من يريد تحويل القرآن الكريم إلى رقى وترانيم ؟ – خالد الصمدي

زرت بلاد الله بنغلاديش نهاية القرن الماضي فوجدت أهلها يحرصون على حفظ أحاديث صحيح البخاري ومسلم في مجالس العلم بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحفظونها في المدارس لأبنائهم لروايتها بالسند المتصل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم  جيلا عن جيل، دون أن يتكلم هؤلاء اللغة العربية ولا أن يفهموا معانيها،  فأدركت سر حفظ الله تعالى لصحيح سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، على ألسنة الاعاجم حتى لا تنقل إلينا بالمعنى عن طريق تغيير ألفاظها حين تروى عن من يتكلمون اللغة العربية، ورواية الحديث بالمعنى من فنون علوم الحديث التي اهتم بها العلماء ووضعوا لها ضوابطها وشروطها.

وهكذا لم يكن الإمام البخاري عربيا بل كان من بخارى، وكان الإمام مسلم من نيسابور، وكان الإمام محمد بن عيسى الترمذي من ترمذ وغيرهم، فكانت عنايتهم بتحصين ألفاظ المتن بالسند الصحيح المتصل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من اهتمامهم بالفقه والمعنى، ولذلك كانت كتب الصحاح من كتب الحديث التي تلقتها الأمة بالقبول، ووضعتها موضع التقدير بالحفظ والرواية والفقه بعد ذلك.

ولم يكتف المحدثون رضوان الله عليهم برواية وتدوين الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كتبوا حتى الأحاديث الضعيفة والموضوعة ( المكذوبة) على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي وقفوا عليها وجمعوها في أسفار تنبيها عليها حتى لا تختلط بالصحيح من السنة، بل ودونوا حتى أسماء الرواة الوضاعين والضعفاء ومن عرف بخفة الضبط في كتب الجرح والتعديل حتى لا يأخذ الناس عنهم الحديث.

جهود من التدقيق والتحقيق والفقه بذلها علماء الحديث رضي الله عنهم على مر قرون حتى وصلت إلينا السنة النبوية الصحيحة صافية بما تتضمن من بيان للقرآن بتفصيل ما ورد فيه مجملا وتقييد ما ورد فيه مطلقا، وتأكيد ما جاء فيه تطبيقا وعملا، وتخصيص ما ورد فيه عاما، وذلك تنفيذا لقوله تعالى “وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم “، والبيان كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم على مدى 23 سنة من تنزلات الرسالة، ولو لم يكن القرآن الكريم في حاجة إلى بيان لأنزله الله تعالى جملة واحدة كما قال المشركون “وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة “، ولكنه تنزيل متدرج حسب الحاجة حتى تتاح الفرصة للناس للفهم والتطبيق بالتربية والبيان النبوي القولي والفعلي.

ولو ضاع هذا البيان النبوي لاختلف الناس في تأويل آي القرآن الكريم  ولحرفوه عن مواضعه مباشرة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهجره الناس قولا وعملا لصعوبة تطبيق ما جاء فيه، ولكنه الكتاب الخاتم الباقي الى يوم الدين، لذلك لا يمكن فصله عن بيانه  لقوله تعالى “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”، وحفظ السنة البيان جزء لا يتحزأ من حفظ للقرآن.

فلا يفهم القرآن الكريم إلا ببيان أسباب نزوله وهي من قول وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المروية على لسان الصحابة رضوان الله عليهم، ولا يمكن أن ينزل القرآن الكريم منزل التنفيذ الا بمعرفة ما ورد في السنة من تفاصيل الصلاة والزكاة والحج والصوم، وتفاصيل الحلال والحرام، والمعاملات الاقتصادية والاجتماعية والأسرية، وأصول القيم والاخلاق البانية، ولذلك اهتم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم بتدوين وحفظ رواية السنة النبوية الشريفة لما أدركوا دورها في ضمان تنزيل القرآن وخطورة ضياعها في تعطيله.

وهؤلاء الذين يطعنون في السنة النبوية اليوم دون أن يشموا رائحة علم الحديث وجهود العلماء فيه رواية ودراية، بزعم أنها وصلت الينا بالحفظ والرواية والسماع، لا يدفعهم إلى ذلك غيرتهم على القرآن الكريم بحال، وإنما هم يمهدون بذلك للطعن في القرآن الكريم نفسه لأنهم يعلمون أنه وصل الينا بدوره بالحفظ والرواية والكتابة والتدوين، وذلك بهدف التشكيك فيه وعزله عن التأثير في واقع الناس وعن واقع معاشهم ومعاذهم، ودفعه إلى زاوية الترانيم والرقى والتراتيل، كما وقع لليهود والنصارى مع كتب التوراة والإنجيل؟

يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ” سورة التوبة آية:٣٢صدق الله العظيم.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى