أوس رمال: محاربة الغش في الامتحان مسؤولية الجميع

ألقى الدكتور أوس رمال خطبة جمعة بمسجد الرضا بفاس، في موضوع محاربة الغش في الامتحانات  في شهر يونيو من عام 2018، ونظرا لأهمية موضوع هذه الخطبة نعيد نشرها حتى تعم الفائدة بإذن الله تعالى. 

الحمد لله جعل الاجتهاد و المثابرة الطريق القويم للنجاح في الامتحان ومقت الكسل والغش وكل من ساعد على الفساد وأعان.

بمناسبة انطلاق  مرحلة الامتحانات  في كل مستويات الدراسة،  وهي مرحلة يتم فيها تقويم عمل سنة من التدريس وإرساء التعلمات وهي محطة حاسمة من حياة المتعلم “عند الامتحان يعد المرء أو يهان ” وفي حياة أسرته، مرحلة مهمة من حياة المجتمع و الدولة لذلك هي محطة يشتغل بها الجميع (الطلبة، الأولياء، المؤسسات على اختلاف مستوياتها، السلطات بمختلف أصنافها (القوات المساعدة الأمن الوطني الدرك الملكي الوقاية المدنية …….)

جميع هده الهيئات والمؤسسات تكون مستعدة ومتأهبة، بمجرد بداية الامتحانات. لكن في نهاية كل هذا يأتي المفسدون تجار الغش فيبددون كل هذه الجهود ويضيعون كل هذه الأموال.

وهذا الغش في الامتحانات أخطر أنواع الغش لأن الغش في الميزان الذي مقته الله من فوق سبع سماوات  له أثر على المال

الغش في الدواء له أثر على صحة المريض لكن الغش في الامتحانات فهو غش في بناء الأجيال له أثر على مستقبل الأمة جمعاء.

هدا الغش ينمي روح الانتهازية والمصلحة الفردية والمكر والخيانة والكذب ولهذا نجد باب في صحيح البخاري باب  كله سماه باب “من غش فليس منا “.

والغش في الامتحان نوعان:

– غش فردي يحاول فيه المترشحون استغفال القائمين على الإمتحان باستعمال وثائق ووسائل تحظرها القوانين والمساطر المنظمة لعمليات الامتحان. (عذرهم أنهم مراهقون).

– غش آخر  منظم ينتجه متخصصون في الغش بالغون مسؤولون، يغررون بالتلاميذ ويبتزون أموال  أولياءهم. وهؤلاء لا عذر لهم،  هؤلاء وجب الضرب على أيديهم بكل قوة  لأنهم خونة يبيعون أنفسهم للشيطان، ويبيعون وطنهم بعرض زائل من الدنيا و محرم يطعمون منه أولادهم. وينسون أن رسول الله صلى اللله عليه وسلم قال “إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى بعه”. سنن الترمذي

هؤلاء يتلاعبون بمستقبل الشباب، وشباب البلاد هم مستقبلها فالأمم و الحضارات إنما تقام على يد أبناءها فإذا كان الطالب الذي سيصير أستاذا أو طبيبا أو محاميا أو وزيرا  أو قائدا قد بنى تعليمه على الغش فمادا تنتظر منه ؟

والبناء إذا كان مغشوشا من أسسه فمآله الانهيار لا محال قال تعالى: ” أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”.

ولذلك لابد من تظافر جهود الجميع المترشحون والمدرسون والمفتشون والآباء وأمهات وأولياء التلاميذ و السلطات بكل أصنافها.

لأن هدا الوطن هو سفينتنا التي نركب فيها جميعا و إذا غرقت عرقنا جميها ” مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا“.[رواه البخاري عن النعمان بن بشير]

الطلبة والتلاميذ  يجب أن تتظافر جهود الجميع يجب ألا يسكتوا على هذه الظاهرة وألا يتستروا على أصحابها و ألا يكتفوا بالتشكي  لأنهم أول المتضررين من الغش الذي يضيع عليهم حظوظهم و تكافؤ فرصهم مع هؤلاء الغشاشين .

اطلع على

البقالي: عواقب الغش وحملة لننجح بشرف(فيديو)

و الواجب اتخاذ موقف من هذه الظاهرة و فضحها حتى تصبح منبوذة في المدرسة  والثانوية والجامعة و المجتمع  كله لأن الغاش كحامل السلاح في المجتمع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا”.

قرن الرسول من غش بمن حمل السلاح على المؤمنين لأن الغش سلاح فتاك في يد أعداء  الوطن من الداخل و الخارج همهم تضييع مصداقية المنظومة التربوية كلها و العبث بسمعة شهاداتها، بل وبسمعة البلد كله و بمستقبل أجياله .

كانت للباكلوريا  قيمه كبيرة، أما الآن فلا تكفي الشهادة و إنما تتبعها المباريات  الشفوية و الكتابية. المربون المدرسون والمفتشون هؤلاء هم المستأمنون على جودة الامتحانات، ومهما وجد من القوانين و المساطر إدا لم يفعلوها هؤلاء المربون فلن تكون لها فائدة ولا مصداقية أبدا وكل ساكت ومتفرج لا يتحمل مسؤوليته كاملة في محاربة الغش فهو متورط  عن قصد أو غير قصد في عمليات الإفساد التي تشوب الامتحانات.

التنافس بين المؤسسات مشروع لكن يجب أن يكون تنافسا في الإرساء الصحيح التعلمات وفي العطاء والتضحية خلال السنة كلها  وليس الانتظار إلى حلول أخر السنة و من أجل الركوب على الغش .

عَنْ معقل بن يسار قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ، وَهُوَ لَهَا غَاشٌّ ، إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ” .

الآباء و الأمهات وأولياء التلاميذ  يجب ألا يستسلموا للمراهقين و للمفسدين الذين يغررون بأولادهم . و الأحسن لهم أن يربوا أولادهم مند الصغر على الجد و الاجتهاد و الاعتماد على النفس لأن هذا هو الذي يضمن لهم المستقبل حقيقة ، فكيف ينخرط الآباء في هذا النوع من الزيف و الخديعة  وهم يعلمون أنه طريق مغامرة و مقامرة و أن ماله الخسران لا محالة .

السلطات أيضا مستأمنة رسميا على حماية الامتحانات من كل المفسدين الذين يتربصون بها فعليها ألا تتردد في معاقبة كل الممارسات غير اللائقة مثل تعنيف المراقبين وتهديدهم و إشهار السلاح في وجههم. وعليها ّأن ترصد الأوكار التي تتجمع فيها العصابات المنتجة للغش و التي يبعثون منها برسائل الغش إلى قلب المؤسسات التعليمية  ولا أحد يصدق أنه من الصعب اليوم في زمان تقدمت فيه التكنولوجيا ووسائل الاستخبار و القبض على هؤلاء و معاقبتهم بما يستحقون على خيانتهم وعلى الضرر الذي يلحقونه بسمعة بلدهم .

و المؤمل أن تمر امتحانات هذه السنة في أجواء تربوية سليمة يطبعها التنافس الشريف، و أن تعود للامتحانات حرمتها وللنتائج قيمتها وللشواهد مصداقيتها ولسمعت البلد قوتها.  حتى يخيب أمل الحاقدين و المتربصين. و هذا من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الذي تدرك به الخيرية بين الأمم  قال تعالى ” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون “ال عمران  110

والحمد لله رب العالمين.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى