خطورة الإشاعة في المجتمع وكيفية التعامل معها

(الإشاعة) هي: الخبر ينتشر غير متثبَّت منه، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]؛ قال ابن كثير: “أي: يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح”.

ومن التعريفات للإشاعة أنها هي: “الأحاديث والأقوال والأخبار التي يتناقلها الناس، والقَصص التي يروونها، دون التثبت من صحتها، أو التحقق من صدقها”، ويكون منشأ هذه الإشاعة – غالبا -: خبرا من شخص، أو خبرا من جريدة، أو من مجلة، أو خبرا من إذاعة، أو خبرا من تلفاز، أو خبرا من رسالة خطِّية، أو خبرا من شريط مسجل.

وللشائعة تأثير سلبي على سعادة الفرد وأمنه النفسي، فالإنسان خليفة الله في الأرض، فضله وكرمه على بقية المخلوقات، وكلفه بعمارة الأرض وصنع الحضارة فيها، وحتى يستطيع أن يتحمل مسؤولياته التي كلفه الله بها في هذه الحياة؛ لا بد أن يكون آمنً على حياته في المقام الأول، وآمنا على عدم المساس بها بأي شكل مِن الأشكال.

وقد أكد القرآن على هذا الأمن بقوله تعالى – متحدثا عن أهل مكة -: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3، 4]، ومقصد الإسلام من ذلك كله هو سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة على السواء، فإذا اطمأن الإنسان وزال عنه القلق، أصبح إنسانا سويا نافعا لنفسه ولمجتمعه[4].

وتوثر الإشاعات على الفرد وأسرته، وتأثيرها في المجتمع بالغ لأنها تسري كالنار في الهشيم تأكل الأخضر واليابس.

ولمواجَهة الإشاعات؛ لا بد من :

1 – الحث على مراقَبة الله في كل أمر من الأمور: ويظهر هذا بوضوح في تعاليم الإسلام؛ حيث حثنا الله – عز وجل – في أكثر من آية على مراقَبة الإنسان لأفعاله التي تصدر منه، ومن هذه الآيات قوله تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 7]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5].

وهذا ما وجَّهَنا إليه النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديث جبريل المشهور: “فأَخبِرْني عن الإحسان”، قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يَراك)، وعنه – صلى الله عليه وسلم – قال: (اتَّق الله حيثما كنتَ، وأَتبِع السيِّئة الحسَنة تَمحُها، وخالِق الناس بخلُقٍ حسن).

2 – التثبُّت عند سماع أمر من الأمور: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].

3 – أهمية الكلمة وبيان خطورتها: من الوسائل التي تساعد في مواجهة الإشاعات أن يعرف الفرد أهمية الكلمة التي ينطق بها وخطورتها؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15]، وهي صورة فيها الخفة والاستهتار وقلة التحرج، وتناول أعظم الأمور وأخطرها بلا مبالاة ولا اهتمام.

4 – الوعيد الشديد لمن يروج الإشاعات بين الناس:

وهذا ما أخبرنا به – سبحانه وتعالى – في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ [البروج: 10]، فهذه الآيات عامة في كل أذى يصيب المسلم أو فتنة مما يؤثِّر على أمنه وسعادته، وعنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (كفى بالمرء كذبًا أن يُحدِّث بكل ما سمع).

وعليه، فأول ما ينبغي على المسلم عدم تصديق الإشاعات إلا بعد التثبت من صحتها، وعدم نشرها وترويجها والكلام فيها، وإذا كانت في أمْر يمس عرض مسلم، فيقول: ﴿ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16]، والأصل في الإنسان المسلم ألا يضيع أوقاته باللغو والكلام الباطل والإشاعات الباطلة، وكلام الفضول، وليحاسب نفسه أولا، فإن عند المرء من الذنوب ما يغنيه عن كلامه في ذنوب الآخرين؛ ومن الأدب الإسلامي في هذا الأمر: أن تصغي بسمعك، ولا تلتفت ببصرك للإشاعات، ليبقى قلبك سليما معافى، كما أن ديدن المسلم الصدق بالقلب واللسان، وحسن الظّن بالمسلمين،

والأولى بالمسلم في هذا الأمر ترك الغيبة والإنكار على فاعلها، وحمل الأقوال والأفعال على المحمل الحسن، خاصة أهل الخير والصلاح، والعلماء وأولي الأمر من المسلمين.

ولنعلم أنه من مفاسد الإشاعات اتهام البراء من الناس، وفساد القلب، والإثم، وتفرق المجتمع، والكذب، وهي من الشيطان؛ لخلخلة صفوف المسلمين، وإيقاعهم في الإثم؛ قال تعالى: ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 15].

الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى