عرفة من أعظم الأيام عند الله
يوم عرفة هو اليوم الذي يوافق يوم التاسع من شهر ذي الحجة، واتفق العلماء والسلف الصالح على أن أفضل أيام العشر من شهر ذي الحجة بل أفضل أيام العام هو يوم التاسع منها أي “يوم عرفة”، ففي هذا اليوم تتنزل البركات، وتهبط الرحمات، ويضاعف الأجر، وتجاب الدعوات، وتقال العثرات، ويوم مغفرة الذنوب والعتق من النيران، وهو يوم عظَّم الله أمره، ورفع على الأيام قدره، فإن الله سبحانه وتبارك يباهي الملائكة فيه بأهل عرفات، وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، إذ نَزَلَتْ عَلَى الرَّسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ وقد كان يَوْمَ جُمُعَةٍ. [اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا”.
ويوم عرفة يوم عظيم لأجل ذلك المشهد المهيب الذي يعرفه جبل عرفة شرق بيت الله الحرام بمكة المكرمة، عندما يقف فيها الحجاج بالملايين شعثا غبرا خافضي رؤوسهم يدعون الله سبحانه ويتضرعون إليه، فلا يكون الشيطان في يوم أطعن ولا أحقر ولا أخزى من هذا اليوم، وإن الله سبحانه وتعالى يباهي بالحجاج ملائكته الكرام، وقد روى ابن حبان من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى السَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِأَهْلِ الْأَرْضِ أَهْلَ السَّمَاءِ” وفي رواية: “إنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَةَ مَلَائِكَتَهُ، فَيَقُولُ: يَا مَلَائِكَتِي، اُنْظُرُوا إلَى عِبَادِي، قَدْ أَتَوْنِي شُعْثا غُبْرا ضَاحِينَ.)
إننا منذ بداية شهر ذي الحجة نكون في أيام طاهرة هي الأيام المعلومات والأيام المعدودات، ويوم عرفة وعيد الأضحى من الأيام المعلومات التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز في قوله تعالى “ليذكروا الله في أيام معلومات” وأقسم الله سبحانه وتعالى بهذه الأيام في سورة الفجر “وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ” [الفجر: 1، 2]، ويوم عرفة من هذه الأيام العشر، فمناسك الحج تأخذ من الأيام المعلومات ثلاثة أيام ومن المعدودات ثلاثة أخرى، فمناسك الحج تبدأ في اليوم الثامن وتستمر في اليوم التاسع والعاشر، ثم في أيام التشريق الثلاثة، فنصف هذا الشهر الكريم أيام فاضلة وعظيمة، ومنها يوم عرفة يوم الدعاء والذكر وهو لغير الحجاج يوم صيام ودعاء أيضا.
يوم عرفة واحد
يسود اعتقاد خاطئ عند بعض أفراد المجتمع المغربي حول يوم عرفة، فيتحدثون عن “عرفة كبرى” ويقصدون بها اليوم الذي يقف فيه الحجيج في جبل عرفات، يوم الثامن من ذي الحجة بحسب التقويم الشهري القمري المغربي (عند اختلاف الرؤية)، و”عرفة صغرى” بعدها بيوم بحسب نفس التقويم أي اليوم التاسع إذا اختلف مطلع الشهر بين المغرب والمشرق، إلا أن يوم عرفة هو يوم واحد، وهو يوم التاسع من ذي الحجة الذي يصادف وقوف حجاج بيت الله الحرام على جبل عرفة، حيث يؤدون الركن الأعظم من شعيرة الحج.
عرفة يوم الدعاء
إن من أفضل الأعمال المستحبة في هذا اليوم الأغر هو الدعاء فمن رحمة الله بعباده أنه جل وعلا طلب منهم الدعاء: ” وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ” [غافر:60]، وقال سبحانه وتعالى: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ” [البقرة:186]، وطريق إجابة الدعاء: “فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ” أي: لأمر الله عز وجل، مسارعة إلى الواجبات، ومسابقة إلى الخيرات، واجتناباً للمعاصي وبعداً عن السيئات، وأشار التوفيق لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في سنن الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ). “رواه الترمذي وحسنه الألباني”. وقال الله عز وجل في محكم تنزيله، “وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَات” البقرة: 203].
عرفة يوم الصيام
إن صيام هذا اليوم الفضيل لغير الحجاج تعويض لهم عن ما سبق به الحجيج، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صيام يوم عرفة يكفر الله به ذنوب السنة الماضية وسنة قابلة)، وهذا اليوم معدود في مكفرات الزمان، وصيامه معدود في الأيام التي بدأ صيامها ي غير رمضان، ويقول الله تعالى: [وَالفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالوَتْرِ] {الفجر:1-2-3} وأخرج الإمام أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه عن ابنِ عَبّاسٍ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ أيّامٍ الْعَمَلُ الصّالِحُ فيهَا أحَبُّ إلَى الله مِنْ هَذِهِ الأيّامِ يَعْني أيّامَ الْعَشْرِ قالُوا: يَا رَسُولَ الله وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله؟ قالَ وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ الله إلاّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ).
عرفة يوم الحرب على المعاصي
جاء في حديث مرسل عند الإمام مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما رأي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة، وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله سبحانه وتعالى عن الذنوب العظام، إلا ما كان من يوم بدر قيل: وما رأى يوم بدر؟ قال: رأى جبريل وهو يزع الملائكة ). ويحث العلماء على اغتنام هذا اليوم لتنمية الرصيد الإيماني وتقوية وازع التقوى والحرب على المعاصي، وهذا يقتضي إعلان العداء للشيطان، وهذا هو المقصد الأعزم من نسك رمي الجمرات التي يقوم بها الحجاج بعد الانصراف من جبل عرفة يوم التاسع من ذي الحجة ويتوجهون يوم الحادي عشر من ذي الحجة في أول أيام التشريق ليرموا الجمار على الشيطان، ليؤكدوا أنهم قد أعلنوا التوبة لله، وبدأوا صفحة جديدة مع الله، فكلما عرضت لهه شهوة آثمة، وكلما عرضت لهم شبهة مشككة استعاذوا بالله عز وجل من الشيطان الرجيم.
الدكتور محمد عز الدين توفيق