الأسرة الصالحة أساس المجتمع الصالح

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الأسرة الصالحة أساس المجتمع الصالح، الأسرة وحدة معيشية يجمعها الزواج والعيش المشترك، والعائلة مجموعة من الأسر يجمعها الدم والقرابة، والعائلة للأسرة هي بمثابة الأسرة للفرد يجمعهم جميعا نظام القرابة الذي تترتب عليها عدة تبعات كالميراث والنفقة والتربية والرعاية والحماية وما الى ذلك، والأسرة هي الخلية الأساسية المكونة للمجتمع القادرة على ضمان تماسكه وتلاحمه لأنها تتوفر على أوثق وشائج القرابة، الرابط الأبوي الذي يرتبط فيه الفراد بآصرة الدم والرابط الأمومي الذي زيادة على آصرة الدم، تكون فيه الأم محور القرابة مع ما للرحم من حرمة قوية في قلوب باقي أفراد الأسرة، فإذا افترضنا أن نظام الأسرة يستوعب كل أفراد المجتمع فمعنى أنه متى صلحت الأسرة صلح كل المجتمع ومن لا أسرة له فالواجب أن يستوعبه نظام الكفالة ولذلك رتب القران اليتيم ومن على شاكلته من المتخلى عنهم في المرتبة الثانية ضمن الأصناف الاجتماعية المحتاجة فقال تعالى في آيات البر :”وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين والسائلين وابن السبيل وفي الرقاب”، وقال عز وجل “واذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا”، وقال أيضا “ويسالونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم”، كل هذا من أجل أن يكون من لا أسرة له محاطا أيضا بعناية أسرة الكافل الذي يرعاه ويتعهده ويقوم على حوائجه، وترغيبا على التنافس على هذه الكفالة قال رسول الله صلى اله عليه وسلم : (كافل اليتيم له أو لغيره انا وهو كهاتين في الجنة) إلا أن مؤسسة الأسرة لا تفي بالغرض منها إلا إذا قامت على أسس صحيحة وتوفرت لها المقومات اللازمة.

أولا اختيار الزوجة الصالحة والزوج الصالح، ففي اختيار الزوجة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وفي اختيار الزوج قال صلى الله عليه وسلم : (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

ثانيا التوازن والتكامل في وظائف خدمة الأسرة : لا بد لقوام الاسرة من وظيفتين أساسيتين وظيفة السعي على الرزق ووظيفة الرعاية للأسرة، فأما الكد والسعي على الأسرة لجلب حاجياتها وحمايتها مما يهدد أمنها وسلامتها وظيفة تولاها الرجل منذ البداية بالفطرة وليس عن اختيار، وهي وظيفة مأجورة لا محالة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة)، وأما وظيفة الرعاية الداخلية للأسرة فهي وظيفة تولتها المرأة بالفطرة أيضا لما حباها به من غريزة الأمومة التي هي العامل الأساس في تماسك الأسرة ولم شملها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والأمير راع والرجل راع على أهل بيته والمرأة  راعية على بيتها زوجها وولدها)، ولا شيء يمنع على التعاون على كلا الوظيفتين مع الحفاظ على التوازن المطلوب حيث لا تسلم الرعاية الداخلية للأسرة إلى الغرباء ولا تضطر المرأة الى امتهان أعمال فيها إهانة لكرامتها أو تهديد لأمنها وسلمتها.

الأسرة الصالحة أساس المجتمع الصالح – الدكتور أوس رمال (فيديو)

ثالثا : التزام الإسلام التزاما راشدا دينا ومعاملة وأخلاقا، لأن هذا هو الذي يضمن التقدير والاحترام المتبادل داخل الأسرة كما تنص على ذلك تعاليم الإسلام، ومن النصوص العامة في هذا الشأن جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل أي الإسلام أفضل ؟ قال من سلم المسلمون من لسانه ويده)، ولا شك أن أولى الناس بالتعامل بهذه المعاملة في ما بينهم هم أفراد الأسرة الواحدة، فإذا سلموا جميعا من أذى اليد واللسان حل التقدير والاحترام وعم الوئام والسلام، ومن نافلة القول أن الاسباب التقليدية المعروفة التي تتسبب في إفساد ذات البين داخل الأسرة الواحدة من قبيل التنافس على السلطة بين الزوجين، وخصومة العروس مع الحماة واخوات العريس وما إلى ذلك لا تمت إلى الإسلام بصلة بل هي علامة الجهل بأخلاق الدين الحنيف.

رابعا السكن والمودة والرحمة، قال تعالى :”ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”، هذا هو الأصل هو أن الاسرة توفر السكينة التي يفتقدها الزوج في عناء الكد والكسب طيلة اليوم، وتفتقدها الزوجة في بعدها عن زوجها ويفتقدها الأطفال في زحمة أعمال اليوم، فإذا اجتمعت الأسرة والتئمت وجد الجميع فيها اطمئنانه وسكينته، ثم قال وجعل بينكم مودة ورحمة فحين تحضر المودة والمحبة تكون عين الرضا عن كل عيب كليلة، لكن حين يحدث من أحد الطرفين ما يعصف بهذه المودة يجب أن تحضر الرحمة والشفقة لدى الطرف الآخر، وهذا ما يضمن البقاء والاستمرارية.

خامسا وأخيرا، الرعاية والتربية المسؤولة : فالأسرة يجب ألا تقدم استقالتها في التربية أمام زحف المؤثرات المعاصرة كالتلفزيون المستلب بقنواته التي لم تعد تصحى فبالأحرى أن تضبط، والانترنيت بمواقعه الهدامة وما يروج فيها من مفاهيم الخراب الفكري والتردي الأخلاقي، فالتنشئة على الصلاح مسؤولية الوالدين قبل المدرسة وغيرها، قال تعالى :”يا أيها الذي أمنوا قو انفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، وتعتبر القدوة أهم مداخل التربية لأن الطفل يتعلم عن طريق المحاكاة والتقليد أكثر مما يتعلمه بالتلقين، والوالدان يحتلان الصدارة من بين مواقع القدوة فيكونان دائما قدوة إما في الخير وإما في الشر، فإن كانا قدوة في الخير نشأ الولد خيرا، وإن كانا قدوة في الشر نشأ الولد شريرا على غرار البذرة حين تزرع في أرض بكر تعطي ثمار طيبة، ولكنها حين تزرع في أرض ملوثة تعطي محصولا فاسدا.

معشر الإخوان والأخوات إننا نعيش العصر الذي تتعرض فيه منظومة الأسرة إلى هجوم شرس للشذوذ والانحراف وغير بعيد عنا المصادقة على قانون الزواج للجميع تحت لافتة الديمقراطية وباسم الحقوق الكونية في دولة تحسب نفسها متحضرة، وهو القانون الذي يشن حربا ضارية على ما تبقى من الفطرة في البشرية، إذ يرسم زواج الذكر بالذكر مع إعطائهما الحق في التبني، وزواج الانثى بالأنثى مع الحق في الإنجاب الاصطناعي، ويطلق عليهما إسم الاسرة بالضبط كالأسرة الفطرية التي أصبحت لمزا تدعى الأسرة التقليدية، وما كاد المعارضون يلتقطون أنفاسهم من مقاومة هذا القانون حتى باغتهم إدراج مقاربة النوع في المقررات الدراسية في التعليم الرسمي، وهي المقاربة التي تفترض أن الفرد البشري يولد إنسانا من حيث النوع لكنه محايد جنسيا لا هو بالذكر ولا بالأنثى، ولا عبرة بمظهره الخارجي حتى إذا بلغ اختار الجنس الذي يريده فإن صادف مظهره الخارجي وإلا فالجراحة التصليحية في خدمته، معركة أخرى الله وحده يعلم ما سيتبعها من معارك ومن أنواع المسخ التي تتهاطل على البشرية.

وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون. والحمد لله رب العالمين.

الدكتور أوس رمال / سلسلة تبصرة

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى