المعلم الفنان – الزهرة الكرش

طلبت منه لوحة للوطن فرسم اطفالا في قسمهم يتحلقون حول معلمهم، تفاجأت فقلت له: هل هذا هو الوطن؟ كيف تختصره في قسم؟ فابتسم ورد علي قائلا: ” ايه، إنه الوطن هؤلاء بالصورة هم عماده، أطفال إن صاحبتهم براءتهم الى الكبر عرفوا كيف يحبون الوطن ويحولون حلمه حقيقة ويعيشون له وبه.

أطفال اليوم هم شباب الغد وسواعد بناء صرح الوطن ومن يتوسطهم هو الفنان الحقيقي الذي يرسم وينقش ويخط بكلماته وحكمته وعلمه معالم المستقبل، مستقبل الوطن.

فالمعلم واحد من أهم ركائز المجتمع ودعاماته الأساسية وبدونه لا معنى لكلمة الإنسان التي تبني الأوطان، المعلم حارس همام على يديه يتربى نشء هو في قادم الأيام صانع حضارة، المعلم من يخط معالمها ويرسم حدودها ويكتب سطورها وبدونه تكون اللوحة مشوهة والرسمة لا معنى لها، هو إنسان يسخر نفسه لخير مهمة وأشرف رسالة إن أداها حقها كانت سببا في دخوله الجنة فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: ذُكِرَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رجُلانِ؛ أحدهما عابدٌ، والآخَرُ عالِمٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: «فضلُ العالمِ على العابدِ كفضلي على أدناكم ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةَ في جُحرِها وحتَّى الحوتَ ليصلُّونَ على معلِّمِ النَّاسِ الخيرَ»” رواه الترمذي.

شردت لبعض الوقت لعلي كنت أنصت في صمتي لصدى كلماته في داخلي، لعلي كنت أتذكر ابنتي وهي عائدة من المدرسة تبكي ظلما لحقها من معلمها ولم أجد كلمات حينها أبرر لها بها تصرفه لكني الآن وجدتني أمام معلم حقيقي فلن أفوت الفرصة سأسأله فحتما لديه الجواب رفعت رأسي وسألته : ” سيدي الحكيم، واسمحلي أن أناديك بهذا اللقب، فعلا علمتني ما كنت أغفل عنه فالوطن ليس دورا بادية ولا عمارات عالية ولا افتراشا للنمارق أو مبالغة في الزخارف وإنما الوطن إنسان يبني إنسانا وعالم ينشر علما وطبيب يداوي سقما ومهندس يبني مجدا وفلاح يحرث ويزرع ليحصد ثمرا وغيرهم كثير وكل هذا صانعه معلم في قسم، غير أني أعجز عن التفسير حين أجد من المعلمين من لا يقدر هذا الدور الكبير فهل الخلل فيه ام في الجيل؟ ” ابتسم ابتسامته المعهودة، طبعا ابتسامة حكيم وقال لي :” ابنتي الحبيبة في كل مرة تفتحين رمانة جميلة المنظر، طيبة الطعم قد تجدين بين حباتها واحدة فاسدة ولكن ذلك لن يغير من واقع الأمر شيئا فيبقى الرمان فاكهة محبوبة من الجميع والكل يتذكر طعمها البديع وينسى أنه يوما رأى بها ما يعيب، واعلمي بنيتي أن المعلم إنسان، إن أخطأ مرة فله العذر وإن كان يلام ولكن حسبه أن يحمل قلبا صادقا وبالحب عامرا وعلى أداء الرسالة عازما ليكفر عن أي زلة قد نراها في حقه أو عيب قد نلصقه به” استطردت قائلة:” معك حق سيدي فالمعلم بالنهاية ليس ملاكا، قد يخطئ مرة ولكن هذا لا ينقص من قدره ولا يعطينا الحق في التقليل من شأنه أو من دوره ورسالته، ولكني أطالب وربما سيشاطرني الكثير أننا نحتاج ممن يدير أن يختار لهذه المهنة من يستحق ويقدر أنه على ثغر عظيم وعلى مستقبل الوطن أمين”.

” نعم يا ابنتي فهذا هو المطلوب وإلا سترسم اللوحة مشوهة المعالم لأن من رسمها حامل ريشة وألوان وليس بفنان”

قلت له:” من اليوم سأنحني إجلالا لهذا الرسام الذي بريشته تبنى الأوطان وعلى يديه تصقل الأجيال وبكلماته تكتب حضارة الإنسان فتحية لك معلمي ولكل فنان”.

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى