ورقة بحثية ترصد أعطاب ورش إصلاح التعليم

أرجعت دراسة جديدة فشل الإصلاحات المتعاقبة في منظومة التربية والتعليم بالمغرب، وعدم تحقيقها النتائج المرجوة إلى ضعف الحوكمة رغم الاستثمارات المالية الكبيرة المرصودة.
ويظهر ضعف الحوكمة في غياب رؤية واضحة ومتكاملة بين مختلف المتدخلين في قطاع التعليم، مثل الوزارة الوصية، الأكاديميات الجهوية، المؤسسات التعليمية، والمجالس المنتخبة.
الدراسة الصادرة عن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، تحت عنوان “إصلاح النظام التعليمي يواجه معضلة الحوكمة”، اعتبرت أن تعدد المتدخلين يؤدي إلى تنازع الصلاحيات بين هذه الجهات، ما يخلق نوعا من العشوائية في اتخاذ القرار ويؤخر تنفيذ المشاريع التعليمية، خاصة على المستوى الجهوي والمحلي، في غياب صلاحيات واضحة للفاعلين في القطاع.
وأشارت الدراسة -التي أعدها الخبير الاقتصادي العربي الجعايدي، عضو اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي- إلى أن ضعف الحوكمة يظهر جليا في غياب آليات فعالة للمتابعة والتقييم، وعلى الرغم من البرامج الإصلاحية العديدة التي أطلقها المغرب منذ عام 2000، مثل “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” و”برنامج الطوارئ للتعليم” بين 2009 و2011، إلا أنها لا تتضمن أدوات قياس دقيقة لتقييم مدى نجاحها أو فشلها.
ونتيجة لذلك، تضيف الدراسة “يتم إطلاق استراتيجيات جديدة دون الاستفادة من دروس الماضي، مما يؤدي إلى تكرار الأخطاء نفسها، كما أن غياب هذه الآليات يجعل من الصعب تحديد المسؤوليات، وبالتالي لا يتم تصحيح المسار عند ظهور اختلالات”.
ويواجه النظام التعليمي بالمغرب عدم كفاءة تدبير الموارد المالية المخصصة للإصلاح، بالرغم من الميزانيات المهمة التي تُرصد لقطاع التعليم، إلا أن تأثيرها يظل محدودا بسبب غياب آليات مراقبة فعالة، كما أن جزءا من هذه الأموال لا يستغل بالشكل الأمثل نتيجة ضعف الرقابة وغياب الشفافية، مما يؤدي إلى تنفيذ بعض المشاريع بشكل متعثر أو تمويل مبادرات دون جدوى عملية واضحة.
ونبهت الدراسة إلى أن ضعف التنسيق بين مختلف المؤسسات التربوية يؤدي إلى هدر الموارد البشرية والمادية، موضحة أن المعلمين، على سبيل المثال، لا يستفيدون من تكوين مستمر متكامل بسبب غياب استراتيجية موحدة للتكوين.
وأوضحت الدراسة أن هذا الأمر يجعل العديد منهم غير قادرين على مواكبة التحولات البيداغوجية، كما أن المناهج الدراسية تُطوَّر أحيانًا دون أخذ رأي الفاعلين التربويين بعين الاعتبار، مما يؤدي، وفقًا للدراسة، إلى ضعف استيعاب التلاميذ للمحتويات التعليمية الجديدة.
وخلصت الدراسة أن غياب إشراك الفاعلين الاجتماعيين والمجتمع المدني في عملية الإصلاح هو عامل آخر يعوق نجاح السياسات التعليمية، إذ أن “الإصلاحات تُقرَّر في الغالب من طرف السلطات المركزية دون إشراك كافٍ للأطر التربوية، جمعيات أولياء التلاميذ، والخبراء”، وهو ما يؤدي إلى مقاومة داخلية لهذه الإصلاحات، سواء من قبل المعلمين أو الأسر، الذين لا يجدون أنفسهم ممثلين في قرارات مصيرية تخص التعليم.
واقترحت الدراسة اعتماد مقاربة أكثر شفافية في إدارة قطاع التعليم، تقوم على تحديد مؤشرات واضحة للأداء، وضمان ربط التمويل بنتائج ملموسة، بحيث يتم تخصيص الموارد وفقًا للأداء الفعلي وليس وفقًا للميزانيات المرصودة سلفا.