في منهج الإصلاح

بعد الحديث في الرسالة السابقة عن دواعي الإصلاح تأتي هذه الرسالة لتفصيل القول في المنهج المطلوب للمراجعة، خاصة أننا أمام نص استثنائي له خصوصيته الشرعية ومبني على المرجعية الإسلامية، لذلك يكتسي منهج الإصلاح أهمية كبرى لا يمكن تجاوزها، وقد أشار الخطاب الملكي لعيد العرش الأخير لبعض المقتضيات المنهجية حين قال:” أن مدونة الأسرة، ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها. فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال… وبصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية.

ومن هنا، نحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.”

وعليه ينبغي التأكيد على المحددات المنهجية التالية:

  • المقاربة المرجعية الإسلامية:

وهي مقاربة تحتكم للشرع وثوابته وتراعي المتغيرات وتحولات الواقع ومستجداته، وقد سنت الشريعة الإسلامية أحكاما عديدة لتنظيم الأسرة وحفظ الأنساب واستقرار المجتمع، كما أكد الخطاب الملكي هذا المنطلق المنهجي الهام، فمسائل الأسرة فيها الثابت القطعي الذي لا اجتهاد فيه، وفيه المتغير المتحول الذي يخضع لمتغيرات الواقع وعادات الناس وأحوالهم، وهو ما يلزم اعتماد آلية الاجتهاد وأدواته وقواعده من أهله.

وقد فتحت المدونة الحالية هذا الباب في المادة 400 التي نصت على أن “ما لم يرد به نص في هذه المدونة يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف”.

  • المقاربة المؤسساتية:

أي النظر المنهجي الشامل لمؤسسة الأسرة وليس لأفرادها، والمقصود بذلك تغليب المقاربة المؤسساتية الجماعية التي تعلي من قيم التراحم والتكامل على المقاربة التجزيئية التي تذكي قيم النزاع والصراع، فالمدونة كما جاء في الخطاب “ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها. فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال”

وينسجم هذا التوجه مع ما جاء في الفصل 32  الدستور الذي نص على أن ” الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع. تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها.”

  • المقاربة التشاركية:

والمقصود بها إشراك وانخراط كافة الفاعلين ومختلف الحساسيات الوطنية، وفي مقدمتهم العلماء والفقهاء والخبراء، كل في مجال اختصاصه، بما يسهم في بناء رؤية متكاملة لمؤسسة الأسرة، ويحقق استقراراها وأداء وظائفها. ومن شأن هذه المقاربة النأي بهذا النص عن كل استفراد أو إقصاء لذوي الاختصاص الشرعي والعلمي.

  • المقاربة الإصلاحية الشاملة:

وهي مقاربة تَتَّبِعُ المشاكل الحقيقية للأسرة المغربية المسلمة، وليس المتوهمة أو المستوردة التي فُرضت فرضا تبعا لأجندات خارجية لا علاقة لها بإكراهات الأسر المغربية…، كما أن مراجعة المدونة ينبغي ان تتعزز بنفس إصلاحي يحقق الحماية المنصوص عليها في الفصل 32 من الدستور، من خلال تيسير انعقاد الزواج ومساطره الإدارية، وتفعيل مساطر الصلح والوساطة لحل المشاكل الأسرية وتعزيز القيم البانية والحامية للأسرة.

إن احترام هذه المقتضيات المنهجية يعتبر شرطا ضروريا لنجاح المراجعة المنشودة لمدونة الأسرة، ويجعلها منسجمة مع الثوابت الجامعة للمغاربة وخادمة للأسرة المغربية ومنصفة لكل مكوناتها ومعززة لتماسكها وأدوارها التربوية والاجتماعية؛ مما يسهم في استقرار المجتمع ورفعته، ويجنبه من مخاطر التفكك وآثاره الوخيمة.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى