خالد الصمدي يكتب: قيم الهوية المدخل الجدي للتنمية

قراءة في الفقرة التي سكت عنها الإعلام في الخطاب الملكي

جرت العادة أن تكون محطة عيد العرش المجيد وخطاب العرش بهذه المناسبة الوطنية الجليلة لحظة لتقييم المسارات التنموية في بلادنا والتحولات والتحديات التي تواجهها، واستشراف آفاقها ورسم توجهاتها، ولم يخرج الخطاب الملكي السامي عن هذه القاعدة، التقييمية والاستشرافية، إلا أن اللافت في الخطاب هذه المرة كان التركيز على القيم وما تواجهها من اهتزازات وتحديات ينبغي التعامل معها بالجدية اللازمة فهي لا تقل خطورة عن الاهتزازات الاقتصادية والسياسية والبيئية والمناخية والمائية والصحية التي يعرفها عالم ما بعد كوفيد، بل إنها قد تكون أكثر عمقا وأثرا على المجتمعات والدول والأمم ومسارت التنمية، على المدى المتوسط والبعي.

وهكذا كان من اللافت للانتباه دعوة جلالة الملك في خطاب العرش إلى الجدية في حماية منظومة القيم الدينية والوطنية والاجتماعية والعائلية الجامعة من الاهتزازات، وحين يدعو جلالته الى التعامل بجدية مع هذا الموضوع حماية للدين والوطن والأسرة والمجتمع، فإن ذلك يعني أن هذه القيم تتعرض لتحديات حقيقية لا تنفع معها مسكنات الشعارات والمواقف الظرفية، بل تحتاج إلى عمل حقيقي متوازن ومستمر على كل الواجهات الدينية والعلمية والتربوية والإعلامية والتواصلية صيانة لهذه المؤسسات، ولمواجهة التحديات التي تحيط بمنظومة القيم الجامعة والتي تسعى بعض الجهات إلى أن تحدث فيها اختراقات على مستوى المفاهيم والممارسات.

فقد توالت الطعون والتشويشات والتحريفات والهجومات على الأسس الدينية الأصيلة للأمة فسمعنا من يطعن في القرآن وينكر سنة النبي العدنان في مس صريح بالثوابت الدينية التي رست عليه الأمة عبر التاريخ.

وسمعنا من يطعن في وحدة الوطن وعوامل استقراره غير القابلة للتصرف ولا الإزدواجية في المواقف، كما نبه إلى ذلك جلالة الملك غير ما مرة وفي غير ما خطاب.

وسمعنا من يشجع العلاقات خارج مؤسسات الزواج ويروج للمثلية، ويخلط الاجتهاد الجاد بالهزل في قضايا الأسرة وخاصة منها قضايا الإرث والنفقة والنسب وغيرها ليقطع بذلك ما أمر الله به أن يوصل.

هذه الاهتزازات التي نبه إليها الخطاب الملكي السامي وحذر منها ودعا إلى الاحتياط منها ومواجهتها بالجدية اللازمة من خلال التمسك بالرباعية الدقيقة التي تضمنها الخطاب السامي.

إنها خارطة الطريق التي رسمها جلالة الملك في موضوع القيم في هذا الخطاب والتي تحمل الجميع المسؤولية المتقاسمة، كل في مجال اهتمامه واختصاصه وعمله للتعامل معها بالجدية اللازمة، وهنا ينبغي أن تحضر المنظومة التربوية بثقلها ومركزيتها، فالأمر جد وليس بالهزل، والخطر داهم ليس بالهين والحاجة ماسة إلى التعبئة المجتمعية الواعية والفاعلة لحماية ثوابت الدين والوطن.

وقد تابعت تحليلات الخطاب الملكي في وسائل الإعلام الرسمية والخاصة فوجدت أنها ركزت على الأبعاد الاقتصادية والعلاقات الدولية في الخطاب وسكتت عن هذه الفقرة الهامة ذات الصلة بالهوية والقيم دون أن أجد تفسيرا لذلك، لهذا أعتقد أن توضيح أبعاد هذه القضية في الخطاب تحتاج إلى قراءة فاحصة من طرف الأوساط الإعلامية والفكرية والتربوية. لسبر أغوارها وأبعادها وتجلياتها النظرية والتطبيقية، فقيم الهوية هي المدخل الجدي والرئيسي للتنمية.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى