الحسن البغدادي يكتب: المخدرات أو المدمرات على الأبواب

إن تدبير الشأن العام من أي موقع كان كصيرورة وكعملية بناء تروم إقامة مشروع مجتمعي مزدهر ومتراص البنيان، لا يمكن أن تستقيم وتكتسب مشروعيتها وفعاليتها من دون الالتفات والانتباه إلى وجود عوامل سلبية تحدق بالبناء وتعمل على هدمه من الجهة المقابلة، وذلك من أجل وضع ما يلزم من آليات ضرورية واتخاذ الخطوات اللازمة والملائمة لوقف عملية الهدم تلك أو تحجيمها إلى أبعد الحدود.

إنها النظرة الشمولية التي يجب أن تحدد كل تصور لأي مشروع كان وخاصة إذا تعلق الأمر بصياغة وصيانة مشروع مجتمعي بكامله، تلك النظرة التي تأخذ في الحسبان أسباب القوة فترشد استعمالها على أحسن وجه، وتبحث عن مكامن الضعف والتهديد فتعمل على التصدي لها بالحكمة والحزم البالغين.

هذه المحددات الأولية التي يجب أن ينطلق منها مشروعنا المجتمعي المغربي لا تبدو واضحة في تأطير الفاعلين من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية للنظرة والإستراتيجية، وضع الدعائم الحقيقية للنهوض بالمشروع نهضة قائمة على أسس صلبة تغلب بفضلها وتيرة البناء على وتيرة الهدم.

فها هي الأوراش مفتوحة في كثير من ميادين التنمية، هذا أمر نصفق له بحرارة ونشارك فيه وننوه به، إلا أن ما لا يستطيع أحد منا استساغته هو الهدر الكبير والنزيف الحاد الذي يسبق في حجم السرعة التي تتم بها عملية البناء، إننا نقامر من خلال هذا السلوك المطبوع باللامبالاة بالمستقبل الوجودي لوطننا ومواطنينا عدا عن واجبنا في تبليغ الرسالة الإنسانية على أساس مرجعياتنا وقيمنا الحضارية بين الأمم.

لقد تعاقبت الحكومات وتعاقبت البرلمانات كل مرة أن ينتبه القائمون على الشأن العام قبل غيرهم والمكلفين بصياغة القوانين وتفعيلها وتقديم المشاريع الكبرى أن يلتفتوا إلى الأهم ثم المهم، فيضعوا في مقدمة انشغالاتهم الحفاظ على المورد الأساسي لتلك المشاريع، والمتمثلة في الحفاظ على سواعد الأمة من الهلاك المحقق، لأن هلاكها لا سامح الله سيجعل الحديث عن أي خطط للتنمية حديثا عبثيا، ما دام توقف المشروع الفردي بسبب عواقب التدخين والمخدرات الأخرى، وتبعاته المعقدة هو توقف لكل المشاريع بل أكثر من ذلك فهو أكبر إعاقة وتعطيل تام ودائم وهدم للاوراش التي ينبني عليها المشروع المجتمعي ككل.

كيف نخطط للتعليم إذا والمتعلم فاقد لمقوماته البدنية والعقلية والنفسية جراء الإدمان؟ كيف نبني ونشيد الملاعب والمركبات الرياضية والشباب غائب عنها في جلسات للشيشة؟ كيف لنا أن نعبد الطرقات ليقتل على قارعتها شباب فقد السيطرة على كثير من مهاراته وغاب عنه وعن كثير ممن تقلد دواليب شؤونه حس المسؤولية؟ ألا يسمع هؤلاء المخططون بآهات الأمهات والعوائل؟ ألا تتعبهم قصص الفشل الدراسي.؟ ألا ترعبهم أنباء القتل وخاصة تلك المتعلقة بالأصول وتعاظمها في كل مكان؟

أملنا أن نسمع بقرار يضع البوصلة في مكانها وينزل الأمور منزلتها الحقيقية ويعيد ترتيب الأولويات حسب حجمها الحقيقي الذي تستحقه، فمن الغرابة بمكان أن نرى معضلة تدمر مجتمعا بكامله وتقضي على أحلام شبابه بل وتهدده في وجوده، ومع ذلك توضع في آخر سلم الأولويات ومشاغل القائمين على الشأن العام.

كل رجائنا من الحكومة الحالية أن تضطلع بدورها كاملا في تخليص المجتمع من داء عظم واستفحل واستعصى واستشرى في كيانه، قبل أن يفوت الأوان فيصبح البحث في ترميم ما أفسده الإدمان على التدخين والمخدرات الأخرى أقصى أمانينا ومبتغانا، فيتحول مجتمعنا إلى سلسلة غير متناهية من ضحاياه.

إننا نمني النفس كفاعلين جمعويين أخذوا على عاتقهم فتح أوراش صغيرة بإمكانيات ضئيلة في مجابهة هذه المعضلة، وأن تعيد الحكومة صياغة المعادلة التنموية على أسس براجماتية تأخذ في الاعتبار أولا عوامل الهدم والبناء، فالرؤية الثاقبة تقتضي أن ينظر للأمور بمنظار الحلول الجذرية والتمركز في المستقبل لا نظرة الحلول الترميمية المؤقتة.

إن ما يؤسفنا أكثر هو عدم استعمال الإمكانيات والآليات المتاحة في صد النزيف. فلا أحد منا يستطيع إنكار كون آفة جائحة وكارثة الإدمان على السيجارة والمخدرات الأخرى ينظر إليها بصفة مجزأة؛ أي من بُعدٍ واحد، والحقيقة أنه يجب الحرص كل الحرص على أن يكون أساس مشروع مجتمعنا سليما، والتأكد دائما أنه لا يتهدده أي خطر، لأن في ذلك خوف من انهيار المشروع من أساسه.

*الحسن البغدادي: رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة التدخين والمخدرات بالمغرب

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى