج الفاسي، وابن ميمون الغماري، وزارها الشريف الإدريسي ومكث فيها مدة كما زارها ابن زهر مرات عديدة، وكتب فيها ابن آجروم كتابه “الآجرومية”، الذي يعتبر من أهم كتب النحو العربية، كما اشتهر في الجامعة بعد هجرته من الأندلس إلى فاس؛ ابن باجة وكان ممن نبغوا في الطب والفلسفة، وبقي هناك إلى أن توفي سنة 1138.

لقد أسهمت الجامعة في بناء الشخصية الإسلامية من خلال حملها لواء الأصالة والتجديد ومحافظتها على القيم الدينية السائدة فضلا عن حمايتها لثقافة الإسلامية التي طبعتها الجامعة بالطابع المغربي الأصيل. فكان دور الجامعة دورا كبيرا في نشر العلوم والفنون حيث يمثل رسالة حضارية حافظت على معالم الشخصية الإسلامية.

 وحسب موسوعة جينيس للأرقام القياسية، فإن القرويين هي أقدم جامعة في العالم  والتي لا زالت تُدرس حتى اليوم.

خزانة جامعة القيروان:

 تعتبر خزانة القيروان من أهم الخزانات العامة بالمغرب بل في العالم كله أسسها السلطان أبو عنان المريني الغنية بالكتب والمخطوطات العلمية. فقد واكبت المد المعرفي المتنوع والعلمي المنشود الذي عرفته عبر قرون والذي حرص عليه الملوك بالمغرب على تزويدها بكل المخطوطات العلمية الناذرة. وهكذا ظلت جامعة القرويين تقوم بواجبها أحسن قيام وبشكل تلقائي واستمر إشعاعها مشعا على العالم الإسلامي لمدة قرون من الزمن وكونت بذلك أجيالا من العلماء الفطاحل الذين طبقت شهرتهم الأفاق ولا يزال عطاؤهم وإنتاجهم العلمي والفكري قائما ينهل منه الباحثون بعد جيل وكل هذا الفضل يرجع لإمرة النبيلة العظيمة فاطمة الفهرية بعقله واتزانها جعلت لاسمها امتداد عبر الأجيال.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى