بولوز: في زمن كورونا الهجرة النبوية تعلمنا الأخذ بالممكن من الأسباب

أجرى موقع الإصلاح حوارا مع فضيلة الدكتور محمد بولوز أستاذ مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين الرباط، في موضوع دلالة ومقاصد استقبال حلول سنة هجرية جديدة، وفي زمن استثنائي، يقاوم العالم فيه آثار وتداعيات جائجة كورونا، ما دلالة استقبال حلول السنة الهجرية الجديدة، وما مدى استفادة الأجيال الحالية من هذا الحدث؟، وما القراءة التي يمكن أن تقدم لفهم السياق العام والظروف الحالية التي يأتي فيها حلول السنة الهجرية الجديدة؟.

وفيما يلي نص الحوار:

السؤال الأول: ما دلالات استقبال حلول السنة الهجرية عند المسلمين؟

أمة الإسلام في محنها وتطاول النكبات والأزمات عليها، لا تستسلم أبدا ولا تضع الراية، وإنما تتشبث بالأمل وتتسلح بإيمانها وأصولها وثوابتها، وتستضيء باللقطات المنيرة  من تاريخها، وتميط اللثام عما نسي من أمجادها، وتمسح الغبار عن مرتكزاتها وقواعد بنائها، ومن ذلك استحضار نقط انطلاقها، كحادث الهجرة، وهو فعلا  نقطة تحول مفصلية، انتقل فيه المسلمون من أفراد صالحين داخل المجتمع الجاهلي إلى كيان جماعي مستقل بقراراته ومؤسساته، وأصبحت لهم دولة ومركز إشعاع تطور إلى أمة وحضارة. فالاحتفال بحدث الهجرة هو احتفال بميلاد أمة الإسلام.

السؤال الثاني: ما مدى استفادة الأجيال الحالية من ذكرى حدث الهجرة النبوية؟

يمكن للجيل الحالي والذي يليه أن يجعل من حدث الهجرة مناسبة تفكر وتذكر وتجديد للانتماء واعتزاز بالاستقلال عن مختلف الهويات الأممية، مناسبة  للنظر فيما تأتي هذه الأجيال وما تدع، وتحرص أن يكون لها نصيب من أجر وثواب الهجرة، إذ لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، جهاد للنفس لتستقيم على الجادة، وجهاد للباطل ومقاومة مستمرة للفساد والاستبداد والعمل على أن يهجر الناس ما لا يرضاه لنا ربنا في التصورات والعقائد والعادات والسلوك والمعاملات والأحكام والآداب، فالهجرة المعنوية عملية مستمرة في النفس والناس والأوضاع والمؤسسات، هجرة من الشرك إلى التوحيد وهجرة من البدع إلى السنن وهجرة من المعاصي والذنوب إلى الطاعات وفعل الخيرات، وهجرة من المنكر إلى المعروف وهجرة من الظلم إلى العدل ومن الذل إلى العز ومن المهانة إلى الكرامة ومن الضعف إلى القوة ومن التفرق والتشرذم إلى الوحدة والتعاون، فالهجرة تخلية للتفرغ لعملية التحلية والبناء، وإنما كانت الهجرة الأولى لإقامة دين الله وإرساء دعائم الخير والحق، وأي هجران اليوم للكسل والخمول والباطل والفساد إلى الجد والاجتهاد ومعاني الصلاح والإصلاح هو إحياء لمعاني الهجرة في حياة المسلمين، وحلول ذكرى الهجرة في كل عام مناسبة لمحاسبة أنفسنا ومؤسساتنا وجمعياتنا وهيئاتنا على تقدمنا في هذه المعاني في النفس والمجتمع والدولة والأمة فما وجدناه من خير حمدنا الله عليه وما وجدناه من غير ذلك هرعنا إلى التوبة والتصحيح والاستقامة والإبداع في كل خير، وكل مناسبة للهجرة النبوية إلا وهي مناسبة لهجرة سيء الحال الى خير حال قدما التقدم والسؤدد والرقي.

السؤال الثالث: ما قراءتكم للسياق العام والظروف الحالية التي نستقبل فيها حلول السنة الجديدة؟
نحن بحاجة إلى المعاني الجميلة لحدث الهجرة، في ظل ظروف صعبة وأوضاع جد معقدة، تسير فيها الأحوال السياسية للأمة من سيء إلى أسوء، ومن ترد إلى أكثر منه ترديا، استأسد فيها الصهاينة أكثر من أي وقت مضى، وازداد دعم دول الاستكبار لها، وضاعت في الأمة دول بكاملها كالعراق وسوريا واليمن وليبيا والحبل على الجرار كما يقال، وازدادت النعرات والنزعات العرقية والطائفية بما يهدد ما بقي من أقطار واشتدت الهرولة نحن التطبيع مع العدو وجعل ما ليس طبيعيا يغدو وكأنه طبيعي، يغتصب العدو أرضنا وينتهك مقدساتنا ويهدم بيوت إخواننا ويقتل  أطفالهم ويرمل نساءهم، ونبادله الود وننمي مصالحه ونزوده بالطاقة، عربيتنا في تراجع مستمر تزاحمها اللغات الأجنبية في عقر دارها وتزيحها اللهجات عن مواقعها، كما هزلت الثقافة وأضحت التفاهة عنوانا بارزا لها، وتراجعت كثير من القيم في مجتمعاتنا وأسرنا، فنحن في وضع لا نحسد عليه، ولعل في حدث الهجرة وأمثالها ما يسلينا عن بقاء الأمل لهجر القاع الذي نحن فيه ، نتلمس الطريق نحو القمة من جديد.

السؤال الرابع: ما أهمية الاحتفاء بالسنة الهجرية الجديدة في زمن جائحة كورونا؟
يزودنا  حدث الهجرة بخصوص هذه الجائحة التي تجتاح العالم، اقصد جائحة كورونا ومصيبة كوفيد 19 الذي أصاب الدنيا، فالهجرة تعلمنا الأخذ بالممكن من الأسباب ثم التوكل على الله تعالى كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته من اختيار الوقت المناسب للخروج واختيار الرفيق ومخالفة الطريق واختيار خريت ماهر بالمسالك وتأمين المسالك ونحو ذلك من الأسباب ومعها وقبلها وبعدها توكل كامل على الله تعالى، فنأخذ بالأسباب الكاملة لمقاومة هذه الآفة والوقاية منها واعتبار ملازمة مقتضيات الحجر دينا يتقرب به إلى الله تعالى والتعبد بالمحافظة على النفوس وعدم التسبب في هلاكها، كما نستلهم درسا من مهم من دروس ثمار الهجرة وهي التضامن الأخوي بين المهاجرين والأنصار، فلا شك أن لآفة كرونا عواقب وخيمة على الاقتصاد وتضرر فئات عريضة من المجتمع، بما يفرض تآزرا وتضامنا وإيثارا حتى تمر المحنة بسلام، فلا خير في مبادئ لا تحضر في الأزمات ولا تنفع عند الملمات.

الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى