فاعلون مدنيون وأكاديميون يشددون على التمسك بالثوابت في مراجعة مدونة الأسرة ويؤكدون على الخصوصية المغربية
أكد فاعلون مدنيون وأكاديميون أن الأسرة هي النواة الأساسية للمجتمع، وأن مراجعة مدونة الأسرة لا تكون بمراجعة الثوابت والأسس القائمة عليها، مشددين على أن المس بالمرجعية الدينية للمدونة يخالف مضمون الخطاب الملكي.
وأوضح الفاعلون في تصريح لموقع “الإصلاح”، أن إصلاح مدونة الأسرة ينبغي أن يتم في احترام تام للمرجعية الإسلامية للمجتمع المغربي، وخصوصياته التاريخية والثقافية والحضارية، وثوابته الجامعة التي أقرها الدستور، مع ضرورة استخراج مفاهيم من تراثنا الفكري بدل اتباع الاتفاقيات الدولية، بعدما اتضح أن القانون الدولي يكيل بمكيالين، ويسري على فئة دون أخرى.
وفي هذا السياق، اعتبر الأستاذ رشيد العدوني نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح أن من حق الجميع أن يقترح ما يراه مناسبا لحماية الأسرة، والنهوض بها باعتبارها النواة الأساسية للمجتمع في إطار احترام الثوابت الوطنية الجامعة للمغاربة، التي نص عليها الدستور وحصنها من كل تجاوز أو تعديل وفي مقدمة الثوابت نجد الإسلام.
وأوضح العدوني، أن مراجعة المدونة هذه المرة جاءت بمبادرة من أمير المؤمنين وبتأطير استباقي منه، حيث أكد أكثر من مرة على عدم تحريم حلال أو تحليل حرام. كما أن رسالته لرئيس الحكومة الخاصة بمراجعة مدونة الأسرة، أكدت على أن الثوابت والأسس التي تقوم عليها المدونة الحالية لا يمكن أن تكون محل مراجعة.
ونبه المتحدث إلى أن هذا لا يتنافى أبدا مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان، لأن هذه الالتزامات مؤطرة بالنص الدستوري، والاتفاقيات الدولية لا تسمو على التشريعات الوطنية إلا في إطار أحكام الدستور، والثوابت الجامعة والهوية الوطنية الراسخة.
وأشار العدوني إلى أن بعض الهيئات والمؤسسات، بما فيها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لا تهتم بالدستور ولا بالمرجعية الوطنية الإسلامية ولا بتوجيهات أمير المؤمنين، قدر اهتمامها بأجرأة الضغوط الدولية على المغرب، واستيراد نموذج مفلس للأسرة، ومحاولة فرضه على المغاربة مع جرأة غير مسبوقة في تجاوز نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو ما يجعل هذه المقترحات محاولة استفزازية للوجدان الشعبي المغربي؛ تنذر بتفكيك وتخريب الأسرة المغربية المسلمة، وتقليد بئيس من دعاة الحداثة للأسرة العلمانية، التي وصلت إلى الكوارث في بعض المجتمعات الغربية.
واعتبر العدوني أن استهداف المرجعية الإسلامية؛ استهداف لأساس المشروعية في هذا البلد العزيز، وهو ما يستدعي مسؤولية الجميع للدفاع عن مرجعية بلادنا وسيادته، خاصة من طرف العلماء والدعاة، وكافة الوطنيين المغاربة لمواجهة هذه الموجة التغريبية والتدميرية الجديدة والمتجددة، والسعي للدفاع عن الأسرة وتوجيه مشروع المدونة إلى معالجة الاشكالات الحقيقية للأسرة، وهي موجودة ولكن في إطار المرجعية الإسلامية التي ارتضاها المغاربة منذ قرون قيادة وشعبا.
من جهته، أكد الدكتور محمد البراهمي أن المساس بالمرجعية الإسلامية في تعديل مدونة الأسرة؛ مساس بأسس استقرار البلد وتماسكه، وحفر تحت ثوابته وعناصر قوته، وتطاول على الوثيقة الدستورية، التي نصت في تصديرها على أن الهوية المغربية “تتميز بِتَبَوُّئِ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها”، وأن “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية”.
وأوضح مسؤول قسم الدعوة والعمل الثقافي لحركة التوحيد والإصلاح في تصريح لموقع “الإصلاح”، أن الدستور ينص في فصله الأول على أن البلد يستند على” ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي”، ونص في فصله الثالث على أن” الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية”. كما نص الفصل السابع على أن الأحزاب السياسية ” لا يجوز أن يكون هدفها المساس بالدين الإسلامي، أو بالنظام الملكي، أو المبادئ الدستورية، أو الأسس الديمقراطية، أو الوحدة الوطنية أو الترابية للمملكة”.
واعتبر لبراهمي أن المس بالمرجعية الإسلامية تجاهل للتوجيه الملكي، الذي نص عليه جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2022 ، الذي جاء فيه “وبصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله “، مشددا على أن المطالب التي تمس بالمرجعية الإسلامية تسعى لممارسة للوصاية على المغاربة، وتجاهل للرأي العام المغربي المتشبث بهويته الإسلامية، وثقافته وعاداته الحضارية المغربية.
وشدد الأستاذ الجامعي على أن الشعب المغربي؛ شعب متمسك بثوابته وهويته الدينية والحضارية، وهو ما كشفته وأكدته الدراسات والتقارير الرصدية، الصادرة عن المؤسسات العلمية والبحثية، مثل الدراسة الوطنية حول القيم وتفعيلها المؤسسي الصادرة عن مجلس النواب المغربي فبراير 2023، وتقرير المؤشر العربي صادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بفبراير 2023، وتقرير البارومتر العربي الصادر في يناير 2023، واستطلاع الأفروبارومتر الذي أكد أن 78 في المائة من المغاربة مع تعديل المدونة استنادا إلى المرجعية الإسلامية.
ومن جانبها، نبهت الدكتورة خديجة صبار إلى أن قضية المرأة ليست مسألة نسائية، بقدر ما هي قضية مجتمع، وهي في العمق قضية الأسرة والحياة الزوجية والتربية العائلية، ولا يمكن أن نبني مجتمع عصريا بدون نواة أسرية مكونة من زوج وزوجة لهما مشروع في الحياة.
وأضافت عضو الأمانة العامة في المؤتمر القومي العربي في حديثها لموقع “ألإصلاح”، أن تنظيم الحقوق ومن ضمنها الإرث وزواج القاصرات و غيرذلك، يحتاج للتحقق فيهامن منظور الواقع القابل للممارسة، ويتفادى الأفكار المثالية والنظرية المستعصية على التطبيق، والتي تخلق الفوضى داخل المجتمع، مشيرة إلى أن الأسرة في المغرب لا تشكل نموذجا واحدا، فهناك أسر بدوية وأسر حضرية، وأسرعربية وأمازيغية، وأسر مختلطة وغير ذلك.
ولئن كانت وظيفة الأم لا تتغير بهذا التميز، تؤكد صبار أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي يعرف تفاوتا كبيرا وبالتالي يحتاج لإصلاح شمولي يمس ماهو اجتماعي وسياسة عمومية تنهض بالمجال القروي، وهي مسؤولية الدولة.
وأوضحت عضو مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، أن المفاهيم كثيرا ما يتغير معناها حينما ننقلها من مجال إلى مجال آخر، وتتغير وظيفتها حينما تغادر مجالها الأصلي إلى مجال آخر وهذا ما يحدث عندنا. وتساءلت ” نأتي بمفاهيم من الغرب، هل وضع المرأة في المغرب هو وضع المرأة في فرنسا حتى نطبق نفس المفاهيم؟”، منوهة إلى أن استقراء المفاهيم النسوية التي فرضتها الاتفاقية الدولية، وإدراكها لا يمكن أن يتم إلا معرفة السياق الثقافي والاجتماعي والفلسفي التي نشأت فيه، لأن المفهوم بدون سياقه عنصر ميت.
وانتقدت المتحدثة طرح المفاهيم دون أن يهيئ لها السياق كما هُيئ في المكان الذي استوردت منه، معتبرة أن المفاهيم الرائجة في خطابنا النسوي، لا تحاكي واقعنا المغربي إطلاقا بل تحاكي واقعا آخر، وبالتالي فالفكر النسوي العربي وضمنه المغربي انعكاس للذاكرة الجمعية الغربية عن المرأة وليس انعكاس لواقعنا في المغرب.
وأكدت أن حالة الحداثة لم تنشأ أو تشمل مجتمعات الغرب لمجرد وقوع تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، بل كان للصناعة الدور الأساس في مسارها، إذ لم يتغير وضع الأسرة الغربية إلا مع الثورة الفرنسية واستلهام مبادئه، لا سيما ما يتعلق بالمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات المعروف بإعلان 26 غشت 1789 وهو النص المؤسس لها، مشيرة إلى أن التصنيع وراء أهم المتغيرات التي حدثت في مجال العمل والإنتاج والعلاقات الاجتماعية، بما فيها تلك الخاصة بتكوين وحجم ودور الأسرة وبقية المؤسسات الاجتماعية، حيث أدت عملية التصنيع والتعدين والتطور الاقتصادي لتغيير هندسة الفضاء الاجتماعي.
وبما أننا لم نعرف أي محطة من هذه المحطات، تقول صبار فإننا نلجأ إلى المكون التلفيقي الذي يمارس في قضايا الأسرة، ولا يخرج لنا سوى صورة هجينة هشة معرضة للانشطار لذا نلاحظ أننا في كل مرة نحتاج أن نراجع مدونة الأسرة، مشددة على أن ما يجري في غزة يفرض علينا الخروج من إمبريالية المفاهيم التي وُضعت لاستتباعنا وجعلنا تحت مظلة الإمبريالية الغربية.
ودعت صبار لضرورة الاجتهاد ” لاستخراج مفاهيم من تراثنا الفكري، حيث لايمكننا من دونها أن نتخطى الوضع الذي نحن فيه، بعدما ظهر أن القانون الدولي يسري على فئة دون فئة أخرى، وظهر الكيل بمكيالين، وظهر أن لا أمل في أن نستقل وأن نتقدم إلا بالعودة إلى تراثنا وقراءته قراءة نقدية، ثم استخراج مفاهيمنا منه، ولنا في التاريخ مثال على ذلك حينما كنا في مقدمة الصفوف وكان الغرب يأخذ عنا آنذاك، إلا أنه تجاوزنا ولم نستطع لحد الآن أن نتجاوزه”، مؤكدة أن في المغرب أطر فكرية علمية؛ تستطيع فعلا أن تقوم بهذه الانعطافة الأساس التي بدونها لن نخرج إطلاقا من عباءة إمبريالية المفاهيم.
بدورها قالت الدكتورة عزيزة البقالي عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن التجربة العملية أبانت عن عدد من الاختلالات والإشكالات التي عرفها تنزيل مدونة الأسرة، مما دعا مختلف المؤسسات المهتمة إلى طرح ضرورة التدخل لمعالجتها، بما يضمن استمرار هذه المؤسسة في أداء وظائفها الأساسية من خلال مداخل متعددة ومتعاضدة، مضيفة في تصريح لموقع “الإصلاح” أن المدخل التشريعي أحد عناصر تلك المعالجة إضافة إلى المدخل التربوي والقيمي وكذا السياسي باعتماد سياسة عمومية للنهوض بأدوار الأسرة وحماية حقوقها ودعم تماسكها واستقرارها.
وأكدت البقالي أن الإصلاح المنشود ينبغي أن يتم في احترام تام للمرجعية الإسلامية للمجتمع المغربي، ولخصوصياته التاريخية والثقافية والحضارية، وثوابته الجامعة المستقرة في أسمى قانون وهو الدستور، وكذا في مختلف الخطب والتوجيهات الملكية، وخاصة منها تلك التي أطرت إقرار مدونة الأسرة سنة 2004 أو التي واكبت إعلان جلالته لفتح ورش النقاش العمومي حول تعديل بعض مقتضيات المدونة.
واعتبرت الأستاذة الجامعية أن المطالب التي لا تحترم التشريعات القطعية الواردة في القرآن والسنة، سواء ما يتعلق بالزواج والطلاق والولادة، أو ما يتعلق بالأهلية والنيابة الشرعية والوصية والميراث، ومتعارضة مع أحكام الدستور لا يمكن إقرارها.
وعبرت المتحدثة عن استغرابها من الجهات التي أبت إلا أن تنخرط في مسار معاكس لتُطالب بتعديل جذري وشمولي، وتتطاول على مجموعة من المقتضيات المرتبطة أساسا بالمرجعية الإسلامية، وتطالب بإلغائها أو بتعديلها مستندة في ذلك على الاتفاقيات الدولية، والحال أن كل ما يتعارض مع أحكام الدين الإسلامي من مقتضيات وردت في اتفاقيات دولية فهي تتعارض بالتبع مع الدستور المغربي، وبالتالي لا يمكن تضمينها في التشريعات الوطنية.