مناهج وبرامج التعليم بالمغرب.. الإشكال في الرؤية أم في التنزيل؟

تم تنصيب اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج يوم الثلاثاء 27 فبراير 2024 بعد ما مر ما يقرب من ثلاث سنوات على صدور المرسوم المحدث- الذي أعدته الحكومة السابقة- لها في الجريدة الرسمية. وقد انعكس هذا التأخير على تنزيل مجموعة من الأوراش لها علاقة بتخصص اللجنة.

ويطرح هذا التأخر سؤال الإصلاحات التي عرفها التعليم في بلادنا، وخاصة المناهج والبرامج التي تعتبر روح العملية التعليمية، لأن هذه الإصلاحات لا تستقر على حال وتدخل في دوامة الإصلاح، وإصلاح الإصلاح دون أخذ الوقت الكافي لاختبار نجاح هذا المنهج أو البرنامج أو المشروع الإصلاحي، إذ تتقلب المشاريع بتقلب الحكومات والوزراء الذين تولوا هذا القطاع الحساس.

وفي هذا السياق سعى القانون-الإطار 17-51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي لمعالجة هذه الإشكالية، وضمان نوع من الاستقرار في العملية الإصلاحية للتعليم ومايتعلق به، وإحداث قطيعة مع مسلسل البرامج التجزئية. وتمت المصادقة عليه ونشر في الجريدة الرسمية يوم 09 غشت 2019.

لكن للأسف وبعد مرور أزيد من أربع سنوات على دخول هذا القانون حيز التنفيذ، لم يتم تنزيل مقتضياته على أرض الواقع، واتضح من خلال عدد من المؤشرات أن الحكومة الحالية تركته جانبا، حيث طرح وزير التربية الوطنية والتعليم والأولي شكيب بنموسى “خارطة الطريق 2022-2026، من أجل مدرسة عمومية ذات جودة للجميع” بعيدا عن مقضيات القانون الإطار، والرؤية الإستراتيجية من أجل إصلاح المدرسة المغربية 2015- 2030.

كما أن تنصيب اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج مؤخرا، لم يأتي في سياق مشروع إصلاحي متكامل،بل إن الوزير بنموسى حدد للجنة هدفا يخدم خارطته بقوله ” يأتي الإرساء المؤسساتي لهذه اللجنة، يأتي من أجل مواكبة الأوراش الإصلاحية التي تضمنتها خارطة الطريق 2022-2026 “. وهذا يعني أننا ماضون في مسلسل البرامج التجزئية والتجريبية وهي المشكل الكبرى التي تحول دون تحقق الأهداف المرجوة.

وأكبر دليل على ذلك أن الإصلاحات في مجال البرامج والمناهج، لم تعرف إصلاحات كبيرة ذات أثر إيجابي باستثناء تعديلات تم بموجبها إقرار نظام التعليم الأساسي سنة 1985، واعتماد النظام الجديد للباكالوريا عام 1987 وإعادة هيكلة التعليم الثانوي سنة 1994، وحتى لما تم تعيين رئيس اللجنة الدائمة المذكورة، حضر فيه الهاجس التدبيري والتسييري و لم يحضر هاجس الخبرة، لأن عمل اللجنة يحتاج لخبرة عميقة في مجال تطوير المنظومات التربوية بصفة عامة، وبناء المناهج والبرامج والتكوينات وإصلاح المنظومات التربوية والتعليمية بصفة خاص لتحقيق الجودة المطلوبة، لأن مجال المناهج والبرامج عمل دقيق وليس عملا تدبيريا.

ويتخوف البعض من جعل هذه اللجنة آلية لصياغة مناهج برامج تعليمية؛ تهدف لخدمة شروع مجتمعي بمواصفات معينة، والحال أن الأمر يتطلب كما يقول بعض الخبراء حوارا وطنيا تحضر فيه كل مكونات المجتمع وفئاته بمختلف مشاربها الفكرية والاجتماعية، فضلا عن احترام واستحضار المرجعيات التي يؤكد عليها دستور البلاد، لأن الحديث عن المناهج والبرامج لاينفصل عن قضايا الهوية والانتماء في المنظومات التربوية وخاصة في المدارس الخصوصية.

وفي هذا السياق، كانت لجنة التعليم لحركة التوحيد والإصلاح جددت في بيان لها في 25 أكتوبر 2023 دعوتها وزارةَ التربية الوطنية إلى تعزيز القيم الإسلامية والوطنية في المناهج وفي الوسط المدرسي، رافضة إقحام التطبيع مع الصهيونية وكيانها المحتل في المجال التربوي تحت ذريعة التنوع المغربي. كما نبهت إلى تنامي اختراق بعض القضايا الغريبة عن قيم المغاربة لبعض الكتب المدرسية خصوصا في مدارس البعثات أو القطاع الخاص.

وشددت لجنة التعليم لحركة التوحيد والإصلاح على أن المناهج والبرامج الدراسية يجب أن تبقى مؤطرة بالقيم المستمدة من الثوابت الوطنية، والمنصوص عليها في الدستور وعلى رأسها وفي مقدمتها الدين الإسلامي، داعية لعدم جعل التعليم ورشا لتجريب الصيغ والأشكال التربوية، وأن يضعوا نصب أعينهم هوية الوطن التي حددها الدستور، وأن يحرصوا على الانسجام بين الرؤية والقانون الإطار.

إن المتتبع لمسار إصلاح التعليم في بلادنا وخاصة إصلاح المناهج والبرامج التعليمية، يجد أنه تعرض منذ فجر الاستقلال لمحاولات تفريغ تلك المناهج والبرامج من هويتها الوطنية والدينية مما يؤكد أن المشكلة ليست في التنزيل فقط في الرؤية كذلك إذ يطبعها الارتباك وعدم الاستناد بشكل واضح على القيم الوطنية والدينية المنصوص عليها في الدستور دون الانغلاق على الذات، فالمفروض في التعليم أنه الفاعل الأساسي في صناعة الإنسان المغربي بعد الأسرة.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى