أمان واستقرار الإمام دعامة لتحقيق الأمن الروحي للمغاربة(رسالة الإصلاح)
تضمن تقرير منجزات وزارة الأوقاف الذي صدر مؤخرا ما له علاقة بأوضاع القيمين الدينيين، حيث خصص لها اثنتي وعشرين صفحة، تضمنت المنجزات التي تحققت وتطلعات الوزارة لتحقيق الأفضل. ومما جاء في التقرير أن الوزارة استمرت في ” تحسين الوضعية المادية والاجتماعية للقيمين الدينيين وذلك بوضع أحدث الوسائل والأدوات رهن إشارتهم في أفق الرفع من مردوديتهم وتحسين مستواهم العلمي والمعرفي..”. ويفهم من ذلك أن الرقي العلمي والمعرفي والرفع من المردودية مرهون بتحسين الوضع الاجتماعي والظروف المعيشية لهذه الفئة وخاصة الأئمة.
إن القيمين الدينيين وخاصة الأئمة يضطلعون بمهمة جليلة تتمثل في الإسهام في حفظ الأمن الروحي للمواطنين المسلمين، وإن حسن أدائهم لهذه المهمة وتفانيهم فيها يحتاج إلى العناية بوضعهم المادي، بحيث يتفرغون لها ويحسنون فيها. ولأجل ذلك أجاز الفقهاء الإجارة على الإمامة بالناس في المساجد.
إن المهام الجليلة للقيمين الدينيين كثيرة وبالغة الأهمية ويصعب، وفي كثير من الأحيان يتعذر الجمع بينها وبين مهنة أخرى. وقد ذكر دليل الامام والخطيب والواعظ الصادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن من مسؤولية الإمام مثلا :
- إمامة المصلين في الصلوات؛
- تنظيم قراءة الحزب الراتب في المساجد بما فيه قراءة سورة الكهف ليوم الجمعة؛
- تعليم القرآن الكريم؛
- الإسهام في الحفاظ على الوحدة الدينية للمجتمع وتماسكه بصيانـة الأمن الروحي ومحاربة السلوكات الشاذة والتطرف؛
- المساهمة في النشاط الثقافي والتعليمي والاجتماعي بالمسجد؛
- إصلاح ذات البين بين الأفراد والجماعات دون تحيز إذا طلب منه ذلك؛
- المساعدة على الأعمال المرتبطة بالجنائز من غسل وصلاة ودفن؛
- السهر على حرمة المسجد وآدابه، والحفاظ على النظام فيه وحمايته من كل نشاط خارج الإطار الديني والمذهبي المعتمد بالمملكة المغربية، وذلك طبقا لما هو وارد ومحدد في هذا الدليل وللتوجيهات الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في هذا الشأن؛
- رفع الأذان عند غياب المؤذن؛
- الإشراف على باقي القائمين على شؤون المسجد وتوجيههم عند الاقتضاء؛
- العناية بتحسين المنظر والهندام والالتزام بالزي المغربي؛
- الالتزام بتعليم أمور الدين وإرشاد الناس في شؤونه
إن هذه المهام الجليلة تقتضي تفرّغا وعقد إجارة يغري بالالتزام بها وإحسان أدائها. ولذلك وجّه ابن رشد الجد ما جاء في المدونة من مشروعية الإجارة عليها بأن صلاة الفريضة، وإن كانت لا تلزم الإمام في مسجد بعينه لكن: “يلزمه من مراعاة أوقاتها وحدودها ما يخشى أن يكون لولا الأجرة لقصّر في بعضها“[1]. وفعلا فالإمام والمؤذن يصعب عليه أن يمارس عملا منتظما خلال اليوم حيث يجد نفسه ملزما بحضور الأوقات الخمس وإن غادر لوقت وجيز فإنه يستعجل الرجوع لمهمته الأساسية، ولا شك أنه سيستثقل ذلك إن لم يجد المكافأة والأجر المناسب.
وكانت العلاقة بين الإمام والجماعة (أي “الجْماعة”) قديما تقوم على الشرط، وهو عقد تقوم بمقتضاه الجماعة بتوفير حاجيات الإمام الأساسية يُسهم فيها سكان القبيلة أو القرية، إضافة إلى ما يأخذه الإمام من عائدات الأوقاف المحبسة على المسجد. ورغم التطور والاهتمام الذي حظيت به هذه الفئة النشيطة في عهد الملك محمد السادس إلا أن التعامل المالي معها ظل على أساس مبدأ المكافأة وليس على أساس المرتبات الثابِتة في ميزانية الدولة.
واليوم مع تنظيم الشأن الديني مركزيا لم يعد الشرط فاعلا خاصة في المدن، وتخلف الناس – إلا في بعض الحالات القليلة- عن العناية التلقائية بالأئمة، وقد بذلت الوزارة جهدا لتحسين مكافأة القيمين الدينيين، بالرفع من منحة الإمام لتصل كحد أدنى إلى 1200 درهم شهريا، وهي غير كافية لسد حاجيات إمام متزوج وله أبناء، في غياب أية مداخيل خاصة أخرى.
نستحضر هنا أن الوزارة وفّرت للأئمة تغطية صحية يستفيد منها الإمام وأسرته، وتكفيه الجانب الصحي الأساسي والتكميلي، من خلال رصد قرابة 220 مليون درهما لها خلال السنة الماضية، كما منحت الوزارة لبعض الأئمة سكنا ضمن مرفقات المسجد وإعفاءات من واجبات الماء والكهرباء- وإن كان لا يشمل جميع الأئمة- وأسهمت مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين بدور محمود في توفير بعض الحاجيات كمنح الأضحى، ومنح التمدرس في الجامعة، وبعض تسهيلات السفر وغيره، لكن ضعف ميزانيتها لا يُمكنها من تحقيق أهدافها كاملة، حيث إنها لم تستطع في السنتين الأخيرتين الوفاء بمستحقات منحة عيد الأضحى مثلا لكل القيميين المنخرطين فيها والمتوفرين على الشروط المطلوبة.
وتجدر الإشارة إلى مشروع تكوين الأئمة والمرشدين الذي تشرف عليه الوزارة وتخرج منه لحد الآن 6182 إماما ومرشدا، يعمل المغاربة منهم بنظام التعاقد في صنف إطار متصرف مساعد السلم العاشر. كما فتحت الوزارة إمكانية التعاقد لولوج السلم العاشر مع بعض حفاظ القرآن من أصحاب الإجازة الذين زاولوا مهمة الإمامة لمدة لا تقل عن أربع سنوات لكن العدد السنوي للمقاعد ضئيل حيث لم يتجاوز 25 منصبا سنة 2020.
إن دور الأئمة المركزي في القيام برسالة المسجد واستمرارها تقتضي مزيدا من العناية بهم وتحسين الوضعية المادية والاجتماعية لهم، كي لا تدفعهم ظروف عيشهم الصعبة إلى ما يهدر كرامتهم باللجوء لطلب الصدقات أو الاضطرار للمطالبة بتحسين أوضاعهم، مما قد يحول بينهم وبين قيامهم بمهامهم الأساسية وواجباتهم المنوطة بهم. فالواجب على الدولة في حقهم أن تمتعهم بما يجعلهم مكرمين مرفوعي الرأس باعتبارهم في مقام القدوة للناس وإمامتهم في أهم ركن من أركان الإسلام بعد الشهادتين. وفي هذا الإطار يمكن للوزارة أن تبدع في أشكال أخرى للتوظيف والإدماج بالتعاقد حسب معايير خاصة بهذه الفئات، وعلى سبيل المثال التعاقد مع الأئمة حملة القرآن الكريم ممن لا يتوفرون على الإجازة، بما يضمن لهم عيشا كريما يغينهم عن السؤال أو انتظار مساعدات المحسنين، ويوفر لهم تقاعدا يعفيهم من الاستمرار في الإمامة أو الأذان رغم العجز والشيخوخة وعدم القدرة.
وختاما فإن التعاقد مع الإمام المشار إليه في الظهير الشريف 1.14.104 الصادر بتاريخ 20 رجب 1435 موافق 20 ماي 2014 والذي عرّف القيم الديني بأنه ” الشخص المتعاقد مع الدولة ممثلة في السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف والشؤون الإسلامية…” يحتاج إلى بيان حقوق القيم الديني وليس فقط واجباته، لأنه يعمل مع سلطة حكومية فينبغي أن يعطى الأجر الذي يستحقه وليس فقط منحة لا تغني عن انتظار إحسان الغير. روى ابن ماجه عن ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ” أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ “.
هوامش:
[1] البيان والتحصيل، ابن رشد، (1/ 469)
الدكتور الحسين الموس / عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح