مكانة المرأة في الإسلام ومظاهر تكريمها

إن الإسلام يكرم المرأة ويخاطبها على أنها كائن مستقل عن الرجال وليس ملحقًا له، وأن الدخول في دين الله عمل عيني لا تصح فيه الوكالة، فالمرأة مكلفة تكليفًا عينيًا كما الرجل تماما، وهذا دليل على تكريمها واستقلاليتها، وأنها مخاطبة بدين الله كما الرجل، لا كما يزعم الغربيون أن المرأة لا تقرأ الإنجيل – أي: العهد الجديد – لأنها نجسة ولا تكون راهبة أو داعية إلى دينها إلا ما حصل في العصور المتأخرة رغم معارضته الكثير من القساوسة ورجال الدين الغربيين.

فما نعلم دينا كرم المرأة، ورفَع شأنها، وأنصفَها، من أصحاب الملل الأخرى، إلا الإسلام، أنزل الله أحكاما خاصة بالنساء، وأنزل سورة باسمها، وما ذاك إلا ليعلي مِن شأنها، ويرفعَ مكانتها وينصفَها على أخواتها.

فمن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة:

  • قصة أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، فقد أجارت رجلين من أحمائها كتب عليهما القتل في عام الفتح، وتحكي القصة أم هانئ فتقول: (ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره بثوب، فسلمت عليه، فقال: من هذه؟ فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: مرحبًا بأم هانئ، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفًا في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله! زعم ابن أمي علي أنه قاتل رجلًا قد أجرته – فلان ابن هبيرة – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ). ومن هذا الحديث يتبين لنا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قبل من أم هانئ كلامها وأجار من أجارت (ومشى كلامها) ولم يخفر ذمتها؛ احترامًا منه صلى الله عليه وسلم للمرأة، وتكريمًا لها، وجعلها من المؤمنين الذين يجير عليهم أدناهم.
  • أن الرسول صلى الله عليه وسلم يوقف جيشًا بأكمله للبحث عن عقد فُقد لزوجته الحبيبة الغالية عائشة، فيبحث الناس عن العقد ولا يجدونه، ويخرج وقت صلاة الظهر ولا ماء، فيقول المسلمون: حبسنا من أجل زوجته. فهل وجدتم أحدًا يحترم المرأة ويكرمها كما أكرمها رسول الهدى؟ إنه يوقف الجيش من أجل زوجته مراعاةً لشعورها وتقديرًا لها.
  •  أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسابق زوجته؛ وهذا من التبسط ورفع الكلفة بينه وبين زوجته، فهو صلى الله عليه وسلم يقتطع جزءًا من وقته الثمين ليدخل السرور على أهل بيته صلى الله عليه وسلم.

ومن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة أيضا، أن القرآن ينتصر للمرأة: فهذه خولة بنت ثعلبة كانت زوجة لأوس بن الصامت، وكان رجلًا غضوبًا قد كبر سنه، فجاء يومًا فراجعته زوجته في أمر ما، فغضب وقال لها: أنت عليَّ كظهر أمي، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستفتيه عن حالها وتشتكي إليه، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما أراك إلا قد حرمت عليه) فجادلت النبي صلى الله عليه وسلم واشتكت في حرقة أمرها إلى رسول الله، أهكذا بكل “بساطة” تنقطع الصلة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أراك إلا قد حرمت عليه)؟ فقالت: يا رسول الله! أكل مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إليك أشكو، قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1]الآيات

وما أجمل قول أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: “والله إنْ كنَّا في الجاهلية ما نعدُّ للنساء أمرًا، حتى أنزل الله فيهنَّ ما أنزل، وقسم لهنَّ ما قسم”.

لقد نعمت المرأة تحت دين الإسلام العظيم بوثوق الإيمان، ونهلت مِن معين العلم، وضربت بسهم في الاجتهاد، وشرع لها من الحقوق ما لم يشرع لها في أمة من الأمم في عصر من العصور، فقد أمعنت في سبيل الكمال طلقةَ العنان، حتى أحملت مِن بين يديها، وأعجزت من خلفها، فلم تشبهها امرأة من نساء العالمين في جلال حياتها، وسناء منزلتها.

إن الكل متساو في الإنسانية، فالله – جل جلاله – أكثر في القرآن مِن آيات تدل على المساواة بين الرجل والمرأة، سواء كانت هذه المساواة في التكليف، أو الأمور التي تستطيع المرأة أن تشارك فيها الرجل مِن غير أن يؤثر على أُنوثتها.

فلكل من الرجل والمرأة أهلية الوجوب، وأهلية الأداء، ما دام قد تقرر في ذمة كل منهما الواجبات الشرعية، فلا تبرأ ذمة كل منهما حتى يؤدي ما عليه من واجبات.

وقد وضع القرآن الكريم الرجل والمرأة على قدم المساواة في الالْتزامات الأخلاقية، والتكاليف الدينية إلا في حالات مخصوصة خفف الله فيها عن المرأة؛ رحمة بها، ومراعاة لفطرتها وتكوينها.

كما أكدَ الإسلام احترام شخصية المرأة المعنوية، وسواها بالرجل في أهلية الوجوبِ والأداء، وأثبت لها حقها في التصرف، ومباشرة جميع الحقوق، كحق البيع، وحق الشراء، وحق الراهن، وحق المرتهن، وكل هذه الحقوق واجبةُ النفاذ، حيث أطلق الإسلام للمرأة حرية التصرف في هذه الأمور بالشكل الذي تريده، دون أية قيود تقيد حريتها في التصرف، سوى القيد الذي يقيد الرجل نفسه فيها، ألا وهو قيد المبدأ العام: ألاّ تصدم الحريةُ بالحق أو الخير، قال – تبارك وتعالى -: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ﴾ [النساء: 32].

وجعل لها الإسلامُ حق الميراث، ولم يكن لها حق فيه قبل الإسلام؛ قال – تبارك وتعالى -: ﴿ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴾ [النساء: 7].

والمرأة لها صداقها كاملا، جعله الشرع لها، وهي مالكة له لا يشاركها فيه أحد، قال ربنا – جلَّ ذِكْرُه -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

وحكم الشارع الحكيم بأنه لا يحق للزوج مِن مال زوجه شيء، إلا إذا أعطته منه شيئا عن طيب نفس منها، يقول ربنا – سبحانه وتعالى -: ﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 237].

والمرأة في تملُّك الحقوق شأنها أمام الشرع شأن الرجل تماما إذا أحسنت أو أساءت؛ يقول – تبارك وتعالى -: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].

كذلك ساوت الشريعة بينهما في الدماء، وقررت أن يقتل الرجل بالمرأة؛ قال – جلَّ وعلا -: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 178].

وساوت الشريعة المحكمة بين الرجل والمرأة في الجزاء الأُخروي؛ قال – تعالى -: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97، وقال تعالي: ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر: 40].

الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى