رمضان بطعم الكورونا – الزهرة الكرش

يهل هلال رمضان هذا العام والكثير منا تتخطفه مشاعر الحزن فلا مساجد ولا تراويح ولا لقاءات عائلية ولا سمر مع الأصدقاء. فعلا، فما تعودنا عليه من طقوس تزين هذا الشهر وتزيده حرارة إلى حرارة الأجواء الإيمانية التي تلفه ليس من السهل التنازل عنها بحال، لقد تعودنا عليها حتى أصبحت جزءا من هذا الشهر الفضيل لكن رمضان هذه السنة سيكون خاليا منها.

رمضان هذا العام هو رمضان بنكهة أخرى ما عرفناها من قبل، رمضان بمذاق مختلف لم نستطعمه من قبل.

بعضنا يحس ضيقا شديدا وضغطا نفسيا لكونه لا يستطيع أن يستمتع بالأجواء الرمضانية التي تعود عليها لسنوات طويلة حتى ما عاد يرى رمضان بدونها. نقول له هون عليك فرمضان هذا العام سيكون مختلفا، سيكون رمضان الايجابية والتغيير.

رغم كل ما نمر به فبإمكاننا أن نجعل من رمضاننا هذا العام رمضانا متميزا يعلق بالذاكرة إلى آخر العمر، يمكننا أن نجعله رمضان “التحول”، تحول لن يرتبط فقط بتغيير نظرتنا وطريقة تعاملنا مع هذا الشهر الفضيل بل بتغيير فلسفتنا وطريقة تعاطينا مع كل أمور حياتنا.

سنجعله يعلق بالذاكرة ليس فقط لكونه أول رمضان بطعم الكورونا التي رغم مساوئها الكبيرة إلا أنها أضفت نكهة خاصة على كل شيء، جعلتنا نقف وقفات للتأمل في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، ولكنه كذلك لكونه أول رمضان سيعلمنا أن العادة شيء يمكن التخلي عنه وبسهولة.

العادة التي رافقتنا وأصبحت جزءا منا لا نستطيع الانفكاك منه، العادة التي جعلتنا أسرى لها وعبيدا بين يديها لا نخالف لها أمرا، هي عادات كثيرة أسرتنا لسنوات طويلة.

العادة كلمة حالت بيننا وبين بلوغ الأماني، كلمة ألصقنا بها كل تقصير، كلمة جعلناها سببا لكل عجز كان سببه الحقيقي ضعف أنفسنا وانهزامها أمام رغباتها وشهواتها.

تقف الكورونا اليوم لتعرفنا ما لم نكن نعرفه عن أنفسنا، تقف لتعطينا درسا عمليا لم يفلح أعظم مدربي التنمية البشرية في ترسيخه فينا فأتت الكورونا لتؤكد لنا أننا قادرون، قادرون على التغير من حال إلى حال، قادرون على التحول من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين إن توفرت الرغبة الحقيقية والإرادة الصادقة، فما عجزنا في السابق إلا دليل على أننا لم نكن نملك مشاعر صادقة ورغبة جامحة في التغيير.

عشنا للأسف سنوات طوال ونحن نتدحرج بين ميولاتنا وصوت الضمير فينا فتتغلب علينا شهواتنا لأنها الجزء الأقوى فينا، نتأرجح بين الأنا التي تطمح أن تكون شيئا بين الناس وبين الأنا التي لم تستطع تجاوز ذاتها ورغبتها في أن تستمتع بملذات الحياة فهي تعيش بين جذب وشد حتى تستسلم وترضخ وتقول لقد تعودت فما من سبيل للخروج مما أنا فيه.

ما نعيشه اليوم هو درس عملي في فنون التعامل مع الذات وترويضها، فمن حسن الأقدار ولطفها أن يجتمع رمضان والحجر الصحي ليكونا بحق خير مدرسة نتعلم فيها سنن التغيير ونعي بحق قول الله تعالى: ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد١١] فيد الله لا تمتد إليك إلا إذا حدث التحول بداية داخلك، إلا إذا تغيرت أفكارك وقناعاتك وتملكتك الرغبة في السمو والارتقاء.

البداية دائما تكون منك ومن داخلك فأنت من يقرر لأنه بالنهاية التغيير قرار واختيار فما تحمله داخلك هو المحدد لما ستكون عليه، فمن كان يتطلع للقمة لن يجد نفسه إلا وداخله بركان يغلي ليتفجر همة وعملا ومثابرة ويفجر معه كل كسل وأعذار واهية كانت سببا في قعوده مع القاعدين وسببا في استسلامه لعادات ظل لسنوات طويلة يعتقد أنه عاجز عن تغييرها.

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى