هل يقرب إنشاء مجموعة للصداقة فرنسا من الاعتراف بفلسطين؟
في خطوة ذات رمزية كبيرة ولها دلالات قوية، صادق مكتب الجمعية الوطنية الفرنسية، الذي تهيمن عليه أغلبية يسارية، الأربعاء 21 نونبر 2024، على إنشاء مجموعة الصداقة الفرنسية-الفلسطينية، مع العلم أنه تم رفض طلب مشابه في ماي الماضي.
ورفض المجلس إنشاء مجموعة الصداقة الفرنسية الفلسطينية بسبب معايير تشكيل مثل هذه المجموعات، المؤطرة قانونيا منذ عام 1981، والتي تستلزم وجود برلمان في الدولة المعنية، وعلاقات دبلوماسية مع فرنسا، إضافة إلى عضوية الدولة في الأمم المتحدة.
وقبل حل الجمعية الوطنية في يونيو 2024 من قبل إيمانويل ماكرون، كانت هناك “مجموعة دراسية ذات توجه دولي” تحمل اسم “فرنسا-فلسطين”، يرأسها النائب عن حزب (موديم) ريتشارد راموس. كان النائب عن الأغلبية الحكومية يطالب، هو الآخر، مثل أحزاب اليسار، بتحويلها إلى “مجموعة صداقة”، على غرار ما هو معمول به مع معظم الدول، بما فيها إسرائيل.
وفي تعليق له على الخطوة، ربط راموس القرار بضرورة تحقيق التوازن والتكافؤ في الجمعية الوطنية، مشيرًا إلى وجود مجموعة صداقة “فرنسا-فلسطين” في مجلس الشيوخ أيضا. وتم إنشاء مجموعة الصداقة بين “فرنسا-فلسطين” في مجلس الشيوخ الفرنسي عام 1981، كجزء من الجهود البرلمانية لتعزيز العلاقات الدولية من خلال مجموعات الصداقة.
إذ استثمر برلمانيون سياق السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، الذي شهد زخما عالميا لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، خاصة مع الاعتراف المتزايد بمنظمة التحرير الفلسطينية كلاعب أساسي في القضية، لإقرار الخطوة، كما أن فرنسا كانت من الدول الأوروبية الرائدة في الدعوة لحل الدولتين.
وعبر النواب البرلمانيون عن ترحيبهم بالقرار، واعتبروها خطوة نحو اعتراف فرنسا بفلسطين، فقد أكدت رئيسة الوفد المكلف بالأنشطة الخارجية، التي كان لها فضل اقتراح الفكرة والدفع باتجاه تبنيها، أنه “في مواجهة الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، يتعين على فرنسا أن تتحرك. ويجب على الحكومة أن تعترف فورا بفلسطين. ومن شأن مثل هذا القرار أن يشكل رافعة مهمة لوقف إطلاق النار وعودة السلام إلى المنطقة”.
من جانبها، وصفت رئيسة مجموعة “فرنسا الأبية” (LFI) في الجمعية الوطنية، ماتيلد بانو، على منصة “إكس”، القرار بأنه “انتصار مشرق في ليلٍ مظلم يخيّم على الشعب الفلسطيني”. كما دعت فرنسا إلى “الاعتراف بدولة فلسطين كي لا يبقى الفلسطينيون منفيين عن أرضهم”.
في الجانب الآخر، يبدو أن القرار لم يلقَ نفس الترحيب، وقوبل بالرفض كما عبّر عن ذلك رئيس الحكومة السابق غابرييل أتال ورئيس مجموعة “معا من أجل الجمهورية”، من خلال رسالة وجهها إلى رئيسة الجمعية الوطنية، أورد فيها أن “فلسطين ليست عضوا في الأمم المتحدة”، وأن البرلمان الفلسطيني المنتخب في عام 2006 “لم ينعقد لمدة 11 عاما”، قبل أن يتم حله في عام 2018. كما أن “فرنسا لا تعترف بدولة فلسطين”.
ماثيو لوفيفر، عضو البرلمان عن المجموعة الرئاسية والرئيس السابق لمجموعة الصداقة الفرنسية-الإسرائيلية، سار على نفس النهج ووصف الأمر بأنه “انقلاب سياسي من قبل الجبهة الشعبية الجديدة ولن يؤدي إلى تقدم السلام قيد أنملة”. وتابع: “إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو قضية أكثر خطورة من ذلك بكثير”.
وفي شهر ماي 2024، تم رفض مقترح مشابه بأغلبية 11 صوتًا مقابل 8، عندما كانت لدى المعسكر الرئاسي الأغلبية في المكتب، مما أثار خلافا بين نواب من معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون في الجمعية الوطنية، الذين أرادوا إنشاء مجموعة الصداقة “الفرنسية-الفلسطينية”.
ووفق مراقبين، فإن إنشاء مجموعة الصداقة “الفرنسية-الفلسطينية” ليس مجرد إجراء رمزي، ولكنه خطوة ذات أبعاد سياسية عميقة، تعكس رغبة كثير من النواب في تجاوز الموقف الرسمي للدولة ودفعها نحو الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة، والتفاعل مع القضية الفلسطينية بمعزل عن القيود الدبلوماسية التقليدية.
من جهة أخرى، فإن وجود مجموعة صداقة “فرنسا-إسرائيل” جعل غياب مجموعة مقابلة لفلسطين يبدو وكأنه اختلال في التوازن السياسي داخل الجمعية الوطنية. لذلك، فإن إنشاء هذه المجموعة يعيد التوازن ويعكس الحرص على تمثيل جميع الأطراف في البرلمان، خاصة في توقيت يحمل دلالات مرتبطة بالسياق الدولي والإقليمي، حيث تتزايد الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، ويزداد الضغط الدولي للاعتراف بحقوق الفلسطينيين.
ومن المقرر اختيار رئيس هذه المجموعة الجديدة للصداقة، ومن بين أبرز الأسماء المرشحة للمنصب، ريتشارد راموس، النائب عن حزب MoDem والرئيس السابق لمجموعة “فرنسا-فلسطين” ذات الطابع الدراسي الدولي في الجمعية الوطنية، خاصة وأنه يتمتع بدعم قوي داخل البرلمان، حتى من الأحزاب اليسارية التي تريد استمرارية دعمه للقضية الفلسطينية.
كما أن نواب الجبهة الشعبية الجديدة (NUPES) هم أيضا على رأس قائمة المرشحين، خاصة ماتيلد بانو، رئيسة كتلة “فرنسا الأبية” في الجمعية الوطنية، والتي وصفت إنشاء المجموعة بأنه “انتصار مشرق”.
حظوظ النواب المستقلين الداعمين للقضية الفلسطينية قائمة أيضا، إذ يمكن تولي المنصب نائب غير منتمي أو من حزب صغير يدعم حقوق الفلسطينيين، ولكنه يحظى بالإجماع.
ومن أهم معايير اختيار رئيس المنصب الجديد تتمثل في تمتعه بتاريخ في دعم القضية الفلسطينية، مثل ريتشارد راموس، الذي يعد الأوفر حظا. لكن رغم ذلك، فإن الأغلبية اليسارية في مكتب الجمعية الوطنية تزيد من احتمال تولي شخصية يسارية لرئاسة المجموعة، أو على الأقل، البحث عن شخصية يمكنها تمثيل جميع الأطراف وتحقيق التوافق داخل البرلمان بما يضمن التوازن الحزبي.