وعد بلفور.. 3 سنوات بعد المائة على وعد “من لا يملك لمن لا يستحق”

وزارة الخارجية

الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1917

عزيزي اللورد روتشيلد

يسرني أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته بالتصريح التالي الذي يعبر عن التعاطف مع طموحات اليهود الصهاينة التي تم تقديمها للحكومة ووافقت عليها.

“إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية، على ألا يجري أي شيء قد يؤدي إلى الإنتقاص من الحقوق المدنية والدينية للجماعات الاخرى المقيمة في فلسطين أو من الحقوق التي يتمتع بها اليهود في البلدان الاخرى أو يؤثر على وضعهم السياسي”.

سأكون ممتنا لك إذا ما احطتم الاتحاد الصهيوني علما بهذا البيان.

 المخلص  آرثر بلفور

  -*-*-*-*-*-*-                                                                   

قررت بريطانيا على لسان وزير خارجيتها آرثر بلفور “منح اليهود وطنا قوميا في فلسطين” بعد مفاوضات ثنائية مع قادة الحركة الصهيونية استمرت شهورا طويلة قبل تاريخ 02 نونبر 2917، استُثني منها حضور أصحاب الوطن الممنوح، وهو الظرف المشابهة لمسار عمليات التطبيع العربي الأخيرة.

وترجع الموسوعة المفتوحة أول مفاوضات على مستوى عال بين البريطانيين والصهاينة إلى 7 فبراير 1917، بين السير مارك سايكس والقيادة الصهيونية، دون أي تمثيل للفلسطينيين، واستمرت حتى أُذن بالإفراج عن الإعلان النهائي بحلول 31 أكتوبر من نفس السنة.

من وجهة نظر قانونية، يعتبر وعد بلفور بداية مأساة الشعب الفلسطيني عندما أعطى وطن شعب حي ومعروف إلى شعب آخر دون وجه حق، في مخالفة صريحة للقانون الدولي، حيث فنّد مختصون في القانون الدولي هذا “الوعد”، وأكدوا بطلانه لعدة أسباب، أهمها أن:

  • الوعد صدر في العام 1917، أي في وقت لم يمكن لبريطانيا فيه أية صلة قانونية بفلسطين.
  • احتلال بريطانيا لفلسطين حدث بعد صدور الوعد، ولأن قانون الاحتلال الحربي لا يجيز لـ”دولة الاحتلال” التصرف بالأراضي المحتلة، ولأن الحكومة البريطانية أعلنت في مناسبات كثيرة أن الهدف من احتلالها هو تحرير فلسطين من السيطرة العثمانية وإقامة حكومة وطنية فيها.
  • الوعد أعطى فلسطين لمجموعة من الناس لا تملك أية صفة أو حق في تسلمها أو استيطانها أو احتلالها.
  • الوعد ليس اتفاقية أو معاهدة بين دول أو كيانات دولية ذات سيادة، فاللورد بلفور مسؤول بريطاني، ولكنه لا يملك حق التعاقد باسم دولته، واللورد روتشيلد مواطن بريطاني صهيوني، ولكنه لا يمثل الطائفة اليهودية المنتشرة في العالم، والطائفة اليهودية لم يكن لها شخصية قانونية دولية.
  • الوعد أضر بالحقوق التاريخية والقومية المكتسبة لسكان فلسطين، فهؤلاء السكان موجودون في فلسطين منذ آلاف السنين، وقد اعترفت لهم الدول الحليفة والمنتصرة في الحرب العالمية الأولى بحق تقرير المصير وحق اختيار النظام السياسي والاجتماعي الذي يلائمهم.
  • الوعد يتناقض مع بعض المواد الواردة في ميثاق عصبة الأمم أو صك الانتداب، فهو مثلا يتناقض مع المادة العشرين من الميثاق، وكان على بريطانيا أن تلتزم بهذا النص وتلغي التزامها بوعد بلفور، ولكنها لم تفعل، بل عمدت إلى تهيئة كل الظروف لدعم الحركة الصهيونية وإنشاء الكيان “الإسرائيلي”.
  • الوعد يتناقض كذلك مع المادة الخامسة من صك الانتداب التي تلزم الدولة المنتدبة بحماية فلسطين من فقدان أي جزء من أراضيها أو من تأجيرها، ولكن بريطانيا، بحصر اهتمامها بيهود فلسطين، وتشجيع الهجرة وتدريب العناصر الصهيونية، أخلت بالمادة المذكورة وساعدت فئة من الغرباء أو الدخلاء على الاستيلاء على قسم من فلسطين وتشريد سكانها الأصليين.

ويمكن حصر أهداف إصدار الحكومة البريطانية لـ”وعد بلفور” في رغبتها في تحقيق مطامعها الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط، وإضعاف الشعب العربي، مع الحفاظ على مصالحها وحمايتها، وجعل “إسرائيل ” “شرطي في منطقة الشرق الأوسط” للدول الغربية والأوروبية.

وما أشبه الأمس باليوم، فالظرف التاريخي الحالي يشبه إلى حد كبير ظروف التصريح بوعد بلفور قبل 103 أعوام، حينما أعلن الرئيس الأمريكي ترامب ورئيس وزراء الكيان نتنياهو عن الخطة الأمريكية الجديدة للمنطقة، مطلع هذه السنة، خطة الإرهاب والتدمير صفقة القرن المكونة من 181 صفحة والتي تستهدف بالأساس القدس واللاجئين وحق العودة وتستهدف سلب واستكمال مخططات تهويد الأرض الفلسطينية.

بهذه الخطة، واصل البيت الأبيض السياسة العرجاء في إرضاء الصهيونية وتقديم الصكوك والوعود الذهبية لهم ولكيانهم المزعوم، فعناصر صفقة القرن الأمريكية الخطيرة تركز على القدس والعودة وحق اللاجئين ومشاريع اقتصادية واهية، مما يعرض القدس إلى مخاطر كبيرة خاصة مع تنفيذ مخططات التقسيم الزماني والمكاني للقدس وتكثيف اقتحامات قطعان المستوطنين لباحات المسجد الأقصى ومواصلة مشاريع الحفريات أسفل المسجد الأقصى إضافة لمواصلة هدم منازل المقدسيين وتهجيرهم من أرضهم.

وحديثا بدأت سلطات الاحتلال الصهيوني بتنفيذ مشروع كبير في منطقة حائط البراق حيث تعمل سلطات الاحتلال على تنفيذ مخططات كبيرة تستهدف توسيع منطقة حائط البراق وذلك لاستيعاب الأعداد الكبيرة لليهود خلال السنوات القادمة، وتواصل على التوازي تنفيذ مشاريع الحفريات أسفل المسجد الأقصى المبارك.

وعلى مدار العقود الماضية، طالبت المستويات الفلسطينية الرسمية والشعبية الحكومة البريطانية بتقديم اعتذار رسمي عن الكارثة التي لحقت بهم جراء “وعد بلفور”، إلا أن الأخيرة ترفض ذلك، بل عبرت سنة 2017 عن فخرها بالدور الذي مارسته في إيجاد دولة إسرائيل، رافضة تقديم أي اعتذار عنه.

س.ز / الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى