النكبة بين خمس أكاذيب وخمس سرقات – أيمن أبو ناهية

مثلت بدايات النكبة ليس فقط بإعلان قيام الكيان الإسرائيلي وما لحقه من حرب عام ١٩٤٨، بل كان الانتداب البريطاني والتمهيد لتنفيذ “وعد بلفور” منذ عام ١٩١٧ بأي ثمن هما البداية الأولى للنكبة، فقد قتلوا أربعة عشر ألف فلسطيني، عدا الجرحى والمعتقلين والمنفيين خلال فترة تقل عن أربع سنوات 1936-1939 لأن الفلسطينيين حاولوا منع الإنجليز من تنفيذ “وعد بلفور” الذي ما كان في الميسور منعه إلا بوقف الهجرة الصهيونية إلى فلسطين الأمر الذي رفضه الإنجليز رفضا باتا على الدوام ولو حاولت أي دولة عربية أن تقاتل الإنجليز لتمنعهم من تنفيذ “وعد بلفور” لكان مصيرها أبشع من مصير الشعب الفلسطيني.

أيمن أبو ناهية
أيمن أبو ناهية

لقد كتب مئات بل آلاف من الإصدارات والمراجع عن القضية الفلسطينية وعن بداياتها الأولى، وهنا أستشهد بما ذكر في كتاب المؤلف الأمريكي غاري فيلدز وآخرين، الذي يفكك جذور الأساطير الصهيونية، حيث وثقها في 5 أكاذيب كبيرة، و4 سرقات كبيرة، والذي يوثق سردًا تاريخيًّا ممنهجًا لممارسات الصهيونية وادعاءاتها “بهدف سرقة أرض فلسطين التاريخية، ونزع الملكيات، ومزيج من الكذب الأخلاقي والسياسي والاقتصادي والعسكري والجغرافي المتجذر في الممارسات الشريرة التي فرضتها الحركة الصهيونية على الشعب الفلسطيني، وحمل الكتاب عنوان “المشهد الفلسطيني من مرآة تاريخية”، وصدر في أواخر عام 2017، ويوضح هذا الكتاب أن الرؤية الصهيونية كانت ترتكز على خمس أكاذيب، وأربع سرقات كبيرة لفلسطين، أما الخمس أكاذيب فهي:

الكذبة الأولى: فلسطين “غير مأهولة”، وتألفت من “أرض ميتة”، وكذبة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.

الكذبة الثانية: الصهاينة هم أصحاب الحق الشرعي الأصلي في “أرض إسرائيل”، ولم يكن الفضل لوعد بلفور، بل للإرث الصهيوني الذي يمنح اليهود الحق في زراعة الأرض وبناء المستوطنات وبناء الجدران.

الكذبة الثالثة: كل مكان في فلسطين لديه اسم عبري. في الحقيقة، اغتالت (إسرائيل) الأسماء الفلسطينية التي استخدمت لمئات السنين، وقامت بتحريف التاريخ الجغرافي المكاني في الأراضي الفلسطينية، وأضفت عليها “الشرعية الصهيونية” مدعومة بماكيناتها الإعلامية.

الكذبة الرابعة: كل موقع أثري في فلسطين يثبت أن اليهودية تأسست في عمق هذه الأراضي منذ الزمن القديم -خصوصًا في القدس- ولمئات السنين. والحقيقة أن الصهاينة زوّروا بدهاء كتبًا تاريخية وصفحات على الإنترنت تزعم “أحقية” اليهود في المواقع التراثية.

الكذبة الخامسة: الصهاينة المساكين هم أشخاص محاصرون يتعرضون للهجوم من الفلسطينيين، غير القادرين على العمل أو على إنشاء التجمعات السكنية أو المزارع الجديدة، وما إلى ذلك. في الواقع، عكس الصهاينة الحقيقة، ومن المستحيل قراءة هذا الكتاب دون الشعور بأعمق مشاعر الغضب إزاء ما فعله الصهاينة بحق الفلسطينيين.

أما الجيوش العربية فلم تحقق انتصارات باهرة، بل إنها فقدت فرصتها الأخيرة من أجل حسم المعركة مع الكيان الصهيوني الناشئ، الذي “يشتد عوده” شيئا فشيئا، ففي بداية المعارك، كان العرب متفوقين في جودة الأسلحة ونوعيتها من مدرعات وسلاح جو، وكان بإمكانهم أن يحتلوا مناطق واسعة من أرض فلسطين المعدة لتكون جزءًا من الدولة العبرية، ولكنهم وبسبب التخطيط السيئ والتحضير الناقص وعدم التنسيق فيما بين الجيوش العربية، لم يتقدموا بما فيه الكفاية، في حينها طلب المفتي أمين الحسيني من الجامعة العربية ألا ترسل قوات نظامية بل ترسل سلاحا و أموالا للمجاهدين، فرفضت ذلك، وتعرض المجاهدون لهجوم عنيف من الهاجاناة و طلبوا سلاحا من قوات الجامعة في فلسطين و قائدها القاوقجي الذي رفض حتى يتأكد من هزيمه المجاهدين. فالفلسطينيون هم من دفع الثمن ولا يزالون، فقد تكبدوا آلاف الشهداء فضلاً عن أن تسعمائة ألف فلسطيني شردوا من ديارهم وصاروا لاجئين في الأقطار العربية، فثمة مجموعة من الأسئلة شديدة الصلة بأسرار عام النكبة وأهم هذه الأسئلة هي:

أولا، ما دامت الدول العربية تعلم سلفاً أن الغربيين ما كانوا يسمحون لها بأكثر من حملة عسكرية فلماذا بادرت بالتدخل؟

ثانيا، لماذا زجت بجيوشها في حرب خاسرة سلفاً، وطلبت من الفلسطينيين الخروج ووعدتهم بالعودة بعد القضاء على الصهاينة، وقد تبدد الوعد وتبدد الحلم بالعودة؟

ثالثا، لماذا كان عدد الجنود العرب في فلسطين طفيفاً جداً إذا ما قورن بعدد سكان العالم العربي وإمكاناته الضخمة، وقد تطابق مع عدد الجنود الصهاينة أو نقص عن عددهم؟

رابعا، لماذا سارعت الجيوش العربية إلى القبول بالهدنة الأولى مع أن الصهاينة كانوا الطرف الضعيف يوم دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين وحاصرت “تل أبيب”؟

خامسا، لماذا استخدمت أسلحة وذخيرة فاسدة؟

سادسا، لماذا سمح الإنجليز لجيش الإنقاذ بالدخول إلى فلسطين قبل انسحابهم منها علما بأن الإنجليز كان لهم سبعة وسبعون ألف جندي في فلسطين عند بداية عام النكبة؟

سابعا، لماذا أحجمت الجامعة العربية عن تسليح الفلسطينيين ولاسيما بعدما أبدوا بطولات نادرة في يافا والقدس ولوبية وسلمى والبروة والطيرة وجبع وعين غزال وغيرها؟

الكذبة الكبرى

“وعد بلفور” المشؤوم كان الكذبة الكبرى وقد صدقها الصهاينة، حيث شكل بداية لنقل اليهود من شتى أقطار الأرض إلى فلسطين، بمساعدة الانتداب البريطاني، الذي بدأ فعليًا بمواجهة التحرك الشعبي الفلسطيني ضد مخطط احتلال أرضهم في عام 1936، واندلعت ثورة شعبية، سرعان ما سحقتها القوة البريطانية، بعد سنتين من انطلاقها.

استمر بعد ذلك تنفيذ المخطط الأكبر، وفي الـ29 من نوفمبر/تشرين الثاني 1947 أقرت الأمم المتحدة خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية. شكل اليهود حينها ثلث السكان في فلسطين، أغلبيتهم قدموا من أوروبا خلال السنوات القليلة التي سبقت قرار التقسيم على واستولوا على الأراضي الفلسطينية، كان اليهود يسيطرون على مساحة لا تتعدى 6% فقط من فلسطين التاريخية، إلا أن الخطة المقترحة من قبل الأمم المتحدة خصصت لهم 55% من المساحة، أي أكثر من الفلسطينيين السكان الأصليين.

بطبيعة الحال رفض الفلسطينيون والعرب الخطة المقترحة بعدم التفريط بفلسطين التاريخية والكلمة المشهورة عند العرب “فلسطين كاملة”، بينما وافقت عليها الحركة الصهيونية، كمبدأ، إلا أن أطماعها بالاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطيني استمرت. فعشرات المدن والقرى الفلسطينية تم طرد سكانها منها بالقوة، فقد تم تهجير سكان نحو 20 مدينة و400 قرية فلسطينية، وإحلال اليهود مكانهم، وذلك بعد المجازر التي قتلت نحو 10 آلاف فلسطيني. وفي الـ14 من مايو/أيار 1948 قرر البريطانيون إنهاء انتدابهم لفلسطين، وفي اليوم نفسه أعلن رئيس الوكالة الصهيونية ديفد بن غوريون “إقامة الكيان العبري (إسرائيل)”. وفي اليوم التالي 15 أيار/مايو، أعلن الفلسطينيون يوم نكبتهم، وتأكيدا على ذلك ما تم توثيقه في الكتاب ذاته لأربع سرقات كبيرة وهي:

السرقة الأولى: الاستيلاء المباشر على الأراضي التي امتلكها الفلسطينيون، واستخدام “الأمن القومي” كذريعة للقفز من نسبة 10% من “الملكية اليهودية المشروعة” إلى 85% من السيطرة اليهودية على الأراضي، بغض النظر عن الوقائع القانونية. وبالطبع، هذه سرقة تعادل ما سرقته القوى الاستعمارية من الشعوب الأصلية في الأمريكيتين وإفريقيا. وما يجعل هذه السرقة فريدة من نوعها هو ديمومتها وتركزها في الشرق الأوسط.

السرقة الثانية: الاستيلاء على النقب يشكل حالة خاصة وموثقة ببراعة في الكتاب، فقد جرى إقصاء 90% من الفلسطينيين القاطنين في تلك المنطقة، وتحويلهم إلى لاجئين.

السرقة الثالثة: يمثل الاستيلاء على الجليل حالة خاصة، وموثقة باقتدار في الكتاب. وفي سياق مناقشة السرقتين الثانية والثالثة، يوضح المؤلف أن “الهندسة الثقافية” هو مصطلح حديث للإبادة الجماعية؛ فقد جرى ذبح الفلسطينيين عمومًا، والبدو خصوصًا، من أجل إنشاء الدولة اليهودية.

السرقة الرابعة: سرقة المياه من الفلسطينيين والأردنيين، من أجل ما أسموه “معجزة الصحراء””. هنالك خطوط أنبوبية طويلة جدًا تنتهك السيادة الأردنية وتستنزف طبقات المياه الجوفية الأردنية.

فمن أجل تحقيق أهدافهم، عمل الصهاينة على تخفيض عدد السكان الفلسطينيين ابتداء من عام 1947، وإلى هذه اللحظة، عبر وسائل القمع كافة التي نراها اليوم.

وأضيف الخامسة لم يجرِ مناقشتها في هذا الكتاب وهي سرقة القدس عاصمة فلسطين وجعلها عاصمة للاحتلال بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب.

صحيح أن الكذب والسرقات التي وثقها كتاب المؤلف الأمريكي غاري فيلدز، موجودة في العقيدة الصهيونية ونجحوا في تطبيقها واحتلال فلسطين وانشاء كيانهم الغاصب، لكن الخيانة الكبرى استمرت مرفوعة فوق رؤوس كل العرب في أثناء تعاملهم مع كارثة الاستيطان الصهيوني في فلسطين كمدخل للقضاء على الأمة العربية كلها وفرض الهيمنة الصهيونية عليها. تم وضع قواعد الخيانة العربية عام 1948 وتم تتويج البناء عام 2017 بإعلان القدس عاصمة لـ(إسرائيل)، وما بين التاريخين كان الحكام العرب يشيّدون طوابق الهزيمة والانهيار بهمّة وخيانة غير مسبوقتين تحت حماية النخاسين الصهاينة ليكذبوا عليهم مرة تلو المرة بأنهم حلفاء وأصدقاء ودعاة سلام وما شابه ذلك من تلميع وصولا للتطبيع وتصفية القضية الفلسطينية برمتها.

المصدر: صحيفة فلسطين

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى