الخبير التربوي بايشا لموقع “الإصلاح: هذه أبرز قضايا إصلاح التعليم و مراجعة البرامج والمناهج ضرورة

يعاني المغرب كغيره من العديد من البلدان في العالم من تحديات واختلالات في نظام التعليم. وتوجد عدة عوامل تؤثر على التعليم من بينها التمويل والفجوات الاجتماعية ومدى تحقيق الجودة وسبل الانصاف.
وأظهر مؤشر بيرلز لمستوى القراءة تذيل المغرب في حين ارتفع عدد التلاميذ المنقطعين عن الدراسة حسب آخر تقرير لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والمستوى الضعيف للتلاميذ المستوفين للتعلمات الأساسية.
ولتسليط الضوء على أسباب هذا الوضع، توجه موقع الإصلاح ببعض الأسئلة إلى الخبير التربوي محمد سالم بايشا حول إصلاح التعليم بالمغرب، ونماذج عن قضايا الإصلاح ومردوديته في ضوء التقييمات الدولية، ومدى مساهمتها في إعطاء صورة حقيقية للنظام التربوي بالبلاد. 

موقع الإصلاح: أين وصل الإصلاح التربوي؟

بايشا : المفروض أننا في منتصف الفترة التي خصصتها الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، والمفرض كذلك أن تظهر ثمار الإصلاح على أرض الواقع ،والسؤال المطروح المتكرر ماذا تحقق على أرض الواقع؟ الخطاب الرسمي الذي تحمله تقارير الجهة الوصية وإفادات السيد الوزير في البرلمان، وتُصَدر به المذكرات التدبيرية للقطاع، خلاصته أننا بخير وأننا ننزل الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار بخطى واثقة  وأننا في الموعد .

لكن آراء الممارسين والخبراء المستقلين تشير إلى غير هذا، وفي تقديري أننا نعيد إنتاج نفس الدروة التي نسميها إصلاحا عندما نضع لها تصورا، ونبدأ في تنفيذها لتتحول عند دخول مرحلتها الزمنية النهائية إلى صعوبات ومشاكل ناتجة عن الإجراءات الشكلية التي لم تلامس الجوهر، فنتساءل عن الأسباب ونعيد التشخيص من جديد، ثم نبدأ الدعوة  لإصلاح جديد.

وأي متتبع يمكنه استنتاج هذا القانون من دورات الإصلاح الثلاثة الأخيرة ( التعليم الأساسي بداية الثمانينيات إلى منتصف التسعينيات – الميثاق الوطني للتربية والتكوين والبرنامج الاستعجالي من 2000 إلى 2012 – والرؤية الاستراتيجية الحالية 2015-2030)، ولا نبالغ إذا ما قلنا بأننا نقترب اليوم من المرحلة الأخيرة، وقريبا نسمع دعوات الإصلاح الجديد واستنفاد الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار 51.17 لأغراضهما.

موقع الإصلاح : هل بالإمكان تقديم أمثلة تتعلق بقضايا الإصلاح؟

بايشا : إذا أخذنا على سبيل المثال التعليم الأولي والابتدائي، فورش التعليم الأولي تم إيلاؤه أولوية انعكست إيجابا على مستوى توسيعه التدريجي جغرافيا، مع توحيد إطاره المنهاجي (إطار عام يتضمن الاختيارات البيداغوجية)، لكن أهم مؤاخذة عليه هو تفويته لمؤسسة  محدثة فوتت بدورها الممارسة الميدانية لجمعيات غالبيتها الساحقة ليست مختصة في التعليم .

وهذا الاختيار يصعب تبريره مهنيا وبيداغوجيا ، لكن يجد تفسيره في مشكل الموارد البشرية،  حيث يرى المتتبعون أنه مجرد تهرب من مشكل التوظيف أو التعاقد المباشر مع الوزارة أو مصالحها الخارجية . وهو ما يكرس الفروق المهنية بين المشتغلين في التعليم الأولي (المربين والمربيات)، ومختلف العاملين في بقية الأسلاك. ويعطي الانطباع بدونية هذا النوع من التعليم مهنيا خلافا للمتعارف عليه دوليا .

ويصعب أن ندرج هذا الاختيار ضمن متطلبات الإصلاح الجديد ، إذ هو تراجع حتى عما كان في الميثاق الوطني للتربية والتكوين ،الذي نظر للتعليم الأولي على أنه جزء من المدرسة الابتدائية ، ونظر للأساتذة المتخرجين من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بالتعليم الابتدائي على أنهم أساتذة التعليم الأولي والابتدائي ، وإن لم يتم تفعيل هذا الاختيار عمليا.

والنموذج الثاني هو تجديد البرامج والمناهج ، فالخطاب الرسمي يقرر أننا أنهينا إصلاح برامج ومناهج التعليم الأولي والابتدائي ، وهذا ما يفهم بوضوح من مقدمة كتاب منهاج التعليم الابتدائي الصادر في يوليوز 2021، والواقع يدل على أن ما تم في غالبه باستثناء بعض مكونات اللغة العربية في المستويين الأول والثاني (القراءة والاستماع والتحدث)، لا يعدو أن يكون مراجعة وتنقيحات لما كان معمولا به ، وليس مقاربة منهاجية جوهرية، وهناك مؤشران يوضحان الأمر :

المؤشر الأول هو أن مراجعة البرامج  بدأت قبل صدور القانون الإطار بل قبل الرؤية الاستراتيجية ذاتها، واستكملت ولَما يَصدُرْ بعد الإطار المنظم لمراجعة البرامج، وتشكيل لجنة ملاءمة البرامج المنصوص عليهما في القانون الإطار.

والمؤشر الثاني أن الكتب المدرسية الصادرة بمختلف الأسلاك تم تحيينها دون فتح باب المنافسة أمام الراغبين من المختصين والمهنيين، وهو ما يدل من على أن الأمر لا يعدو أن يكون مراجعة عادية، ولو كان  تغييرا جوهريا جديدا لما وسع الوزارة سوى إصدارُ دفاتر تحملات جديدة وفتح باب المنافسة أمام مختلف المهتمين الراغبين في التأليف وهو ما لم يتم.

والنموذج الثالث هو مشكل لغات التدريس الذي يعرف فوضى لا يضبطها ضابط . فبغض النظر عن تحويل نظرة الرؤية الاستراتيجية التي تم الاتفاق عليها وتغييرها بشكل مناقض في نص القانون الإطار 51.17 ، فحتى ما ينص عليه القانون الاطار الذي ربط موضوع لغات التدريس بإصدار نص الهندسة اللغوية لم يتم انتظاره ، وهو بالمناسبة مشروع يُتقاذف بين الوزارة والمجلس الأعلى للتعليم. وحتى عند صدوره سيجد واقعا لغويا قائما مكن للغة أجنبية وحيدة هي اللغة الفرنسية ليس في التعليم الثانوي فحسب، بل  أيضا في التعليم الابتدائي لغة تدريس تحت  ما سمي بالتناوب اللغوي الذي كان يظن أنه مقصور على التعليمين الثانوي والعالي.

موقع الإصلاح: كيف ترون مردودية الإصلاح في ضوء التقييمات الدولية، ومشاركة المغرب في التظاهرات المتعلقة بالتعليم؟ 

بايشا : مشاركات بعض التلاميذ والطلبة المغاربة في التظاهرات الدولية تحقق بين الحين لآخر نتائج مشجعة، أصحابها يستحقون كل تنويه ونهنئ بالمناسبة التلميذة هبة الفرشيوي التي مثلت المغرب في رواندا وحصلت على لقب ملكة الرياضيات لإفريقيا مؤخرا، ومثال ذلك مريم أمجون في تحدي القراءة العربي سابقا ، وكذلك تألق بعض الطلبة في الدراسات العليا بالخارج.

وهذا الأمر مدعاة للفخر، لكنه ليس مؤشرا كافيا على نجاعة النظام التعليمي، بقدر ما هو مؤشر على  نبوغ هؤلاء الذي ساهمت المدرسة ضمن عوامل أخرى مؤثرة في تحقيقه. لأنه ببساطة من الناحية الإحصائية يهم أفرادا (حالات)  ولا يمثل القاعدة ، بينما المشاركات الدولية التي يعتد بها لتقييم نجاعة ومردودية النظام هي الأدوات التي تعتمد تقنيات الإحصاء وتدرس المجتمع المدرسي مباشرة أو عبر العينات الممثلة . ومثال ذلك الروائز الدولية مثل تيمس وبيرلز ، فالأول يهم التمكن من الكفايات المتعلقة بالعلوم ، والثاني التحكم في اللغات ، وقد صدرت نتيجة بيرلز مؤخرا وكان ترتيبنا فيه متدنيا . ونحن نشارك أيضا هذه السنة 2023  في رائز تيمس للعلوم  كمن يدخل مسابقة رياضية بنفس اللاعبين ونفس المدربين وينتظر تحقيق الفوز، ونقول المهم هو المشاركة ، والحال أن المفروض أن نغير برامجنا ومناهجنا وطرق تفكيرنا قبل أن نخوض غمار مثل هاته المنافسات.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى