حسن أوريد والرؤية المستقبلية – نور الدين قربال
نظم منتدى المتوسط للتبادل والحوار بشراكة مع المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، ندوة تحمل عنوان: الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على المنطقة المغاربية. وقد تميزت هذه الندوة القيمة بمداخلات مجموعة من الأساتذة الكرام كما شارك الحاضرون في مناقشة غنية ومن ضمن المؤطرين الدكتور حسن أوريد الذي ساهم بمداخلة تثير الفضول المعرفي وتطرح طرحا جديدا غير مألوف في بعض جوانبه. وسنحاول قراءة بعض مضامين هذه المداخلة.
يؤكد الدكتور حسن أوريد ابتداء بأننا اليوم نعيش إرهاصات بداية حقبة ونهاية حقبة أخرى. وهذه سنة تاريخية. فهي دورة حضارية. وهي سبب مباشر لاستدراك الأعطاب، وتجاوزها. ومن أجل فهم ما هو واقع باعتبار ما هو كائن، أو ما سيقع باعتبار ما سيكون فلابد من توظيف مكانيزمات جديدة، ليتناغم الدال والمدلول.
بعد سقوط حائط برلين بدأ الحديث على بداية التاريخ والإعلان عن منظومة جديدة. أشار الدكتور إلى انتقال البشرية خلال المراحل المشار إليها من الصراع الايديولوجي، إلى الصراع الابستمولوجي إلى تهديدات وجودية. ومن تم اعتبر فكرة رابح-رابح والقطبية أفكار متجاوزة. إنها حرب باردة بثوب جديد. كما قال أحدهم في تحديد العلاقة بين البلاغة واللسانيات.
وركز على ثلاث دول: الولايات المتحدة الامريكية، والصين، وروسيا، وهذه الدول تتحرك في صناعة المرحلة الجديدة بناء على توليفة لها ثلاثة أبعاد: قومي وايديولوجي وحضاري. وهذا يحيلنا إلى استحضار كتاب الراحل المهدي المنجرة في التسعينات الحرب الحضارية الأولى. إذن موت الإديولوجية يحمل في حد ذاته مفهوما للإيديولوجية.
وبالتبع في موضوع ”مغازلة” بلغة الدكتور عرج على الهند و الاتحاد الأوربي واليابان واستراليا والجنوب، والتداخل بين المحلي والإقليمي والدولي. يخلص الدكتور إلى أن الأمر لا يتعلق بحرب عالمية بل بنزاع عالمي.
كل هذا سيؤثر على المنطقة المغاربية خاصة العلاقة الجزائرية المغربية. حيث استفادت الجزائر من الطاقة والتي تشكل محددا استراتيجيا في علاقتها الدولية. مما جعل الجزائر تستفيد من أهمية البترول والغاز في التعامل الدولي.
لقد اتسمت العلاقة بين البلدين بالتوتر، والخطاب العدائي، والمناورات العسكرية. خاصة بعد القطيعة الدبلوماسية سنة 2021 كبديل على الحرب معرجا على حرب الرمال التي يجب أن تفهم في سياقها الحقيقي بدل الترويج لرواية المؤامرة.
ان امتلاك البترول والغاز لم يحقق ما كانت تصبو اليه الجزائر لأن المغرب اجتهد في العمل الاستراتيجي فبرز السباق على التسلح، والمناورات العسكرية، لكن يؤمن الطرفان بأن المواجهة لا تكون حلا وإنما مدمرة. والحديث عن المواجهة من أجل تجنب المواجهة.
إن روسيا تخوض حربا وجودية والولايات المتحدة لا ترضى بالهزيمة الابستمولوجية. ويخلص الدكتور حسن أوريد الى الخلاصات التالية:
- ضرورة أخذ الحذر، والخيار الأطلسي خيار استراتيجي.
- ضرورة تطبيع العلاقات مع إسبانيا وفرنسا
- توطيد العلاقات مع السعودية والإمارات ومصر.
- تشجيع العمل المدني في إطار الدبلوماسية الموازنة استراتيجيا وتكتيكيا.
- اهتمام الجميع ببناء الدولة وبناء على التطورات المطردة.
- ترتيب الأولويات وتحديد الأهداف بأشكالها العمودية والأفقية.
- العودة الى السياسة من خلال النظر في أدوات العمل، ونوعية الخطاب، والاهتمام بالحقوق والحريات.
نخلص من هذه المداخلة القيمة بأننا في بداية مرحلة جديدة، تثمن الإيجابي وتتجاوز السلبي. تحتاج إلى التملك من أدوات جديدة للمقارنة والتحليل والتفكيك والتقويم. لفهم ماهية التهديد الوجودي، وطبيعته وحدوده. وكيفية التعامل مع التوليفة القومية والايديولوجية والحضارية.
إننا في نزاعات فكيف نساهم في الخروج منها؟ إنها دبلوماسية الوضوح والطموح، واعتماد الوسطية والاعتدال في التعايش الحضاري بدل السقوط في الجهالات، لأن القرار السياسي عندما يفقد النضج يسقط في الحماقات. فهل نحن قادرون على ممارسة السياسة بدل الحزبية الضيقة؟ هل نحن مؤهلون لتربية سياسية وفعل تنموي ناضج حتى نضمن الوجود ونساهم في ترقية البحث الابستمولوجي؟
كيف نوسع أفقنا حتى نتقن لغة التموقع الاستراتيجي انطلاقا من ترتيب الأولويات؟ كيف نطور خطابنا السياسي وفعلنا الحقوقي ومنهجنا المتناغم مع التحول المطرد الذي لا يرحم المتخلفين ولا ينتظر المتأخرين؟
وتحية للدكتور حسن أوريد وجميع المتدخلين والحاضرين والمتتبعين وللمنتدى المتوسط للتبادل والحوار، والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية على تهيء هذا المناخ المعرفي.