الأسرة محط ثقة المغاربة وتحتاج لسياسات عمومية موجهة تحصنها وتحميها من التفكك
لا توجد مؤسسة تحظى باتفاق جميع المغاربة مثل الأسرة، وليس من العبث أن يجعل الفصل 32 من الدستور الأسرة “الخلية الأساسية للمجتمع”، وأن يفرض على الدولة أن “تعمل على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها”.
وبالرجوع إلى الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان يوم الجمعة 13 أكتوبر 2023، نجده ينبه إلى المخاطر المحدقة بالأسرة، “إذا تفككت الأسرة يفقد المجتمع البوصلة”، لذلك يشدد الخطاب على تعزيز الأسرة عبر مسارين:الأول قيمي، والثاني اقتصادي.
فبالنسبة للمسار الأول، يؤكد الخطاب الملكي على مواصلة التشبث بهذه القيم، اعتبارا لدورها في ترسيخ الوحدة الوطنية والتماسك العائلي، وتحصين الكرامة الإنسانية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وفي المسار الثاني يشدد الخطاب نفسه على العمل على تحصين الأسرة بالمشاريع والإصلاحات الكبرى.
تحديات كبرى
يرتفع حجم التحديات التي تعرفها الأسرة المغربية وهو ما دفع في اتجاه إطلاق ورش تعديل مدونة الأسرة، وهو ما نبه إليه الملك محمد السادس عند حديثه عن تحولات عميقة ومتسارعة في العالم، أدت إلى تراجع ملحوظ في منظومة القيم والمرجعيات، والتخلي عنها أحيانا.
إن جولة واحدة في جميع الدراسات والأبحاث الرسمية وغير الرسمية التي أنجزت حول الأسرة في المغرب أو في العالم كفيلة أن توضح أهمية العائلة في التربية وإنتاج القيم وتكريسها وحفظ الصحة النفسية والجسمية للأفراد والمساهمة في التنمية والوقاية من الانحراف وتعاطي المخدرات وغير ذلك من السلوكيات الضارة.
ثقة تامة
نبدأ من الدراسة الوطنية الميدانية حول “القيم وتفعيلها المؤسسي: تغيرات وانتظارات لدى المغاربة” التي أنجزها المركز البرلماني للأبحاث والدراسات التابع لمجلس النواب المغربي وهي دراسة تخلص إلى أن الأسرة تحظى بثقة تامة من لدن المغاربة.
أما “مؤشر الثقة في المؤسسات 2023” الصادر عن المعهد المغربي لتحليل السياسات فيشير إلى ثقة الغالبية العظمى من المغاربة في أسرهم، موضحا أن 98% من المستطلعين يثقون في أسرهم الصغيرة، 92% منهم بشكل مطلق و6% إلى حد ما.
ويصل استطلاع للرأي أجرته «أصداء بي سي دبليو» إلى نفس الخلاصة، حيث يؤكد الشباب العرب أن الدين والعائلة هما جوهرا هويتهم الشخصية. وفي البعد الصحي، تبين دراسة بريطانية نشرتها الدورية العلمية “ساينس أدفانسز” أن ترابط الأسرة يساعد على الانخراط في سلوكيات صحية إيجابية.
سياسات عمومية للفرد
فإذا كانت هذه أهمية الأسرة بالنسبة للمغاربة بشكل لا غبار عليه، فلماذا لا نجد إنعكاس ذلك على مستوى السياسات العمومية؟ ولماذا لا يتجسد ذلك في قرارات الفاعل العمومي رغم أن الدستور ينص على “ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة” وهو ما لا يتأتى إلا عبر السياسات العمومية للدولة؟
يقول الأستاذ الجامعي حفيظ اليونسي إن “السياسات والبرامج العمومية بالمغرب مع الأسف هي موجهة للفرد أساسا في مختلف المراحل العمرية وتباين مجال التدخل”، وتبين من هذا أن استهداف الأسرة كأسرة قائمة الذات يغيب عن الفاعل العمومي.
ويوضح اليونسي في تصريح لـ”الإصلاح” أن الأسرة كبنية نص عليها الدستور لا تعد محور هذه السياسات بل إن الإجراءات الضريبية ببلادنا في الشق المتعلق بالتحفيزات لا توجه للأسرة بل إلى الأفراد والمقاولات.
تغيير السياسات
ولكي لا يكون كلمه مجردا عن أي حجة، يقدم اليونسي دليلا على ذلك يتجسد في أن التقارير الموضوعاتية المصاحبة لمشروع قانون المالية لا يتضمن تقريرا يوضح مجمل الإجراءات المتخذة لفائدة الأسرة”، لهذا يقترح إحداث تغيير في منطق صياغة السياسات والبرامج العمومية.
ويستنتج مما سبق أن الأسرة في حاجة إلى سياسات عمومية خاصة نظرا لمكانتها الاعتبارية في وجدان الشعب المغربي، ويمكن حسب مجموعة من المتخصصين استنساخ تجارب غربية وأخرى إسلامية وضعت سياسات خاصة بالأسرة لمكانتها العظمى.
موقع الإصلاح