عدوان العرش نحو الأسوأ…فماذا ننتظر؟! – زياد ابحيص
مر حتى الآن يومان من عدوان العرش التوراتي على المسجد الأقصى، وما زالت ثلاثة أيامٍ منه تنتظرنا. بوضوح ودون تجميل؛ حقق عدوان العرش أهدافه منذ يومه الأول، فبدأ من حيث انتهت ذروة اقتحامات العرش العام الماضي 2022: القرابين النباتية تدخل الأقصى، وطقوسها التوراتية تطوف حوله على معظم أبوابه، أعداد مقتحمين قاربت الألف، وشرطة الاحتلال تعتدي على البقية الثابتة من المرابطين المبعدين حتى في اعتصامهم على باب السلسلة، في اقتحام أشرف عليه قائد “حرس الحدود” بنفسه، مع 300 من قواته مستخدماً الطائرات من دون طيار وتقنيات التصوير الحي 360 درجة مع دورياته الراجلة؛ مع قيودٍ منعت كل من هو دون الـ70 عاماً من دخول الأقصى على بعض الأبواب، فلم يبقَ للصلاة للأقصى إلا أن تتحول إلا باب للتعرف على المسنين الأطول عمراً في القدس مع تحرك التقييد العمري عبر الزمن من الثلاثين إلى السبعين!
اليوم الإثنين، ثاني أيام العرش التوراتي كان الحال أسوأ: فأعداد المقتحمين قاربت الـ1500 في زيادة قدرها 50% عن نظيره العام الماضي، واستفرد المقتحمون بالساحة الشرقية وبأبواب الأقصى ليؤدوا طقوس العرش بقرابينهم على أبواب السلسلة والقطانين والحديد والعتم والأسباط، فيما شرطة الاحتلال طورت عدوانها في باب السلسلة لتفريغه وتغييب الصوت الثابت المتبقي في وجه عدوانها على الأقصى، فلم تكتفي بضرب المرابطات والمرابطين بل اعتقلت ثلاثة منهم لعلها تنهي بؤرة الاشتباك الوحيدة المتبقية في وجه العدوان عند باب السلسلة.
لقد كانت لعدوان العرش ثلاثة أهداف:
الأول: إدخال القرابين النباتية إلى الأقصى لتكريس تعريفه كمقدسٍ مشترك، هيكلاً ومسجداً في الوقت عينه.
الثاني: فرض أكبر عدد ممكن من المقتحمين، فعداد الاقتحامات عند جماعات الهيكل يبدأ من رأس السنة العبرية الذي كان قبل ثلاثة أسابيع، وعيد العرش التوراتي هو أول الأعياد الكبرى الطويلة –وطوله ثمانية أيام- ما يسمح ببناء زخمٍ للاقتحام، وعادة ما تحقق جماعات الهيكل فيه نحو 10% من أرقام الاقتحامات السنوية.
الثالث: استعراض هيمنة شرطة الاحتلال على المسجد باعتباره هي من تديره كمقدس، فشرطة الاحتلال تضع لهم يافطة ترحيبية يكتب عليها “إدارة جبل الهيكل ترحب بكم”، فشرطة الاحتلال تعرف نفسها باعتبارها صاحبة المكان التي تديره، بينما تدفع لإعادة تعريف الأوقاف باعتبارها تدير “الحضور الإسلامي” فيه فقط، وهذا يتحقق بحضور قادتها وانتشار أفرادها وتطويق الاقصى ببؤر للطقوس التوراتية، علاوة على عادة إهداء المقتحمين هدايا العيد لشرطة الاحتلال في اليومين الأخيرين، بما يشمل زجاجات النبيذ أحياناً.
هذه الأهداف كما هو واضح ليست دينية، فنحن لسنا أمام طقوس تؤدى تقرباً للرب أو طلباً للمغفرة أو الرضا الإلهي كما هي العبادة في تعريفها الديني، بل نحن أمام توظيفٍ للطقوس الدينية كأداة استعمارية، كوسيلة لتبديل هوية الأقصى، لطمس هويته الإسلامية وتأسيس هوية يهودية له تُعرفه باعتباره هيكلاً. ومكانةُ الأعياد والطقوس مرتبطة بمقدار ما يمكن أن تحققه من عدوان ومن طمس للهوية العربية الإسلامية للقدس ولمقدساتها الإسلامية والمسيحية، ولهذا مثلاً نرى أن عيد “توحيد القدس” الذي هو مناسبة قومية صهيونية بات أكثر أهمية من العيد المجاور له في شهر مايو/أيار “عيد الأسابيع” رغم أنه من أعياد الحج الثلاثة المذكورة في أسفار التوراة الأولى، فهو موازٍ للعرش في أهميته الدينية لكننا لا نكاد نسمع عنه لأن عيد “توحيد القدس” القومي أكثر نفعاً في العدوان، حتى أن الصهيونية الدينية استحدثت له طقوساً خاصاً تتعامل معها كأنه جزء من التدين اليهودي على رأسها مسيرة الأعلام ورقصة البوابات التي تطوف على أبواب الأقصى.
هذه الرؤية في المحصلة تدفعها فكرة سياسية مركزية، وهي أن الاقتراب من تأسيس الهيكل سيحقق حلول روح الرب فيه، فيضاف عنصر القداسة للصهيونية، إذ يجتمع الثالوث: يسكن الشعب المختار الأرض الموعودة وتقدس روح الرب ذلك الكيان السياسي فيمسي مملكة الرب، وحينها فقط سيتدخل الرب في مجرى التاريخ ويرسل المخلص لـ “يكبت أعداء إسرائيل” ولـ “تخضع لها أعناق الأمم”. هذا المزيج الفريد من الدوافع السياسية والدينية والنبوءات الخلاصية التي تنقل المعركة إلى الرب ليحسمها، هي سر هذا الإصرار والسعي والتغاضي حتى عن قراءة المخاطر.
أمام هذا التشخيص، فنحن اليوم أمام العدوان الأخطر نوعياً في تهويد المسجد الأقصى، عدوانٌ لم نشهد له مثيلاً من قبل، يرى في حكومة الصهيونية الدينية فرصة تاريخية لفرض هذه الرؤية، لكن رغم كل ذلك يترك الأقصى لثلة من الأفراد لينوبوا عن أمة كاملة في الحفاظ على جذوة الدفاع عنه، فإلى متى سيستمر الصمت، وإلى متى سنقف نتفرج على هذا المشهد، وماذا ننتظر لنخوض هذه المعركة بما تستحق؟