الهدى المنهاجي في سورة الحجرات (23) – عبد الحق لمهى
“في أن الايمان المحض إنما هو فناء النفس في طاعة الله، وأن مشاهدة ” الأنا” في غير موقع الفقر إليه تعالى غرور وجهل بالله؛ ولذلك كان مسلك الذلة لله والخضوع له رغبة ورهبة؛ بما يشعر المؤمن بالافتقار الدائم إليه تعالى ـ هو طريق العارفين به سبحانه جل علاه، المتحققين بكمال الإيمان وبمقامه العالي الرفيع فغاية الإيمان وحقيقته إذن هي جعل الإنسان في مقام العبدية الكاملة لله، تحققا بمعانيها وتخلقا بأدبها. وإنما يكون ذلك بذبح شهوات النفس على عتبة العبودية لله الواحد القهار، والتوجه إليه سبحانه بالطاعة في كل أمر خوفا وطمعا، ورد الفضل كله في هذا وذاك إلى الله، فمن رأى لنفسه فضيلة في طريق التعبد المحض فإنه لم يذق معنى الايمان الحق، الذي تجلت به الآيات المباركات من كتاب الله ولم يبرح بعد أشكال الرسوم العامة إلى التحليق في فضاءاتها الواسعة والترقي بمعارجها العالية فإنما يحصل غنى القلب بمشاهدة فقره، ويتحقق كماله بإبصار نقصه وضعفه.”[1]
[1] مجالس القرآن مدارسات في رسالات الهدى المنهاجي للقرآن الكريم من التلقي إلى البلاغ، الجزء الأول، فريد الانصاري، ص 399، دار السلام، ط 4، 2015م.