تقرير برلماني يقدم تشخيصا شاملا لواقع السياسة اللغوية بالمغرب

أجرت لجنة موضوعاتية مؤقتة بمجلس المستشارين تشخيصا شاملا للسياسة اللغوية بالمغرب في الإدارات والتعليم والإعلام والقضاء،وحددت أوجه القصور والاختلالات، ونقط الضعف والقوة، ووضعية اللغتين الوطنيتين، والسيناريوهات المستقبلية المحتملة. 

وتضمن التقرير الخاص بـ”السياسة اللغوية في المغرب” نحو 60 توصية تشمل كل القطاعات المذكورة، مشددا على ضرورة “وضع سياسة لغوية ذات بعد استراتيجي، تحدد الوضع الاعتباري والقانوني للغة العربية واللغة الأمازيغية، وفق جدولة وظيفية تحدد الاستعمالات ومجالاتها”.

الوضعية الحالية

ويلاحظ التقرير أن من أهم التحديات القائمة في المغرب إهمال اللغتين الرسميتين على الرغم من الاعتراف بالعربية وبالأمازيغية كلغتين رسميتين، قائلا “إلا أن حضورهما الفعلي لا يزال محدودا مع وضع أسوأ للغة الأمازيغية، خاصة في مجال التعليم بعد إقرار مبدأ التناوب اللغوي بشكل غير مقبول ولا ينسجم مع ما جاء في الرؤية الاستراتيجية 2030، كما أنه لا ينضبط لنص تنظيمي كما أوصى بذلك القانون – الإطار رقم 51.17”.

ورصد التقرير عدم الوضوح والتطبيق غير المتسق، قائلا إن “السياسة اللغوية في المغرب تفتقر إلى الوضوح الكافي في تحديد الأدوار والمجالات لكل لغة العربية الأمازيغية، الفرنسية…)، مما يؤدي إلى تطبيق غير متسق ولا متوازن في مجالات التعليم والإدارة والإعلام”.

وأشار إلى الهيمنة اللغوية للفرنسية، قائلا “لا تزال اللغة الفرنسية تحتل مكانة مهمة في التعليم المدرسي والتعليم العالي والإدارة والاقتصاد، مما يحد من فرص استخدام العربية والأمازيغية في هذه المجالات. يتجلى ذلك أساسا في استحواذ اللغة الفرنسية على ثلثي زمن التعلم في التعليم الإلزامي والباقي تتقاسمه اللغتان الرسميتان مع حضور باهت للغة الأمازيغية”.

ونبه إلى الخلط بين التعدد اللغوي والتلوث اللغوي، قائلا “يشكل التداخل المعجمي بين اللهجات العامية واللغات الأجنبية، والضبابية في توزيع الوظائف بين اللغات المعيارية واللهجات المتفرعة عنها إلى تفشي ظاهرة إفقار اللهجات المغربية بإدخال معجم أجنبي بدأ في طمس هوياتها، وبروز بعض الأصوات الداعية إلى منح العامية المغربية وظائف غير مؤهلة لها لن تؤدي سوى إلى إزاحة اللغة العربية ومحو تاريخ حضاري تليد كتب بها”.

وحذر التقرير من نقص الموارد البشرية والمادية، قائلا “يعاني التعليم من نقص في المدرسين المؤهلين لتدريس اللغات، سواء الرسمية أو الأجنبية، كما أن هناك نقص في الموارد التعليمية والبرامج المتخصصة التي تدعم تعلم اللغات الرسمية وتيسير التواصل بها فيما بين المتعلمين والمتعلمات”.

وتوقف التقرير عند التحديات الاجتماعية والاقتصادية، موضحا أنها التحديات اللغوية في المغرب ترتبط بتحديات اجتماعية واقتصادية أوسع، مثل الفوارق الاجتماعية والمجالية، مما يعقد من مسألة تحقيق العدالة اللغوية بين مختلف فئات المجتمع خاصة تلك التي لا تتوفر على الفرص الحقيقية لتطوير مستوى التحكم في اللغات.

وخلص التقرير إلى غياب استراتيجية لغوية فعالة، قائلا “تفتقر السياسة اللغوية المطبقة في المغرب إلى استراتيجية مخطط لها تتسم بالفعالية اللازمة وبالقبول من جميع الأطراف المعنية، في انتظار تفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي خوله المشرع القيام بهذه المهمة”.

سيناريوهات المستقبل 

حدد التقرير السيناريوهات المستقبلية الثلاثة للمسألة اللغوية، قائلا إن “هناك عدة سيناريوهات مستقبلية ممكنة لسياسة لغوية ناجحة في المغرب، تتوقف على الخيارات التي تتخذها الدولة في السنوات القادمة بما أن المغرب قد تبنى خيار التعددية اللغوية المرتكز على ثنائية اللغة الرسمية”.

وسمى التقرير السيناريو الأول بـ”التعددية اللغوية المتوازنة”، موضحا أن في هذا السيناريو، يتم تحقيق توازن بين اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية من جهة والفرنسية بوصفها اللغة الأجنبية الأولى من جهة أخرى، مع تعزيز مكانة كل لغة في مجالات محددة. 

وعنون التقرير السيناريو الثاني بـ”ثنائية لغوية معززة”، قائلا “في هذا السيناريو، يتم التركيز على تعزيز مكانة اللغة العربية والأمازيغية كلغتين رسميتين، مع تقليص دور اللغة الفرنسية تدريجيا. يتم تدريس اللغتين الرسميتين في جميع مراحل التعليم، وتشجيع استخدامهما في الحياة العامة”.

أما السيناريو الثالث، فهو “التعددية اللغوية الديناميكية”، قائلا “في هذا السيناريو، يتم تبني سياسة لغوية مرنة تتكيف مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية. يتم الاعتراف بالتنوع اللغوي في المغرب، وتشجيع استخدام جميع اللغات الموجودة في البلاد، بما في ذلك اللهجات الدارجة العربية والأمازيغية واللغات الأجنبية الأخرى.

وخلص التقرير إلى أن لكل سيناريو إيجابيات وسلبيات، قائلا “ويظل اختيار السيناريو الأنسب رهينا بعدة عوامل، منها مدى التزام الحكومة بتنفيذ سياسة لغوية شاملة وفعالة، وتوفير الموارد المالية والبشرية اللازمة لتنفيذ السياسة اللغوية، وإشراك المجتمع المدني في صياغة وتنفيذ السياسة اللغوية، والتغيرات في المشهد الدولي وتأثيرها على السياسة اللغوية في المغرب.

توصيات لتحقيق 

دعا التقرير إلى تفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وإخراج أكاديمية محمد السادس للغة العربية إلى الوجود، علاوة على إلزام الحكومة ومختلف المؤسسات الوطنية باستعمال اللغات الرسمية في الاجتماعات الرسمية وبمناسبة استقبال الوفود الأجنبية وتمثيل المغرب في المحافل والمنتديات الدولية.

وأوصى التقرير بتنسيق العمل بين المؤسسات والهيئات ذات الصلة باللغتين الرسميتين من أجل تجسير العلاقات والاستفادة من تراكم الخبرات والإنجازات في كل ما يتعلق بالمصطلح والترجمة، وإنشاء مؤسسة وطنية للترجمة تواكب المستجدات العلمية والتكنولوجية وتترجمها إلى اللغتين الرسميتين.

كما طالب بإجراء دراسات وبحوث لغوية واجتماعية لتحديد خصائص كل لغة من اللغات المشار إليها في الدستور المغربي، وتطوير معاجم اللغتين الرسميتين من أجل ضمان مواكبة اللغة العربية واللغة الأمازيغية للإنتاج العلمي والتكنولوجي وطنيا ودوليا.

وفي المجال الإعلامي أوصى التقرير بوضع منظور معياري لما ينبغي أن تكون عليه لغة الإعلام أو تكون عليه اللغتان الرسميتان داخل جميع وسائل الإعلام، وإيجاد دليل إذاعي تلفزي متضمناً ضبطاً للمعجم الإعلامي المستعمل ومتضمناً أيضاً المعالم البارزة للأسلوب الإعلامي الواضح والسليم.

وحث على التزام الجهات المسؤولة في جميع وسائل الإعلام بتطبيق ما جاء به الدليل الإذاعي والتلفزي من تعليمات وتوجيهات، والأخذ بعين الاعتبار القدرات اللغوية لا سيما اللغتين الرسميتين، شرطاً من الشروط المطلوبة لتدريس الإعلام في المعاهد والكليات المغربية.

وشدد التقرير على اعتماد تدريس اللغتين الرسميتين عبر مراحل التدريس في كليات ومعاهد وأقسام الإعلام المغربي الأخذ بعين الاعتبار قدرات الطالب اللغوية لا سيما اللغتين الرسميتين، واعتبارها شرطاً ضرورياً للالتحاق بكليات ومعاهد الإعلام المغربية.

وطالب بتعزيز مراقبة مدى التزام وسائل الإعلام بعناصر دفاتر التحملات المرتبطة باللغات، والحث على تنظيم دورات تكوينية لممارسات العمل الصحفي في المجالات اللغوية واللسانية.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى