حرب الشوارع بالعاصمة الليبية.. غياب ضغط دولي على أطراف النزاع يؤخر الحل السياسي

عادت الأزمة الليبية للمربع الأول، وانفجرت الأوضاع بها مع محاولة جديدة من معسكر شرق ليبيا لاقتحام العاصمة الليبية طرابلس، وإزاحة حكومة عبد الحميد الدبيبة ووضع حكومة فتحي باشاغا محلها. ويخشى أن تكون حرب الشوارع والمواجهات الأخيرة بين قوات تابعة لدبيبة رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس وقوات تابعة لفتحي باشاغا رئيس الحكومة الجديد المكلف من مجلس نواب طبرق، تداعيات سلبية على البلاد أكثر مما يتوقعه أطراف النزاع.

وأعلن ما يعرف باسم برلمان طبرق برئاسة عقيلة صالح بشرق ليبيا، أن حكومة عبد الحميد الدبيبة التي تشكلت بدعم من الأمم المتحدة أضحت غير شرعية وأن مدة ولايتها قد انتهت، وعين حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا وزير الداخلية السابق. لكن الدبيبة رفض قرارات البرلمان وقال إنه لن يتنازل عن السلطة إلا بعد انتخابات.

حاول باشاغا دخول طرابلس بعد فترة وجيزة من تعيينه في مارس الماضي، لكن الفصائل الموالية للدبيبة منعت مرور موكبه. وحاول مجددا في ماي الماضي، لكنه غادر طرابلس بعد تبادل قصير لإطلاق النار. ومع مرور الأشهر، تغيرت معالم التحالفات والائتلافات بين فصائل طرابلس مع محاولة كل من الدبيبة وباشاغا استمالة الأطراف الرئيسية.

وتكررت المناوشات في شوارع طرابلس بين القوات المسلحة بسبب الخلاف على مناطق النفوذ. وعندما اندلع القتال الأخير، بدأت الفصائل المتحالفة مع باشاغا شن ما بدا أنها هجمات منسقة في محاولة جديدة لتنصيبه في العاصمة. لكن هذه الخطوة فشلت مما ساهم في ترسيخ موقف الدبيبة على ما يبدو.

ويرى المحلل السياسي الليبي عبد الله الكبير في حديث لـDW (موقع دوتشي فيليه العربية) أن “الضغوطات الكبيرة التي يتعرض لها باشاغا من حلفائه بداية من خليفة حفتر إلى الأطراف الأخرى التي شاركته هذه الحكومة”، هي ما أجبرته على اتخاذ تلك الخطوة رغم فشلها عدة مرات سابقة ومعرفته باحتمال ذلك مجددا.

ومما زاد الوضع سوءا ، ما اعتبره البعض فتورا من جانب الأطراف الإقليمية والدولية، وكذا مواقفها الغامضة تجاه التطورات الميدانية الأخيرة في ليبيا. لكن عبد الله الكبير لا يرى غموضاً في المواقف الدولية، ويعتقد أن أغلبها تبدو واضحة، قائلا “فالدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تدفع باتجاه التهدئة وعدم التصعيد وإجراء الانتخابات كحل للأزمة السياسية”.

وأضاف أن “الدول الداعمة أو شبه الداعمة لصفقة باشاغا/حفتر – وأعنى بها مصر – انتظرت حتى جلاء غبار المعركة ووضوح أن باشاغا قد هُزم وأخفق في دخول العاصمة، أصدرت بيانا في ساعة متأخرة تؤيد فيه الحل السياسي وتدعو إلى التهدئة وعدم التصعيد وعدم اللجوء للعنف”.

ويشير محللون وخبراء إلى أن الموقف الروسي ربما يكون هو أكثر المواقف غموضا بشأن المسألة الليبية، لكنهم أرجعوا الأمر إلى الحرب التي تشنها موسكو على كييف والمواجهات مع الدول الغربية والولايات المتحدة بهذا الشأن.
ومن جهته، يرى رئيس برنامج الحوار السياسي الإقليمي في جنوب البحر الأبيض المتوسط ​​ توماس فولك أن “روسيا تحاول تقسيم أوروبا والمجتمع الدولي بأسره، وبالتالي فمن المحتمل أن يكون لها مصلحة في هذه الخلافات التي تتم بعنف في ليبيا”.

ويقول فولك: “إن روسيا في الأساس مهتمة بزعزعة الاستقرار في الجوار المباشر لأوروبا وإثارة الاضطرابات حتى يكون لدى الأوروبيين نقاط محورية للتوتر في جوارهم الجنوبي”.

الملف الليبي ليس أولوية عند الأوروبيين والأمريكان

ويرجع المحلل السياسي عبد الله الكبير تراجع الاهتمام الأوروبي والأمريكي بالأزمة الليبيبة إلى الحرب الروسية على أوكرانيا، وكذا ملفات أخرى مهمة كأزمة الاتفاق النووي الإيراني، وأزمة الطاقة والاضطرابات الاقتصادية العالمية .

وفي سياق متصل، يعتبر توماس فولك، أن “دور الاتحاد الأوروبي مخيب للآمال إلى حد ما، حيث كان يعتمد بشكل كبير على نهج القوة الناعمة”، مضيفاً في تصريحاته لـ DW عربية أنه “عندما يتعلق الأمر بالقوة الخشنة، فإنه ولسوء الحظ، ليس لدى الاتحاد الأوروبي تواجد محسوس في أي مكان في شمال إفريقيا”.

وحذر فولك من أن عدم التدخل الدولي بفعالية لحل الأزمة الليبية سينتج عنه أمرا أكثر خطورة وهو” زعزعة الاستقرار الهش في البلاد وربما الانزلاق مجددا إلى حرب أهلية سيكون لها عواقب وخيمة على الاتحاد الأوروبي أيضًا ومنها تصاعد ضخم في حركة الهجرة إلى أوروبا”.

لم يظهر الجانب الشرقي بقيادة حفتر وباشاغا وعقيلة صالح رئيس البرلمان أي استعداد للتراجع عن الهدف المتمثل في إزاحة الدبيبة وتنصيب باشاغا واتمام سيطرة الجبهة الشرقية على الجانب الغربي من ليبيا وإنهاء الأمر برمته. ويضعف استمرار الوجود العسكري التركي في أنحاء طرابلس، احتمال إعادة حفتر الكرة ضد العاصمة في الوقت الحالي.

وقد تعثرت الدبلوماسية وأصبح الاتفاق على كيفية إجراء الانتخابات كحل دائم للخلافات السياسية في ليبيا بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى. كما أُجهضت جميع الجهود الدولية للتوسط في اتفاق سياسي بسبب اتساع هوة الخلاف بين الدول المعنية وبين الفصائل المحلية التي يعتقد العديد من الليبيين أنها تريد تجنب الانتخابات من أجل التشبث بالسلطة.

ويعتقد عبد الله الكبير أن “مشروع باشاغا قد انتهى تماما ولا أمل له في الدخول إلى العاصمة وتنفيذ برنامجه هو والأطراف المتحالفة معه بطرد حكومة الدبيبة، وأن ما يجري الآن هو بسبب تمسك الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي الليبي بالسلطة ورغبتها في الاستمرار وهنا أقصد مجلس النواب (شرق) ورئيسه بالدرجة الأولى (عقيلة صالح) والمجلس الأعلى للدولة (غرب)”.

ولم يستبعد عبد الله الكبير تكريس الأزمة واقع انقسام الدولة الليبية، وإبقاء الوضع على ما هو عليه في حالة جمود، مع إمكانية الحل السياسي في حالة وجود الضغط الدولي والداخلي على أطراف الأزمة.

عن دوتشي فيليه بتصرف

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى