في رده على الطوزي، الهلالي: المجتمع المغربي أكثر الشعوب العربية تدينا، وهذه هي خلاصات الدراسات العلمية والميدانية

في التصريح المنسوب إليه والمنشور بموقع اليوم 24 الإلكتروني يوم الأربعاء 9 مارس 2020 بمناسبة اللقاء الذي نظمته مؤسسة الفقيه التطواني بعنوان “السياسة بصيغة آخرى، زعم الدكتور محمد الطوزي أستاذ العلوم السياسية أن المجتمع المغربي “ليس مجتمعا دينيا”، وأن “الدين يظهر فقط في الهامش”. مضيفا ”أنه لا توجد دراسات سماها “ميدانية” “تقدم إحصائيات ميدانية حول نسبة المغاربة الذين يذهبون إلى المسجد، وقال، “ليس كل المغاربة يذهبون إلى المساجد، وهناك من يصلي ومن لا يصلي”.

غير أن تمحيص هذا التصريح الأقرب إلى الإنطاعية منه الى الخلاصة العلمية في ضوء الدراسات المتخصصة يتأكد عكس ما يعتقده السيد الطوزي تماما .

ما يفند تصريح الدكتور الطوزي هو ما ترصده التقارير العلمية المحكمة ومعطيات الأبحاث الميدانية حول حالة التدين في العالم العربي وفي المغرب على مدى أزيد من عشر سنوات، وما انتهت إليه من خلاصات مضطردة ومستقرة على مدى طويل نسبيا، وهي الخلاصة التي تضع الشعب المغربي في طليعة الشعوب المتدينة بأرقام وبيانات متواترة وشبه متطابقة في دراسات مختلفة عربية ودولية حول نسبة المتدينين وغير المتدينين، ومن يحتل الهامش ومن يقع في المركز والصدارة بالمعطيات وليس بالمتمنيات.

لكن الدكتور الطوزي لم يتجاهل هذه الإحصائيات السنوية عن حالة التدين التي تقدمها مراكز أبحاث دولية وعربية ومغربية، بل تجاهل المجهود العلمي المطرد الذي يقوم به باحثون مغاربة أصبحوا متخصصين في هذا المجال؛ بحكم ما يقومون به من أبحاث ومتابعات على مدار أزيد من عقد من الرصد والمتابعة الكمية والكيفية، وهو ما يفرض على كل باحث مهما بلغ شأنه أن يتحلى بفضيلة التواضع ويراجع ما يقوم به من سبقوه في ميدان من الميادين أو على الأقل أن يأخذ بعين الاعتبار نتائج أعمالهم حتى مع التحفظات الممكنة.

وخلافا للحكم الانطباعي الذي أدلى به السيد الطوزي، ودون خوض في الخلفيات التي حكمت التوقيت والسياق، فإن الأرقام والإحصائيات المتواترة ما زالت تصنف المغاربة ضمن الشعوب العربية الأكثر تدينا، بناء على تصريحات مستقاة منهم مباشرة حيث يؤكد حوالي 90 % منهم أنهم متدينون إما إلى حد ما 63%، أو متدينون جدا بنسبة تقترب من الثلث 23 %، وذلك حسب معيار للتدين توافق ثلثا المعنيين على أنه لا يقتصر على البعد الشعائري وممارسة العبادات فقط، والتي مثلت نسبته (39%)، وإنما يشمل أيضا ما هو أخلاقي وقيمي وسلوكي ومعاملاتي توزّعت مؤشرات حضورها في تعريف التدين بين (27%) بالنسبة للصدق والأمانة و(17%) بالنسبة لإحسان معاملة الآخرين و(7%) لصلة الرحم، و(7%) بالنسبة لمساعدة الفقراء.

فهل هذه البيانات ليست علمية أو ليست ميدانية؟ وهل مع هذه الأرقام والإحصائيات يمكن القول أن المجتمع المغربي مجتمعا غير متدين وأن الدين يوجد في الهامش فقط؟

إن الهامش الذي يتحدث عنه الدكتور الطوزي لا يوجد فيه بالفعل سوى من يصرحون أنهم غير متدينين بنسبة تتجاوز 10% بقليل استنادا إلى نفس معايير تعريف المتدين وغير المتدين، وذلك رغم أن بعض وسائل الإعلام حاولت التدليس في قراءة البيانات عندما بادرت إلى الاحتفاء بما سمته تضاعف نسبة غير المتدينين سنة 2019 بأزيد من ثلاث مرات ، والتي عند التمحيص هي مجرد تضاعف للقيم القليلة والتي تبقى أقلية، أي أنها انتقلت خلال عقد من الزمن من 4 % سنة 2013 الى حوالي 12 % سنة 2020 .

ما تجاهله السيد الطوزي أو قفز على معطياته؛ هو أن الشعب المغربي يتناوب مع الشعب الموريتاني على صدارة الشعوب الأكثر تدينا حسب الباراميتر العربي الذي يصدره بشكل سنوي المركز العربي للأبحاث وتحليل السياسات، إلا إذا كانت هذه الدراسة وغيرها ليست علمية أو ليست ميدانية وفقا لمعايير الدكتور الطوزي.

وللتذكير فإن هذه الدراسة، هي عبارة عن استطلاع ميداني يشمل 28000 مستجيب ومستجيبة أُجريت معهم مقابلات شخصية مباشرة ضمن عيّناتٍ ممثّلة للبلدان التي ينتمون إليها، منهم 1500 من المغاربة.

وقد تم إنجاز آخر نسخة وهي السابعة بين نوفمبر 2019 ويوليو 2020 .

وشارك في تنفيذ هذه الدراسة 900 باحث وباحثة، واستغرقت نحو 69 ألف ساعة، وقطع الباحثون الميدانيون في إنجازها أكثر من 820 ألف كيلومتر من أجل الوصول إلى المناطق التي ظهرت في العينة في أرجاء الوطن العربي.

ليس هذا وحسب،  بل إن ما وصلت إليه هذه الدراسة من خلاصة أساسية بخصوص نسب المتدينين تؤكدها دراسات أخرى من بينها الدراسة الصادرة عن مؤسسة كونراد أديناور بألمانيا في أكتوبر 2020، حيث يُصَنِّفُ ثلث المسلمین أنفسهم “متدینین للغایة”، وهي نسبة أكثر من العالم العربي، (23%)، فيما قال 44 % منهم إنھم لا يرون جيدًا العیش وفقاً لقواعد دينية صارمة، وأن نسبة غير المتدينين تبلغ نحو ثلث السكان (34%) وهي النسبة التي لا تتجاوز 12% في الدول العربية .

وتكشف الدراسة، التي شملت أكثر من ثلاثة آلاف شخص، أن نسبة من يرون أنفسهم متدينين جدًا، أو إلى حد ما، متقاربة بين جميع الطوائف الدينية في ألمانيا حسب الاستطلاع (76% المسلمون، 73% الكاثوليك، 70 % بروتستانت، 68% أرثوذكس).

والخلاصة التي يمكن أن يطمئن إليها كل باحث موضوعي متجرد هي أن التدين هو سمة بارزة لهذا القرن ليس في الإسلام وحده، بل في باقي الأديان، وهو تدين ليس فرديا أو شعائريا، بل يتنامى دوره في الحياة العامة للناس وذلك بالرغم من الاستثمارات الضخمة التي تبذلها العديد من الجهات إعلاميا وثقافيا وفنيا للدفع القسري للشباب نحو “الإقبال على الحياة”، بحسبان ذلك بمثل وصفة للوقاية من التطرف ظنا من أصحاب هذا الرأي أن التدين هو ملاذ الفقراء أو أصحاب الحظوظ المتناقصة من ملذات الحياة متناسين ما أبانت عنه الكثير من البيانات التي تدرس الأصول الاجتماعية والاقتصادية للفئات الأكثر إقبالا على نمط التدين الجهادي .

إن مثل هاته الانطباعات بما تمارسه من التغليط، إنما تفسر بعض أسباب أعطاب السياسات العمومية التي تنبني على استشارات علمية غير موضوعية، أو على آراء لا يكلف أصحابها عناء البحث أو الاستفادة من أبحاث غيرهم .

بقلم ذ. امحمد الهلالي/ المشرف العام على تقرير الحالة الدينية بالمغرب

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى