العطلة المدرسية وسؤال المخيمات الصيفية ؟؟
1- الأساسي هو التخطيط لحسن تدبير الفراغ
بقدر فرحة الطفل من انتهائه من السنة الدراسية وضغوطها، بقدر ما يجد نفسه معرض لفراغ مهول يعيش فيه مأساة حقيقية، بين غثائية وسائل الإعلام والعديد من برامجها التافهة وتضايق الأهل بأبنائهم وسوء معاملتهم لهم،ولقد بلغت حيرة إحدى الأمهات بأبنائها خلال العطلة الصيفية، وحتى تبقيهم بجانبها وتحميهم من الشلة والشارع، أنها تلزمهم بتنقية أطباق من العدس من أحجاره وكلما أنهوا ذلك بعد جهد وعناء وصبر واصطبار، أعادت الأم الأحجار إلى العدس وألزمتهم أن يعيدوا تنقيته مرة أخرى، وهكذا ذواليك 90 يوما والله المستعان؟؟؟. حاجة الأطفال إلى الترفيه واللعب المنظم، حاجتهم إلى التخلص من الضغوطات النفسية والكآبة والرتابة لاستعادة التوازن والاستعداد للشحن والاشتغال والإنتاج من جديد، ولا يكون ذلك إلا بالتخطيط لحسن تدبير الفراغ واستثمار العطلة ولعل المخيمات الصيفية أهم الفرص المسعفة في ذلك: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ”؟؟؟.
2- المخيم فضاء للتربية والترفيه لا تعوض الأسرة ولا المدرسة:
هناك إشكال حقيقي، وهو تواضع المردودية التربوية في المجتمع، رغم أن الآباء قد وفروا لأبنائهم والحمد لله الكثير من الإمكانيات المادية وحاجيات النمو، وبذلوا معهم الكثير من الجهد التربوي حتى، إلا أن العديد من الأطفال لازالوا يعانون ويتسمون بغياب المهارات وضعف الكفاءات والسيء من العادات والأسوأ من التصرفات…، من هنا حاجتهم إلى مراحل تخييمية باعتبار المخيم مؤسسة تربوية ترفيهية تعطي المتعة والتربية أو على الأصح تعطي التربية عبر المتعة، والطفل لا يتعلم إلا عبر المتعة والتشجيع لا عبر الألم والاتهام، من هنا فالمخيم لا تعوضه الأسرة ولا المدرسة، فالمدرسة قد تعطي المعرفة والمخيم يحبب فيها، والأسرة قد تعطي التغذية والمخيم ينظمها لينتج في الأخير شخصية محاورة ومشاركة، متزنة وفاعلة…، فالشخصية إذا تعطيها الجمعيات والمخيمات أكثر؟؟؟. فقط وبكل ديمقراطية لو سألنا الأطفال المغاربة هل يحبون أن تكون لهم عطلة وأين يحبون أن يقضوها؟، في المنزل أم في الحقل في المعمل أم في المتجر، في الشارع أو في المخيم، مع الأصدقاء أم مع العائلة…؟. ربما قد تختار الغالبية المخيم رغم أن الأطفال في المخيم أيضا قد يتعرضون لبعض الصعوبات كصعوبة الاندماج في البداية وصعوبة الفراق في النهاية وبعض الحالات غير السوية كالخجل والانسحاب أو الجرأة الزائدة والعدوانية لكن سرعان ما تتم معالجتها، وهي في الحقيقة بقدر ما تزعج المربي أحيانا بقدر ما تفرحه أيضا لأن قدر نجاحه والطاقم التربوي والإداري كافة بقدر ما عالجوا من المشاكل، لكن أنى لنا بإداريين ميسرين وبمربين معالجين، وأين تكويناتنا من هذا، وفي أطفالنا من الظواهر ما فيهم ؟؟؟.
3- في المخيم بقرر الأطفال أن يصبحوا رجالا:
لا شك أن صناعة الأبطال تبدأ بصناعة الأطفال، وأطفال اليوم هم رجال الغد، ومستقبل الأمة رهين بحاضر أطفالها، وعبثا يحاول السياسيون والاقتصاديون والعسكريون أن يعالجوا العديد من الاختلالات المجتمعية في حين أصلها تربوي صرف، أتساءل متى سيكتشفون أهمية المخيمات التربوية ويستثمروا فيها ولو بعشر معشار ميزانيتهم الحربية و السياسية؟؟. أطفال الجماعة المخيمة يتعلمون بالضرورة تنظيم الأوقات، المحافظة على الصلوات، الاندماج الاجتماعي، المواطنة والسلوك المدني، تعلم المهارات وتنمية الكفاءات، الاعتماد على النفس وقوة الشخصية، العدل والمساواة والإنصاف، الوحدة والتعاون والعمل الجماعي، الأخوة والتضامن واحترام الآخر والقانون، الحوار والمشاركة والديمقراطية والمسؤولية، الاجتهاد والتنافس الشريف وصقل المواهب والإبداع، التربية الشاملة صحية وبيئية، طرقية وحقوقية….، أليست هذه إشكالات المجتمع المزمنة، أليست هذه قيمنا الغائبة؟؟؟. ومن شدة ما يعجب الأطفال بمخيماتهم الفاضلة يحكي لنا أحد الأطفال وقد وجد صعوبة بالغة في الاندماج طوال الأيام الأولى للمخيم فأخذ يبكي ويلح في المغادرة، ولكن مع تدخل المربين وشيئا فشيئا بدأ يستأنس بالأجواء ويندمج فيها بقوة حتى نسي كل الدنيا وأصبح هو شامة المخيم ونموذجه في كل شيء وما أن جاء اليوم الأخير من المرحلة حتى عاد إلى البكاء من جديد، لكن هذه المرة بسبب أنه لا يريد للمخيم أن ينتهي، سئل الطفل لماذا كففت عن البكاء في البداية قال:”قررت أن أصبح رجلا” وفعلا أصبح رجلا وعاد يبكي كما الرجال يبكون لألم الفراق؟؟؟. وفعلا كم خريج مخيمات أصبح رجلا في حياته وفي المجتمع، فتجده مناضلا في الحياة الجمعوية والعمل التطوعي، حاملا لقيم الخير والمواطنة ويقدم من أجلهما التضحيات، وله موهبة فنية أو رياضية أو تدريبية وقيادية ينفع بهما البلاد والعباد..
-4 المطلوب تنمية المخيمات نوعا وفئة كما وكيفا:
لا شك أن هناك جهود كبيرة من طرف الدولة لرفع الأعداد وتجديد بعض البنيات، ولكنها دون حاجيات الجمعيات ولا الطفولة المغربية فكم هي 250 ألف طفل من بين عدد أطفال المغرب الذين هم في سن التخييم، من هنا فالدولة في شخص وزارتها الوصية مطالبة بتوفير فضاءات جديدة، وبنيات تحتية تجعل من المخيمات مخيمات إنسانية فعلا تضمن المتعة والإفادة وتحبب في الوطن، لا ملاجئء سياسية تهين كرامة الإنسان ؟؟؟. كما على الوزارة الوصية تدبير ملف التخييم بمزيد من الشفافية والسرعة اللازمة، فليس مقبولا على أية حال وخاصة في عصر المعلومات والانترنيت أن يكون الناس على أبواب موسم التخييم والجمعيات لا تعرف بعد فضاءاتها ولا حصصها من المقاعد؟؟؟. مطلوب أيضا إعادة النظر في مسألة النقل خاصة من المناطق البعيدة إلى المخيمات الشيء الذي يرفع من تكلفة التخييم فوق طاقة الآباء، أو يحرم أبناء المناطق النائية والعالم القروي من التخييم في وقت نسعى فيه إلى الإنصاف والعدل والمساواة بين كل أبناء الوطن؟؟؟. كما أن على الجمعيات بذل المزيد من الجهد من أجل تطوير برامجها التربوية والفنية والرياضية والفكرية والتنافسية… بما يتناسب وحاجيات الطفل في هذا العصر، وبما يجعل بعض المخيمات تتحرر من الثنائية القطبية التربية أو الترفيه(التهريج) إلى برامج اندماجية تجمع بين التربية والترفيه أو كما قلنا تعطي التربية عبر الترفيه الفعلي لا التمييعي، ويجعل عملية التأطير تنبني أساسا على أناشيد وألعاب و ورشات ومنافسات وغيرها من إبداعات اليوم لا الأمس ؟؟؟.
5- كيف تختار مخيما مناسبا لأبنائك ؟.
فعلا أرجو أن يصل الآباء إلى مستوى طرح هذا السؤال، وألا نتعامل مع إرسال أبنائنا إلى المخيمات كيفما اتفق، فالمخيم مؤسسة تربوية صحيح ولكنها قد تربي وتبني في الاتجاه الصحيح وقد تخرب وتهدم في الاتجاه السيء، وإن كان هناك من رؤساء المخيمات من ينوب عن الآباء ويحرص الهوية والقيم وخاصة قوانين الوزارة في هذا المجال واتفاقيات حقوق الطفل كما هي متعارف عليها دوليا،فلا يسمح بما يضر بصحة الطفل أو شخصه أو معتقده؟؟؟. ولكن لا بأس ان يتحمل الآباء مسؤوليتهم في هذا الصدد فيتعرفوا إلى الجمعية التي يريدون أن يرسلوا معها أبناءهم إن كانت لهم إمكانية الاختيار، برامجها التربوية ومشروعها البيداغوجي، مدى كفاءة وعدد مؤطريها التربويين وهل هم موضوع قدوة أم يحتاجون إلى من يقتادون به، الاستشارة مع الطفل حسب عمره وجنسه وفئته هل يرغب أن يذهب مع هذه الجمعية، مع زملاءه في المدرسة أو مع غيرهم، ومن الأفضل أن تكون للطفل جمعيته في الحي أو في غيره طوال السنة، سمعة الجمعية وتجربتها في التخييم، مدى رعايتها للأطفال وكيفية تعالمها معهم خاصة في جانب القيم والأخلاق، فجمعية حريصة تخيم الأطفال وتعيدهم سالمين ليست كمن تخيمهم ومن تفريطها تعيدهم مصابين؟؟؟. وأخيرا أيضا لابد أن تكون الأسعار مناسبة ولكن ليس على حساب الجودة؟؟؟.
6- كلمة أخيرة: متى يصبح المخيم حقا من حقوق الطفل المغربي ؟
المخيم مقياس للتنمية البشرية بما في برامجه من لعب وترفيه هو أساس تفتق شخصية الطفل وبنائها وعلاجها واندماجها، فليس با الزفت والإسمنت وحده يعيش الإنسان ولا بالآلات والتقنيات المستعبدة الجافة، فما بالك إذا أضفنا إلى كل هذا وأقصد المخيم جوانب تربوية و فنية ورياضية وسياحية متنوعة وشاملة. المخيم استثمار وخير الاستثمار ما كان في بناء الأطفال ومساعدتهم على تجاوز مرحلة الطفولة والمراهقة بسلام، وكما قلنا أطفال اليوم هم رجال الغد، وبناء الأبطال يبدأ من بناء الأطفال، ومستقبل الأمة رهين بحاضر أطفالها ومستقبل أبطالها، وأشير فقط إلى ضرورة التعاون بين الجمعيات والأسر والمدارس حتى يستمر الأثر التربوي للمخيم ما بعد المخيم وأن يتم سقي ورعاية البذور التربوية والفنية والجمالية التي اكتسبها الطفل في المخيم حتى تؤتي أكلها بإذن ربها، ولعلي أختم بسؤال إلى كل من يهمه الأمر، آباء وجمعيات، مجتمعا ودولة، المخيم بما فيه من تربية وترفيه وهما من حقوق الطفل الأساسية التي صادق عليها المغرب، نعم تستلزم المزيد من الفضاءات والتجهيزات وتطوير البرامج والميزانيات و توسيع الشرائح وتعميم الاستفادة حقا وعدلا لا صدقة ومنة، لكن أظل وأمسي وأعود وأتساءل:”متى يصبح المخيم حقا من حقوق الطفل المغربي”؟؟؟
الحبيب عكي