وباء كورونا ” خير أم شر ؟ “: قراءة مقاصدية – عثمان كضوار

أبان وباء ” كورونا ” ببلدنا – المغرب- على مؤشرات ثقافية ودينية غاية في الخطورة ، فتعالت الأصوات وتعددت النقول ، واكتظت الأماكن حتى ضاقت بما رحبت، واختلفت الفتاوى بين من يدعو إلى اتخاذ الاحتياطات الضرورية من زاوية الأخذ بالأسباب الكونية ؛ وبين ما يرى الأمر قضاء وقدرا  لا يدعو إلى الخوف من منطلق أن ما أصابنا ما كان ليخطئنا، وأن ما أخطأنا ما كان ليصيبنا، فتاه التائهون ، وحار الحائرون، بقدر ما أفرزت الظاهرة تهافت المتهافتين الحريصين على نفاذ القوت، متجاهلين رب الكون الذي يرزق أحيانا بضد الأسباب، فتداخلت الآراء وضاعت الحقيقة في صفوف المواطنين .

إن أخطر ما يعاني منه المسلمون وهم في غفلة عنه معرضون، ليس فيرس “كورونا” أو غيره، فتلك أوبئة برزت منذ ظهور البشرية  ؛ وإنما يعزى الوباء إلى الجهل وإن شئنا قلنا أمية دينية في التعامل مع الظواهر من حيث إنها قضاء من الله يقدر على البشرية جمعاء، فيكون عقابا للعصاة وابتلاء للمؤمنين، كما أن اتخاذ الأسباب اللازمة إنما هو فرار من قدر الله إلى قدر الله، أما الخضوع والاستسلام بدعوى لا مفر من قضاء الله ، أو بتعبير المغاربة  من قبيل “مايقتلك غا عمرك ” و ” هادشي مكتبو علينا الله” فذلك خطاب كرس فكرا عقديا خطيرا، نتجت عنه ممارسات فاسدة .

لقد أظهر هذا الوباء ضعف بضاعة المسلمين على مستوى أحد أركان الإيمان ” الإيمان بالقضاء والقدر”، فالله خلق الخير وخلق الشر، كما خلق آدم وخلق إبليس، إلا أنه خلق الخير إكراما، وخلق الشر ابتلاء، ” وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ “  سورة الأنبياء – الآية  35- وأمر بفعل الخير ونهى عن فعل الشر، فالله خلق الشر ولكن لا يفعله.

إن الشر والذي يتضمن عدة أصناف من الابتلاءات كالحروب والأوبئة والأمراض لايثمر من ورائه إلا الخير، فكثير من الحروب نتج عنها اكتشاف الأدوية لبعض الأمراض، كما أن المرض في حد ذاته يحقق المغرفة لصاحبه وأجر الصبر على ذلك، أضف إلى ذلك أن الابتلاءات تصنف الناس إلى معادن، وتحدد مستواهم  المعرفي ودرجة ارتباطهم بخالقهم ..

فالشر أحيانا قد يكون ملزما للإنسان لاختبار كيفية التعامل معه، وبالتالي محاسبته بناء على كيفية رده الشر وردة فعله منه، لذلك جاء الإنسان مخيرا في تصرفاته وحرا في قراراته.

وأحيانا ينبغي على المرء تعليق حكم الشر إذا غاب عنه المقصد، لأن الله سبحانه لا يقدر إلا ما يحقق مصلحة العبد عاجلا أم آجلا.

والشر مطلوب دفعه والاحتراز عملا ببقاء الحياة ودوامها بقدر ما قضاء الله تعالى ، لذلك دعانا سبحانه بعدم تعريض النفس البشرية إلى الهلاك ” وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ  وَأَحْسِنُوا  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”  سورة البقرة – الآية 195- فذلك من المقاصد الاعتبارية الحقيقية كما أشار ابن عاشور رحمه الله، والإلقاء بالنفس إلى الهلاك قد يكون من جانب التقصير في عدم اتخاذ ما يلزم من الاحتياطات المضرة للنفس البشرية، وبالتالي تعريضها للخطر من جراء المرض أو نحوه، وذلك من صميم حماية النفس وحفظها، حيث تعد إحدى الضرورات التي جاءت الشريعة تصونها وتحميها من ناحية الوجود والعدم، وهو ما اصطلح عليه الشاطبي رحمه الله بقوله ” قصد الشارع من وضع الشريعة ابتداء”.

لقد أقبلت وزارة التربية على خطوة غاية في الأهمية من خلال إصدارها قرار إيقاف الدراسة إلى حين، وهي بادرة تحسب لها من زاوية رفع منفعة خاصة لأجل تحقيق منفعة عامة، ذلك أن تحصيل العلم جزء مما دعا الإسلام إلى التسلح به، وهو مندرج كما هو معلوم تحت ضروري العقل من حيث الوجود، غير أن أسبقية إقامة النفس أولى من حيث الترتيب المقاصدي، فكان لزاما هذا الاعتبار، وكل ذلك يندرج ضمن ضروري الدين من حيث الإقامة، إذ النصوص تدعو حماية النفس البشرية بقدر الحفاظ على العقل من الضياع والإهمال.

وأعود لأختم قائلا بأن ما تعانيه العقول من ضعف على مستوى التصور والفهم يبقى عائقا كبيرا في استيعاب مقاصد الشريعة، سواء تلعق الأمر بكيفية التعامل مع الأوبئة كمصدر شر أريد له أن يظهر مع الأزمنة، أو في طريقة تفسير النصوص الشرعية وفق ما يراه المكلف بعيدا عن المقصد، لتبقى جميع الحلول والمقترحات التي تصدر لأجل مواجهة هذا الوباء – كورونا- أو غيره رهينة بمدى استعدادنا الفكري العقلاني الذي لا يتنافى ومبادئنا الإسلامية، التي تدعو إلى الموازنة في كل شيء، فمتى تغلب جانب التفريط على الإفراط – أو العكس – اختلت الموازين، وصار الحال كما نحن عليه.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى