تسكين آلام مَن هلوسَته الأوهام

عبد الله الفاسي 

التّوهّم أنّ لغة تدريس الموادّ العلمية والتّقنية ليست قضية هويّة.

هذا التّوهّم ما كان له أن يرى النّور وما كان لصاحبه أن يجرأ على مجرّد تخيّله لو كان في بلاد غير المغرب. واذهب إلى البلد الذي تختاره بمحض إرادتك لن تستطيع ولو مجرّد مُفاتحة أهله في هذا الموضوع. بل أزعم أنّ أيّ وزير تجرّأ على اقتراح لغة غير لغة البلد الوطنية والرّسمية والدّستورية لتكون لغة التّدريس في بلده؛ أزعم أنّ مآله في أحسن الأحوال سيكون الإقالة من الوزارة. أمّا إذا كان الموروث الثّقافي مثقلا بجراح الاستعمار والاستكبار؛ كأن يقترح وزير التّربوية الوطنية الفرنسي تدريس المواد العلمية والتّقنية بالعربية؛ فلن أتردّد في أن أقسم أنّ مآله سيكون التّجريد من الجنسية ولِم لا النّفي خارج البلد، أو في أحسن الأحوال -إذا كان أبيض اللّون ومن أصل متأصّل فرنسي- سيكون مآله مستشفى الأمراض العصبية بحجّة الاختلال النّفسي.

التّوهّم أنّ العربية ليسن لغة الإسلام.

هذا وهم حقيقي؛ القول بأنّ العربية لغة القرآن وليست لغة الإسلام. ولو استطاع المهلوَس بهذا الوهم أن ينفي عن العربية أن تكون لغة القرآن لفعل؛ لكنّ الآيات البيّنات تحرمه هذا الانتشاء؛ لأنّ عقدته مع العربية كلغة جامعة للمغاربة على اختلاف أعراقهم وأجناسهم وليست مع أي شيء آخر.

العربية لغة القرآن وهي اللّغة التي ارتضاها الله لغة جامعة للمسلمين في الصّلاة؛ الرّكن الأوّل من أركان هذا الدّين. فلا يُتصوّر أن تُقام الصّلاة خلف إمام يقرأ قرآنا مترجما إلى أيّ لغة من اللّغات؛ لأنّ التّرجمة ليست كلام لله؛ وإنّما هي محاولة للتّعبير عن معاني القرآن بلغة غير لغته الأصلية. وهذا معناه أنّ اللّغة الوحيدة التي اختارها الله لتجمع بين المسلمين كلّ مسلمي العالم هي العربية التي يقرأ بها الجميع في صلاتهم.

التّوهّم بأن العربية لا يمكنها أن تكون لغة النّهضة المنشودة.

هكذا الشّأن بالنسبة لكلّ المستلبين الذين أنستهم أحوالُهم أصولَهم. نسوا تاريخ الأمم من قبلهم وتناسوا قيادة الحضارة العربية والإسلامية للعالم كلّه عبر قرون؛ بالرّغم من شهادات كبار رجالات الشّرق والغرب والشّمال والجنوب بفضل علماء العرب والمسلمين وما خلّفوه -ممّا حفظه التّاريخ- من مؤلّفات موسوعية في شتّى العلوم: الزّهراوي وموسوعته من ثلاثين مجلّدا في الطبّ والجراحة والتي ترجمت إلى كلّ لغات العالم وأدوات الجراحة التي ابتكرها والتي إلى اليوم لا يمكن أن تستغني عنها أي غرفة جراحة في العالم. جابر بن حيّان وما حفظه له تاريخ التّأليف في علم الكيمياء حتّى اعتُبر المؤسّس الحقيقي لعلم الكيمياء؛ قال عنه “باكون” الفيلسوف الإنجليزي المعروف: إنّ جابر بن حيّان هو أوّل من علّم عِلم الكيمياء للعالم، فهو أبو الكيمياء. وعبّاس بن فرناس؛ أوّ لمن درس أثر ضغط الهواء على الأجسام الطّائرة، وأوّل من جرّب الطّيران بجناحين من الرّيش وأوّل من نزل بالمنطاد من برج عال…….

لقد تعوّدنا أن نرى الخلف يبدّد الميراث المالي الذي خلّفه السّلف؛ لكنّنا لم نتعوّد أن نرى هذا البخس الذي تسلّط على الأمّة من قلبها ومن أبنائها الذي لم يستطيعوا أن يصلوا ماضيها بحاضرها فقعدوا منهزمين عند منتصف الطّريق لعلّ قافلة تحملهم إلى الشّرق أو الغرب حيث يكون لهم مستودع أو قرار.

والخلاصة ما تسكن به آلام مَن هلوسَتهُ الأوهام:

نعم لغة التّدريس قضيّة هوّية.

نعم العربيّة هي اللّغة التي اختارها الله تعالى لكلامه ولرسالته لكلّ العالمين؛ فكانت لغة الصّلاة التي تجمعهم أجمعين.

نعم العربية من أقدر لغات العالم على إقامة حضارة راشدة ونهضة شاملة يصلع عليها حال البشرية جمعاء.

عبد الله الفاسي 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى