قواعد وإرشادات حول ترشيد استهلاك الماء من قيمنا الإسلامية
المياه هي سر الوجود وسر حياة جميع المخلوقات على وجه الأرض، وقد خلق الله منها كل شيء بالوجود، يقول الله تعالى “وجعلنا من الماء كل شيء حي”، فأينما وجدت المياه وجدت الحياة ونمت الكائنات والنباتات وازدهرت المجتمعات وحلت البركة والخير والرخاء.
والمواطن الغيور على بلده يحرص على الحفاظ على هذه النعمة ولا يهدرها، ويغرس في أولاده المحافظة عليها والاهتمام بها، فقد أكد الإسلام على أهمية الاهتمام بالماء والحفاظ عليه، حيث يعد الماء شريان الحياة والأساس الأساسي لبقاء الإنسان وجميع أشكال الحياة على وجه الأرض.
قال تعالى محذرا من التبذير مطلقا: “ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا”، وقال النبي ﷺ: (كل واشرب والبس وتصدّق في غير سرف ولا مخيلة)، فالمؤمن مأمور بالاقتصاد في كل شيء، منهي عن الإسراف في كل شيء، حتى في استعمال الماء في الوضوء والغسل والنظافة يجب أن يقتصد، فقد رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أفي الوضوء سرف؟ قال : نعم، وإن كنت على نهر جار).
ومن المطلوب عند استهلاك الماء لأجل العبادة؛ التخفيف من فتح صنابير المياه الموجودة في المساجد أو البيوت أو أماكن العمل، وإغلاقها عند الانتقال من غسل عضو إلى غسل عضو آخر، وأن يكون عدم الإسراف منهج حياة عند كل مسلم.
وقد فرضت الشريعة الإسلامية على المسلمين العديد من الواجبات تجاه نعمة الماء، منها:
- استخدام الماء بشكل معتدل وعدم الإسراف فيه؛ حيث يجب على المسلم أن يكون مدركًا لأهمية الماء وضرورة استخدامه بحكمة وعقلانية.
- تنظيف وتطهير الماء من الشوائب والرواسب؛ حيث يجب أن يكون الماء الذي نستخدمه صالحًا للشرب ولأغراض النظافة الشخصية والوضوء والصلاة.
- المحافظة على المياه العذبة؛ حيث يجب الحفاظ على البحيرات والأنهار والمجاري المائية الطبيعية والمساهمة في حمايتها وعدم إلقاء المخلفات والسموم بها.
- التصدق بالماء؛ حيث يعتبر توزيع الماء على الفقراء والمحتاجين واجبًا إنسانيًا وشرعيًا في الإسلام.
وفي هذا الصدد أشار الدكتور الحسين الموس نائب رئيس مركز المقاصد للدرسات والبحوث، إلى مجموعة من القواعد والعادات البسيطة التي تُسهم في ترشيد الانتفاع من الماء الذي جعله الحق سبحانه أساس حياة كل الكائنات:
القاعدة الأولى
تروم تحسيس الفرد بأن ما بحوزته من الماء – ولو أدى ثمنه وتكاليفه استخراجه- ليس ملكا خاصا له، بل هو نعمة مشتركة بين الناس، ولهم حق فيما فضل عن استعماله منها. وإن الوعي بهذه القاعدة يجعل الفرد محتاطا عند استعماله، لا يبذره ولا يُضيعه. روى ابن ماجه عن ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: ” الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ” وفي رواية أبي داود عن عَنْ رَجُلٍ مِنْ اَلصَّحَابَةِ – رضي الله عنه – قَالَ: – غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اَللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: اَلنَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ : فِي اَلْكَلَأِ ، وَالْمَاءِ ، وَالنَّارِ –” وهذه الرواية أعم لأنها تجعل كل البشر شركاء في هذه الموارد التي بها قوام الحياة: الماء، الكلأ والنار…وهم شركاء أيضا في أمور أخرى من مثل الهواء والبيئة وغيرها. لكن الحديث أكد عن بعض الموارد المعرضة للنقضان، والتي يقع التشاح وربما التنازع حولها.
وقد وعت الدول اليوم هذه الحقيقة النبوية، فبسطت سيطرتها على كل الأحواض المائية، وألزمت الحصول على ترخيص خاص لأجل الانتفاع بها ولو كانت في حيز يملكه الفرد كالآبار مثلا. لكن الناس قد يلجؤون إلى الحيل قصد استهلاك ما بحوزتهم، وقد يبذرونه بغير وجه حق. وإن شعور المسلم بحقيقة الاشتراك في الماء وأن لإخوانه من أبناء الوطن، وللأجيال التي ستأتي أيضا نصيبا من المياه الظاهرة والجوفية يدفعه إلى عقلنة استعمال الماء، وإلى الابتعاد عن خصلة التبذير التي قال عنها الحق سبحانه: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 26، 27].
القاعدة الثانية
يصورها حديث النبي عليه السلام أحسن تصوير حيث شبه أفراد المجتمع بمن استقلوا سفينة، وفيهم من يفسدون ويعرضونها للخرق وللغرق وفيهم الصالحون، وأكد أنه لا سبيل للنجاة إلا بتفعيل فريضة التواصي بالحق، والنصح لمن يفسدون ويهددون الأمن المجتمعي ومنعهم إن اقتضى الحال.
روى البخاري عن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال : “مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا ، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا : لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا ؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا”.
وإذا كان النبي عليه السلام قد عدد عشرة أصناف شركاء في اللعنة التي تلحق من يقتربون من معصية الخمر، فإنه قياسا على ذلك يمكن القول أن هناك فئات كثيرة تشترك في معصية هدر الماء وتبذيره نذكر منها:
- من يقوم باستغلال الماء ويتهرب من الحصول على الرخصة اللازمة ومن أداء الواجب المحدد.
- من يسهل حفر الآباء أو استغلال الماء دون ترخيص، سواء فعل ذلك بدافع الصحبة والخلة، أم من بدافع الحصول على رشوة يغض بها الطرف عن المتابعة القانونية للجاني.
- من لا يبلغ عن تسربات الماء الصالح للشرب التي يراها في طريقه، أو من تصله الشكاية من موظفي شركة توزيع الماء والكهرباء ولا يقوم باللازم ويتأخر عن تفعيل الشكاية وإرسال من يقومون بإصلاح التسربات.
- من يوكل إليه تدبير مرفق عمومي يحتاج إلى استهلاك كميات من الماء لا يقوم بما يلزم لترشيد استهلاكه ومراقبة العمال في ذلك.
- من لم ينصح لوطنه في اختيار نوع الخضر والفواكه التي تناسب بيئتنا وأصر على استيراد ما يحتاج منها للكميات الكبيرة من المياه…
القاعدة الثالثة
من العادات التي ينبغي أن نستنبتها ونؤكد عليها عادة تقليل الماء المستعمل في النظافة والوضوء والاغتسال وكافة مناشط الحياة. وقد أرشد النبي عليه السلام إلى ذلك وجعل من فضائل الوضوء التقليل من الماء. ونقل عنه صلى الله عليه وسلم، أنه كان يتوضأ بأقل من لتر ماء.
ومن القواعد والعادات المُسهمة في ترشيد استهلاك الماء، ما يلي:
- استخدم إناء عند غسل السيارة، ولا تستخدم خرطوم المياه.
- لا تترك الماء جاريا إلا عند استخدامه، سواء خلال الاستحمام، أو الحلاقة أو غيرها .
- اقتصد في وضوئك واغتسالك، وإن كان لابد من استعمال صنبور الماء فضع سطلا تحته بعد غسل الأنف لاستعماله في غسل اليدين والرجلين.
- الاحتياط عند غسل الأسنان والحلاقة، وتجنب ترك الصنبور مفتوحا أثناء الغسل أو الحلاقة.
- عند الاغتسال استعمل سطلا مملوءا فهو الأولى، وإن كان ولابد من استعمال رشاشة الماء فضع إناء تحتها في انتظار وصول الماء الدافئ، واستعمل ما تجمع منه في تنظيف المرحاض، وأوقف الرشاشة عند القيام بالتنظيف لئلا يضيع الماء.
- إن تيسر لك اقتن المعدات التي تسهم في حفظ الماء والتي تعمل بالليزر، وبالنسبة لزر طرد الفضلات من المرحاض استعمل الصغير لطرد فضلات التبول لا الكبير.
- ماء الشرب وصلك بعد عمليات كثيرة مكلفة، فلا تبذره عند الشرب، وتعود ألا تسكب في الإناء إلا ما ستشربه من الماء، واحرص على الاحتفاظ بقارورة الماء التي شرعت في استعمالها، وخذها معك إن كنت في لقاء علمي أو إداري لتشرب بقيتها فيما بعد أو تسقي بها بعض النباتات.
- تسخين الماء لصنع الشاي يجب أن تراعى فيه وضع الكمية المراد استعمالها حسب عدد الأفراد، وأن يحتاط من تركه يغلي ويتبخر في الهواء.
- لا تتوانى في إصلاح تسربات الماء ولو كانت قليلة، فالمثل المغربي يقول ” قطرة قطرة كيحمل الواد”.
القاعدة الرابعة
هذه القاعدة لها اتجاهان متوازيان، الأول يخص الدولة والمؤسسات الرسمية المكلفة بالمياه والغابات والفلاحة، أما الثاني فيتوجه إلى المواطن ويبين دوره في حفظ الماء من خلال ترشيد استهلاك الخضروات والفواكه.
إن نسبة المياه المستعملة في الميدان الفلاحي جد مرتفعة، وتزداد خاصة خلال أشهر الصيف الثلاث، ومن ثم فإن ترشيد استهلاك الماء وحفظه يقتضي الالتفات إلى هذا الجانب باعتباره مظهرا آخر للماء وكما يقول المثل المغربي ” حلوف كرموس”.
أولا من جانب الدولة: لا بد للدولة ممثلة في الحكومة والبرلمان وباقي المؤسسات المرتبطة بالمياه والغطاء النباتي أن تعيد تقييم نوعية المزروعات، وجدوى اعتمادها حسب المناطق، خاصة أشجار الأفوكا والموز، وكذلك زراعة البطيخ والدلاح التي تؤثر كثيرا على المخزون من المياه. لقد صرح أحد الباحثين المغاربة في الميدان الفلاحي في أحد البرامج التلفزية أن كيلوجرام واحد من الأفوكا يتطلب 1000 لتر من الماء ! أي أن المواطن الذي يبذر خمس حبات أفوكا ويعرضها للتلف، يكون قد أهدر ألف لتر من الماء إضافة إلى مصاريف الانتاج والرعاية والتسويق.
ثانيا من جانب المواطن: فإنه ينبغي أن يكون عنده حس ترشيدي، يرى فيه أن تضييع ثمرة من ثمرات الأفوكا أو الموز، أو إهدار بعض أجزاء البطيخ تبذير لنسبة كبيرة من الماء الذي استعمل لأجل إنضاج تلك الفاكهة ووصولها للمستهلك.
ومن القواعد والعادات المُسهمة في ترشيد استهلاك الخضروات والفواكه، ما يلي:
- لا تشتر فوق حاجياتك وأسرتك من الخصر والفواكه.
- تفقد ما في الثلاجة من خضر وفواكه واحرص على استهلاك الأقدم فالأقدم، وعلى إزالة ما يمكن أن يتعرض للتلف .
- عند وضع الفواكه للاستهلاك قطعها أجزاء صغيرة
- لتحضير عصير بعض الفواكه احرص على حسن الإعداد وعلى استهلاك السائل من البرتقال وغيره بالكامل، ثم ضعه في أكواب غير كبيرة يمكن شربها كاملة.
- يمكن إن تأكدت الإحصائيات المرتبطة بكلفة بعض الفواكه من الماء، والتي تثقل كاهل ميزانية الأسرة أن يقاطعها المستهلك أو على الأقل يقلل من شرائها، فيسهم في تقليل زراعتها.
يؤثر الحفاظ على الماء بشكل كبير على البشر والكائنات الحية الأخرى، وتتضمن الآثار الإنسانية لحفظ الماء:
- تحسين الصحة والنظافة الشخصية؛ حيث يعتبر الماء النظيف والصالح للشرب جزءًا هامًا من الحفاظ على صحة الفرد والمجتمع.
- توفير المياه للزراعة والري؛ حيث يعتبر الزراعة مصدرًا هامًا لتوفير الغذاء، وبدون ماء كافٍ للري، يصبح من الصعب تحقيق الأمان الغذائي.
- تحسين ظروف المعيشة في المناطق القاحلة؛ حيث قد تعاني بعض المناطق من ندرة المياه، وبالتالي، فإن توفير وتوزيع الماء بشكل فعال يمكن أن يحسن ظروف المعيشة في هذه المناطق القاسية.
- تعزيز الاستدامة البيئية؛ حيث يساهم حفظ الماء في الحفاظ على النظام البيئي والتنوع الحيوي والمحافظة على الأنهار والبحيرات والمسطحات المائية.
موقع الإصلاح