محمد يتيم يكتب: المسار الخطي والمسار اللولبي للإصلاح

من الأفكار المتميزة التي تبلورت لدى عدد من فلاسفة القرن العشرين وخاصة البنيويون ( ستروس. التويسير) نقد فكرة ” التقدم ” أو بالأحرى المسار الخطي للتقدم، وهي الفكرة التي تبلورت مع فلاسفة الأنوار وصولا إلى هيكل وكارل ماركس،  علما أنه رغم قول هذا الأخير بالطابع التقدمي للتاريخ ونوعا ما تبنى فكرة  نهاية التاريخ من خلال نظرية المادية التاريخية التي تكلمت عن المراحل الخمس ( المرحلة المشاعية. مرحلة العبودية . المرحلة الإقطاعية.  المرحلة الرأسمالية البورجوازية . المرحلة الشيوعية التي تتم فيها العودة إلى مشاعية امتلاك وسائل الإنتاج وتوزيع الثروة مشاعيا ) فقد زواج بين  مفهوم التقدم والتطور الخطي مفهوم التطور اللولبي.

والواقع أن مفهوم التطور اللولبي هو أقرب ما يكون لمفهوم الإصلاح كما جاء في القرآن الكريم،
هذا الإصلاح من جهة هو إصلاح قدر الاستطاعة لقول الله تعالى” إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله “. فالعمل الإصلاحي ليس من الضروري أن يقاس بالنتائج، بل بإقامة الحجة وإبراء الذمة أي القيام بالواجب المقدور عليه ولو لم تظهر آثاره في المدى القريب. ودليل ذلك أن دعوات الأنبياء لم تكلل كلها بإقناع الأمم الذين جاءت إليهم بدعوة إصلاحية لقول الله تعالى ” وكأي من نبيء قتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا”، علما أن جهود العمل الإصلاحي لا تذهب سدى، وأن نتائج العمل الإصلاحي لابد أن تظهر ولو إلى حين، وقد يكون إيقاف تدهور الأوضاع نحو ما هو أسوأ هو إصلاح في حد ذاته.

والمسألة الثالثة؛ هي أنه  لا يوجد عمل إصلاحي خالص، فمن اختار خيار الإصلاح من خلال مدخل المشاركة في مجتمعه ومؤسساته لا بد من أن يتحمل بعض مفاسد المشاركة وأن يصبر على أذاها ، وينبغي أن يكون واعيا أن أمورا هي في حاجة إلى إصلاح، لكن مراعاة المآلات قد تدعوه إلى تركها لأن الأمور بمقاصدها  من قبيل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى إعادة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم لولا أن قومه كانوا حديثي عهد بشرك، وأنهم سيقولون هدم محمد البيت، فترك ما رآه واجبا مخافة ان تترتب عليه مفاسد أعظم.

والرابعة انه من الممكن أن تكون الشروط العامة في المجتمع غير مساعدة على تحقيق الإصلاح أو المحافظة على مكتسباته، فيكون من الأولى إعمال قاعدة دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح ، فقد تتغول القوى المناهضة الإصلاح نتيجة لشروط ذاتية او موضوعية خارجة عن سيطرة المصلحين ( الثورة المضادةـ التآمر الخارجي ، في التاريخ حركة الردة في الجزيرة العربية . اغتيال عمر ومقتل عثمان وعلي …  والقائمة طويلة ). وبذلك يظهر أن خط الإصلاح في تراجع،  والواقع أنه يستجمع شروط إنجاز عمل الإصلاح أو انه يكتفي بترصيد مكتسبات سابقة أو تحصين ما يمكن تحصبنه منها .

وهذا الذي نقول، كما أنه ينطبق على حركة المجتمع فإنه ينطبق على حالة الأفراد، فعلى المستوى الفردي تبقى هناك معركة متواصلة بين نوازع الخير ونوازع الشر، والعبرة بالخواتيم وأن يغلب خير الإنسان على شره والله سبحانه قد وضع الميزان، وخلاص الإنسان بغلبة كفة الخير على الشر للقول الله تعالى ” فمن يعمل خيرا يره ومن يعمل شرا يره”.

والعبرة بالمسار العام إذ كما يقول الحديث النبوي الشريف : ” إن لكل عمل شرة(توهج ) ولكل عمل فترة( فتور ) فمن كانت شرته وفترته إلى سنتي فقد اهتدى”. والشاهد عندنا أن السنة ينبغي أن تكون مؤطرة لحالة الإقبال وحالة الإدبار.

وفي مجال العمل الإصلاحي، العبرة بالخط العام لمنحنى الإصلاح وهل هو في تقدم عموما على الرغم من الانكسارات والتراجعات. فمن وجد أن المنحنى عموما هو منحنى إيجابي فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ومعناه المراجعة والقيام بالنقد الذاتي.

إن مفهوم الطابع اللولبي في مسار الإصلاح من المفاهيم المفتاحية في تسديد منهج التفكير ومناهج العمل، وهو عاصم من الافراط أو التفريط.. فتأمل.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى