مجلة الفرقان تحتفل بالذكرى32 على صدورها
احتفلت مجلة الفرقان المغربية السبت المنصرم بالذكرى 32 لصدورها وذلك في حفل أقيم بالمركب الثقافي مولاي رشيد بالدار البيضاء. الحفل الذي يأتي تخليدا لمسار واحدة من المجلات الثقافية التي استطاعت الصمود في مشهد إعلامي وثقافي متقلب؛ صاحبته ندوة حول موضوع “الاعلام الثقافي وأسئلة الفكر والثقافة والقيم” بمشاركة عدد من المساهمين في التجربة والمشرفين على المجلة ويتعلق الامر بالمفكر امحمد طلابي والدكتور سعد الدين العثماني وعدد من اعضاء هيئة تحرير المجلة.
كرمت الاحتفالية التي عقدتها مجلة الفرقان الثقافية طاقم المجلة الذي سهر على إنجاحها وضمان استمراريتها في الصدرو لأزيد من 32 سنة كإحدى المجلات الثقافية الجادة. وحظي المدير المسؤول الأول على المجلة الشيخ محمد زحل بتسليم درع التكريم الذي تسلمه نيابة عنه ابنه بسبب غيابه لعذر صحي، كما شمل التكريم أيضا سعد الدين العثماني الذي اشتغل في مرحلة سابقة مديرا مسؤولا للمجلة قبل أن يتولاها أحمد طلابي الذي تم تكريمه هو الآخر. إضافة إلى ذلك احتفت المجلة بحضور عدد من الشخصيات من بينهم رئيس حركة التوحيد والاصلاح عبد الرحيم شيخي؛ بطاقم تحرير المجلة الذين تم تسليمهم درع الاحتفالية 32.
الاعلام الثقافي والنفير الحضاري
وفي كلمة له تحدث امحمد طلابي المدير المسؤول الحالي للمجلة، عن دور الفكر والثقافة في البناء الحضاري، معتبرا أن الاعلام الفكري يجب أن يكون إعلاما حضاريا أي أن يعمل على إشاعة الفكرة المفجرة والمحدثة للنفير الحضاري. ويضيف المتدخل أن معنى ذلك أن تخدم رسالته تبليغ الافكار وتحويلها إلى وعي قبل ان تتفجر بنيانا في مرحلة لاحقة. ويرى طلابي بهذا الصدد أنه مع الصحوة الاسلامية -التي كانت الفرقان إحدى تجلياتها- تمت العودة الى مساحة الحضارة بعد ان عاشت الامة مساحات كبيرة من الثقافة وليس الحضارة، معتبرا أن من أهم الرهانات الأساسية أن يسهم الاعلام في تفجير هذه العقيدة من جديد، حيث يمكن لإعلام من هذا النوع أن يساهم في بناء السلوك عن طريق الوعي، أي عبر بناء الوعي السليم والمبدأ الواضح واشاعة خريطة القيم القائدة للتغيير.
طلابي الذي نفى أن تكون الفرقان تخدم أي هيئة حزبية معينة أو تخضع لها، أكد أنه من الشروط الأساسية أن يتمتع المفكر والمثقف بحد أدنى من الحرية والخروج من جناح السياسي، معتبرا أن المثقف ليس مجنونا كما قد يتصور ولذلك لا بد ان يظل متحررا من الشرط السياسي كأحد الأمور الأساسية للإبداع.
وبهذا يمكن أن تساهم الثقافة والفكر في بناء الحضارة التي يعرفها طلابي بكونها “أن تتحول فكرة ما إلى إنتاج مادي”، أي تتوفر فكر ما تتحول الى عقيدة عند الأمة، معتبرا ان الغرب اليوم لا تزال لديه فكرة تنتج لحد الان.
وشدد الطلابي على أننا نمتلك خريطة من القيم القائدة مثل قيم الايمان والآدمية والعمران والاخوة والضمير وهي حزم كبرى من القيم لا بد أن يكون الاعلام الفكري ملتزما بإشاعتها ودعمها حتى نستطيع بناء الشخص المتوازن عقلا وروحا والذي يفكر بطريقة باردة لكن يتوفر على عاطفة ايضا في توازن واضح بين العقل والعاطفة. وحسب طلابي فإن الاصداء التي تصل عن المجلة تعبر عن تفاجؤ الكل بالمستوى الذي وصلته المجلة رغم طاقمها الصغير الذي لا يتجاوز أفراده عدد أصابع اليد مرجعا ذلك النجاح إلى التراكم والجودة في المضمون. وبيّن طلابي ان ما تنتجه المجلة لا يخضع للاعلام الخبري بل للاعلام الفكري والثقافي العابر للاحداث اليومية والممتد على عقود. حيث ظلت غاية الفرقان ليس بناء الموقف الذي يكون من صلاحية السايسي وإنما بناء المبدأ الذي هو من اختصاص المفكر والمثقف، وهو ما أسهمت فيه المجلة خلال ثلث قرن من الزمن.
وجوابا عن سؤال حول الظرفية التي ظهرت فيها مجلة الفرقان والتي يمكن اعتبارها جاءت رد فعل على شروط فكرية وسياسية في مرحلة الثمانينات؛ قال طلابي إن المجلة يمكن أن تكون في بدئها عبارة عن رد فعل وهو ليس عيبا؛ مادام أي فعل هو في الحقيقة رد فعل لفعل آخر. واكد طلابي أنه رغم امكانية ذلك فإن المهم أن المجلة تحولت في الساحة الثقافية المغربية إلى فعل ثقافي حقيقي.
الفكر النشيط والثقافة السليمة
من جهته اعتبر سعد الدين العثماني أن الثقافة والفكر والاعلام واحدة من أمهات مواضيع الاصلاح عند كل المهمومين بإصلاح واقع الوطن والامة، باعتبار الثقافة والفكر هي مداخل ترشيد عملية النهوض. فالنهضة التي هي الخروج من التخلف الى التقدم -يضيف المتحدث- لا يمكن أن تتم بدون أن يكون الفكر نشيطا والثقافة سليمة وهما شرطان أساسيان. وتوقف العثماني خلال كلمته ضمن الندوة التكريمية على ثلاثة آفات تصيب الفكر وهي التحريف والغلو وتأويل الجاهلين، مؤكدا على دور الاعلاماليوم في تصحيح التصورات ونشر الثقافة السليمة وتنشيط الفكر. واستشهد العثماني الذي شغل في مرحلة سابقة مسؤولية إدارة المجلة، بعدد من الملفات التي اشتغلت عليها المجلة من قبيل ملف المرأة وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول عدد من متعلقاته، وإبراز الثقافة السليمة من بين العادات والتقاليد السائدة. واكد العثماني أن فهمالنصوص المرجعية المتعلقة بالمرأة وخاصة الدينية منها، يتغير بتغير الثقافة أساسا، ويمكن ان تعوق التقاليد الفاسدة عملية الفهم السليم وهو ما يحدث لعدد من القضايا الفكرية والاجتماعية. وبهذا الصدد شدد المتحدث على أهمية مقاومة كثير من الأفكار المنتشرة والتي لا ينتج عنها الا الفهم المشوه للدين. ويذهب العثماني إلى ان الفكر هو عملية عالمة تنتج أفكارا إلا ان تلك الافكار لا يمكن ان تتحول الى ثقافة الا عندما تستوعب من قبل مجموعات وتصبح مستدخلة في المجتمع، وهو ما يعلق مسؤولية كبيرة على الاعلام عموما الذي تتمثل رسالته في الاشتغال على هذا التحول من أجل مواجهة الاشكالات الثقافية الموجودة في الواقع، باعتبار أن معركة التقدم هي معركة ثقافية أساسا وأنه بقدر ما نتقدم على مستوى الثقافة نتقدم على مستوى الوجود المادي، وبقدر ما نتخلف نكون عاجزين عن استثمار حتى ما هو موجود.
وعن تجربة المجلة قال العثماني الذي صاحب المجلة في مرحلتين أساسيتين إن المجلة لعبت ادوارا فكرية كبيرة في تلك المرحلة، خاصة وأن التنافسية كانت محدودة بما فيها حتى المجلات التي تأتي من خارج المغرب. وبهذا حسب العثماني فقد اضطلعت مجلة الفرقان المغربيية في العشرية الأولى خاصة بدور كبير في التجديد على مستوى الفكر الاسلامي والتواصل مع نخب الدعوة الاسلامية من مختلف الفئات ومكنت من ابراز عدد من الكتابات الاسلامية وتاهيل عدد من الشباب الباحثين. كما نوه العثماني بالحركية الفكرية التي اطلقتها المجلة بعد أربع سنوات من صدورها والمتمثلة في إصدار “كتاب الفرقان” الذي صدر منه اكثر من خمسين كتابا كان لها تأثير كبير لكونها تمس أهم القضايا الاشكالية إذ ذاك.
وشهد الحفل الذي سيّره الدكتور احمد كافي، عرض شريط تعريفي بالمجلة عبر مراحلها الثلاثة، تقدم به الدكتور مصطفى بنان، مشيرا إلى طريقة اشتغال المجلةعلى الملفات، وتطور نظرتها لمعالجةالقضايا التي تطرحها، قبل ان يتم تسليم الشواد والأذرع التكيمية لطاقم المجلة والمشرفين على إخراجها ومدارئها المسؤولين.
المصدر: محمد الإدريسي – التجديد