بويخف: الأخبار الزائفة خطر حقيقي تنتشر بسرعة مع المنصات الرقمية.. لهذا يصدقها الناس وهكذا نواجهها
تنامت في الآونة الأخيرة الحديث عن خطورة الإشاعات والأخبار الزائفة خاصة مع أزمة انتشار وباء فيروس كورونا المستجد، حيث وضعت الحقيقة والثقة والمصداقية فيما يتم نشره أو تداوله من معلومات وأرقام وقرارات تخص الوضعية الوبائية والإجراءات الإحترازية أمام منعرج الخطإ والتضليل والإضرار الذي قد يمتد من المجتمعات الصغيرة إلى الدول والأنظمة والمؤسسات العالمية خلال هذه الأزمة وأزمات أخرى، خاصة في فضاءات التكنولوجية الرقمية والمنصات الاجتماعية التي يكثر فيها انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة مما حذا بالأمم المتحدة مؤخرا إطلاق حملة عالمية عبر الأنترنيت لمواجهة الأخبار الزائفة تحت وسم #أتعهد_بالتريث قبل نشر المحتوى على الإنترنت.
أعد التقرير: ي.ف./ الإصلاح
ويستعرض الكاتب والصحفي حسن بويخف؛ الخبير المتمرس في مجال الإعلام لسنوات طويلة، مكامن خطورة الاخبار الزائفة؟ وكيف يتم صناعتها؟ ولأي هدف يتم انتشارها؟ وكيف نواجهها باعتبارها؟ وذلك باعتبارها أسئلة شغلت الرأي العام في العالم، خصوصا في عدد من المحطات الحساسة التي تؤثر فيها الأخبار الزائفة على مجتمعات وسياسات وأنظمة ودول ومؤسسات عالمية.
ما هو الخبر الزائف؟ وكيف تطورت خطورته؟
يرى حسن بويخف أن الخبر الزائف وهو الخبر الذي تم اختلاقه إما كلية أي لا تكون له علاقة بشيء واقعي، أو جزئي حينما يتم الاشتغال على خبر قائم على حقيقة قائمة وتتم إضافة معطيات أخرى غير واقعة فيتغير الخبر الحقيقي الأصلي إلى خبر زائف.
ويشير المتخصص في مجال الإعلام أن الأخبار الزائفة هي ظاهرة قديمة لكن اليوم تأخذ أبعادا خطيرة جدا لأنها تتجاوز تأثيراتها على مستوى العلاقات في مجتمع ما إلى أن تهدد الاقتصادات والأنظمة والمنظومات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
لذلك – يؤكد بويخف – أن الأخبار الزائفة أصبحت من أهم الهموم عالميا التي تواجهها الدول، بحيث أصبحت الأخبار الزائفة خاصة بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي لها وقع كبير وتأثيرات كبيرة على السياسات العمومية وعلى التدبير الحكومي لمختلف الملفات.
الأخبار الزائفة خطر حقيقي انتشرت بسرعة مع مواقع التواصل الاجتماعي !
يورد حسن بويخف كيف أن الأخبار الزائفة أثرت في مسار الانتخابات في كثير من الدول ومنها القضية المشهورة في الانتخابات الأمريكية إبان انتخاب ترامب. لذلك الأخبار الزائفة أصبحت من القضايا المؤرقة والمخيفة والمقلقة في نفس الوقت.
وينبه المتحدث إلى أن الأخبار الزائفة تنتشر اليوم بشكل غير مسبوق، لأنها اخترقت نسيج جديد أصبح هو أيضا يفرض نفسه في العلاقات الاجتماعية بشكل واسع جدا، فمنصات التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم مرتعا حقيقيا للأخبار الزائفة.
ويستحضر بويخف دراسات عدة أثبتت أن الأخبار الزائفة تحضر في مواقع التواصل الاجتماعي ست مرات من حضور الأخبار الحقيقية، وتنتشر بسرعة كبيرة وتعرف رواجا كبيرا جدا في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المقابل أيضا تحضر الأخبار الزائفة في مختلف وسائل الإعلام كما تحضر في شبكات التواصل الاجتماعي التقليدية التي توجد في المجتمع قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي.
ويذهب الخبير الإعلامي إلى أن مخاطر الأخبار الزائفة كبيرة جدا فهي تهدد الاستقرار في الدول وتشوش على التدبير الحكومي وتنزيل السياسات العمومية كما يمكن لها أن تربك السير العادي للمؤسسات. وأخطر ما في هذه الأخبار الزائفة هو التأثير على الرأي العام وتخلق توجهات غير سليمة وغير طبيعية يمكن أن ترتكب أخطاء فادحة وأن تواجه وتعارض وتتخذ مواقف على أسس غير سليمة تكون مضرة بالجميع في نهاية المطاف.
لماذا يصدق الناس الأخبار الزائفة؟
وصف بويخف هذا السؤال بالمهم جدا لعدة اعتبارات تجعل الناس ضحية الأخبار الزائفة، وأولها هو أنه ليس باستطاعة أي مواطن أن يميز بين الخبر الزائف عن الخبر الحقيقي، لأنه عندما نتحدث عن صناعة الأخبار الزائفة نجد مصادرها يصنعها أناس فقط للهو وبحثا عن إشباع حاجات نفسية يبحثون عن البوز ويبحثون عن تنمية الرصيد في الصفحات والحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمعنى آخر دوافع شخصية .
لكن حسب المتحدث هناك صناعة للأخبار الزائفة تتجاوز الأشخاص إلى مخططات تهدف إلى التأثير في مسار الأحداث وعلى الرأي العام والتحكم فيه، لذلك حينما تكون هناك صناعة خلف الأخبار الزائفة فسيكون من الصعب على أي من المواطنين العاديين أن يميزوا بين الأخبار الزائفة والأخبار السليمة.
عوامل تدفع لتصديق الخبر الزائف
ضعف الوعي بوجود الأخبار الزائفة
ويرى بويخف أن هناك عوامل تساعد على انتشار هذه الأخبار الزائفة منها عامل بديهي لكن في نفس الوقت عامل مؤثر وهو ضعف الوعي بوجود هذه الأخبار الزائفة، فعموم الناس حينما يتعاملون مع مواقع التواصل الاجتماعية ومع مصادر الأخبار سواء كانت وسائل إعلام أو غيرها لا يستحضرون احتمال أن ما يتلقونه أخبار زائفة فهذه هي البوابة الأولى.
ويوضح بويخف في هذه النقطة أن الإنسان يتعامل بتلقائية مع ما يصله من أخبار أي أن هناك سهولة انطلاء الكذب على الكثير من الناس، لأن صناعة الأخبار الزائفة تعتمد أساليب تجعلها سهلة التصديق، فحتى على مستوى أغلب الأخبار الزائفة تنطلق من معطيات صحيحة تقوم بتدنيسها أو تحويل وجهتها، فيكون هناك حديث عن أمر ما فيتم صناعة الخبر الزائف بناء على ما أدركه الناس من ذلك الأمر فيسهل على الناس تلقي الأخبار الزائفة قبل أن يتبينوا منها فيسهل عليهم أن يصدقوها.
بلاغ تكذيبي
يتداول البعض بلاغا صحفيا مزعوما، يدعي انعقاد مجلس للحكومة صباح اليوم الأحد للمصادقة على إعادة الحجر الصحي…
تم النشر بواسطة سعد الدين العثماني Saad dine El otmani في الأحد، ١ نوفمبر ٢٠٢٠
ويضرب بويخف على ذلك بمثال فرنسا حينما دخلت في فترة إعادة الحجر الصحي وانطلقت بعدها شائعة تقول أن الحكومة اجتمعت وقررت اعتماد الحجر الصحي، ولأن الناس يتابعون فهم يتساءلون وينتظرون فتم استثمار هذا الانتظار لطرح إشاعة خطيرة وتم ترويجها على أكبر نطاق.
اعتماد أسلوب الصحافة في نشر الخبر الزائف
كما أن هناك شائعات – يضيف بويخف- تعتمد أسلوب الصحافة في الإخبار وتعتمد لغة الصحافة وتحيل على مصادر وهمية كما يقوم الصحافي، وهنا حينما يتلقى الإنسان هذا الخبر فيعتقد أن هذا الخبر صحيح فهو ليس لديه ثقافة التمحيص. وهناك مضامين تروج على أنها لمؤسسة صحافية مشهورة أو ذات مصداقية حيث يستغلون الهوية البصرية لبعض المؤسسات الإعلامية ويروجون أخبار خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي تسند إلى تلك المؤسسات وهكذا يتم تلقي وتلقف هذه الأخبار من طرف العموم على أنها أخبار صحيحة . لذلك أكبر عامل لتصديق هذه الأخبار الزائفة هو ضعف ثقافة التمحيص والتأكد والتثبت من الأخبار.
الانبهار بوسائل التواصل الاجتماعي ووسائل التواصل الحديثة
ويستعرض بويخف عوامل أخرى منها عامل صدمة الانبهار بوسائل التواصل الاجتماعي ووسائل التواصل الحديثة، حيث أن هذه الوسائل لأنها حديثة وأصبح النشاط فيها له قيمة اجتماعية فهذا لازم المتلقي كسلوك دون تمحيص وتصديق كل ما يروج في مواقع التواصل الاجتماعي.
الأخبار الزائفة تنشط بشكل غير مسبوق في الأزمات
وأكد حسن بويخف في هذا السياق أن الأخبار الزائفة تنشط بشكل غير مسبوق في وضعية الأزمات، وحينما يكون المجتمع في حالة أزمة تنشط صناعة الأخبار الزائفة وتنتشر بسرعة كبيرة لأن الناس في هذه الوضعية يكونون بحاجة إلى الأخبار وإلى المستجدات، ويتجاوز ذلك إلى التفاصيل وتفاصيل التفاصيل، لذلك الحاجة الكبيرة تصنعها تلك الوضعية، وتكون لدى الناس قابلية لتصديق كل ما يتلقونه من أخبار.
ويشير المتخصص في مجال الإعلام إلى أن وضعية أزمة كوفيد تبين هذا الأمر بشكل واضح عند ملاحظة مواقع التواصل الاجتماعي في فترة كوفيد كيف انتعشت بشكل كبير جدا بالإضافة إلى عامل الحجر الذي ساهم في توسع انتشار هذه المنصات كانت هناك أيضا حاجة الناس إلى كثير من الأخبار والتفاصيل في كل خبر وقضية.
كيف نواجه الأخبار الزائفة؟
دور التوحيد والإصلاح وجمعيات المجتمع المدني
ويعتبر بويخف إلى أن هناك أمر جد حيوي بالإضافة إلى أهمية وخطورة الأخبار الزائفة وكيف تصنع ولأي هدف، وهو سؤال كيف نواجه هذه الأخبار الزائفة وهي من الأسئلة المهمة والمحيرة والتي أصبحت تؤرق ليس فقط الفاعلين الاجتماعيين ولكن المجتمع الدولي ككل والدول وكثير من المهتمين.
إقرأ أيضا: أطلقت حملة رقمية لإشاعة الطمأنينة.. التوحيد والإصلاح تساهم في التوعية بخطر تفشي فيروس كورونا |
وبالإضافة إلى مواجهة الأخبار الزائفة عبر إعمال القانون والإجراءات القانونية، يرى بويخف أن فهناك جانب مهم جدا ويتعلق بدور المجتمع المدني، وهنا الحديث مثلا عن دور حركة التوحيد والإصلاح وجمعية من الجمعيات المهتمة بهذا الشأن يمكنهم أن يلعبوا دورا كبيرا جدا بدعم توفير الحصانة الثقافية في مواجهة الأخبار الزائفة.
ويذهب بويخف إلى هذا البعد يوجد فيه نقص كبير جدا في هذا المجال وهنا لا يتعلق الأمر بشيء جديد أو إبداع أشياء جديدة بل المساعدة على إعادة الناس على أن يشكلوا وعيهم من جديد في التعامل مع مصادر الأخبار الزائفة وإحياء بعض السلوكات في التعامل مع مصادر الأخبار الزائفة ومع الأخبار بشكل عام.
مبادئ يمكن الاشتغال عليها لحماية المجتمع من الأخبار الزائفة
وفي هذا السياق يذكر بويخف بمجموعة من المبادئ التي يمكن الاشتغال عليها للتوسع في نشرها حماية للناس وللمجتمع من آفات الأخبار الزائفة ولخصها في قاعدة بسيطة إذا تم التمكين لها في أوسع قاعدة ممكنة لدى الناس فيمكن معالجة قضية الأخبار الزائفة فيما يخص مواقع التواصل الاجتماعي وتقول هذه القاعدة “لا تشارك لا تتفاعل بالإعجاب أو التعليق بالتأييد على أي مضمون لم تتأكد من صحته ومصداقيته” معتبرا إياها قاعدة بسيطة لكنها هي الجوهر والأساس في التعامل ومواجهة الأخبار الزائفة.
تجديد قراءة الحديث النبوي “كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع”
وفي هذا السياق يستحضر بويخف حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع” الذي حسب رأيه يحتاج إلى إعادة قراءة ويعتبره من القواعد الأساسية التي ينبغي تسليط الضوء عليها من جديد.
وأعطى الصحفي والإعلامي انطلاقا من هذا الحديث عددا من الإشارات البسيطة التي تتضمن الأبعاد الأخلاقية والأبعاد الوقائية التي يقدمها ويوفرها في مواجهة الأخبار الزائفة عبر أربعة عناصر:
- الأول، هو أن الذي يحدث بكل ما سمع يعرض نفسه للحديث بالكذب لأن الحديث بكل ما سمع فيه احتمال أن يكون فيه كذب، وتقاسم كل ما يصلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي ونشر جميع الروابط التي تصلك دون تأكيد لا شك في أن ذلك يجعلك تساهم في نشر الكذب. والحديث ينبه إلى أمر مهم جدا هو أن حديثك بكل ما سمعته سيجعلك تقع في الكذب لا محالة، وإذا أردنا الإزاحة على مواقع التواصل الاجتماعي فتقاسمك ونشرك وجمجمتك وإجاباتك وتفاعلك مع أي خبر تقف عليه ويصلك يجعلك تساهم في تعزيز الأخبار الزائفة دون أن تعي ذلك.
- الأمر الثاني، أن كون الإنسان يتحدث بكذب لم يعلمه يجعله يشارك في ترويج الكذب ويكون بذلك شريكا في نتائجه وتداعياته علم ذلك أم لم يعلمه، ونعرف أن النتائج الوخيمة للكذب خطيرة ممكن في حق الأسر أو في حق المؤسسات أو إفشال برامج. لذلك الإنسان الذي لا يحتاط مع نفسه عندما تصله الأخبار الزائفة يمكن أن يساهم في الخراب الذي ينتج عن ترويج الأخبار الزائفة
- الأمر الثالث، هو أنه لا يمكن التساهل في نقل الكلام والأخبار وهنا الجهل لا يعتبر عذرا بل الحديث يحملنا مسؤولية كلية إذا استحضرنا عن جزاء الكذب في الدنيا والآخرة ندرك خطورة الكذب بكل ما نسمع، ومن هنا بالضبط فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تكون له قوة في تحصين المواطنين من الأخبار الزائفة، لأنهم يكتسبون المناعة ويقفون عندما يصلهم خبر ما يجب أن يتأكد منه قبل نشره، فهذا سلوك عظيم جدا إذا انتشر فسنكون أمام وضعية مواجهة الأخبار الزائفة.
- المسألة الرابعة، هو أن يدفع إلى التمحيص، فمخافة أن ينقل الإنسان الكذب ويشارك في نشره يجد نفسه مضطرا للتبين والتأكد والتمحيص وغير ذلك، وهنا ممكن الإشارة بسرعة إلى الآية الكريمة التي يقول فيها الله عز وجل “إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا”.
إقرأ أيضا: مقاومة الإسلام للإشاعات الكاذبة والأخبار الزائفة التي تشيع الهلع بين الناس |
ويدعو بويخف على الاشتغال على هذا الحديث وتوعية الناس على أساسه من أجل استحضار أن نشر الأخبار الزائفة ليست مسألة هواية وليست مسألة حريات فردية بل هي مسؤولية أخلاقية أمام الله عز وجل وأمام المجتمع والتاريخ وهي مسؤوليات عظيمة وكبيرة.
دعوة إلى إعادة تنشئة الناس ونشر ثقافة التمحيص والتأكد من الأخبار
وخلص بويخف أن مواجهة الأخبار الزائفة لا يكفي فيه إعمال القانون أو الوعظ والإرشاد بل يتطلب إعادة تنشئة الناس ونشر ثقافة التمحيص والتأكد من الأخبار.
ويضيف بويخف أن الأخبار الزائفة تنتشر لأننا نحن كمجتمع من نساهم في نشرها وبمجرد نشر الخبر الزائف نجد في مواقع التواصل الاجتماعي دينامية يشارك فيها الجميع في التمكين من تلك الأخبار الزائفة من الإنتشار وأيضا بثقافة التأكد سنضعف دينامية نشر الأخبار الزائفة.