المدرسة والتحول الرقمي  – خالد الصمدي

وصلني عبر نشرة خاصة خبر يفيد أن شركة غوغل  تضع اللمسات النهائية لإطلاق برنامجها الدراسي الإشهادي العالمي الرقمي الذي يمكن الآباء والأمهات من اختيار مسار أبنائهم الدراسي ومدة الدراسة التي تناسبهم من مقر إقامتهم من الخطوة الأولى في التمدرس إلى التخرج، مع خضوعهم المنتظم للتقييم عن بعد دون أن يحرموا من حقهم في التواصل الافتراضي مع جماعة الأقران من خلال برامج عمل مشتركة لتطوير مهاراتهم الاجتماعية والتواصلية، يتوج ذلك بالحصول على شهادات معترف بها من المدارس والجامعات التي تعمل بالنمط الحضوري التقليدي.

وفي هذا الإطار، تفيد العديد من المؤشرات ذات الصلة بالتحولات التي أحدثتها التكنولوجيات الرقمية  على حياة الإنسان المعاصر أن النموذج التقليدي للمدرسة دخل في طور  الأفول في أفق الأمد المنظور،  بعد أن أصبح إصلاحه من الداخل مكلفا جدا بالمقارنة مع المردودية المنتظرة منه في المستقبل.

العرض التربوي الرقمي الذي سيعرف توسعا تدريجيا سيمكن من خلخلة وتجاوز الزمن الدراسي التقليدي في اتجاه الاختزال وحسن الاستثمار، وسيضمن خيارات متعددة لزمن التعلم تراعي الفروق الفردية للمتعلمين مما سيمكن من إنصاف الموهوبين، وتمكين باقي المتعلمين من اختيار مسارهم الدراسي وتكييف نظام الدراسة مع حاجتهم وإمكاناتهم وقدراتهم دون ضغط إلا من الرغبة الذاتية في التعلم ومقدار الجهود التي يعبؤها كل متعلم على حدة. وأنها من المتوقع أن تحقق مستويات متقدمة من الإنصاف وتكافؤ الفرص شريطة الولوج المنصف والعادل للجميع إليها، خاصة في المناطق النائية وذات الخصاص، ومناطق النزاعات وتلك التي تعيش حالة الطوارئ الأمنية او الاقتصادية أو الصحية.    لذلك من المتوقع أن توجه الدول الاعتمادات المالية المخصصة للتعليم أكثر فأكثر إلى الاستثمار في الولوج المنصف إلى التكنولوجيات الحديثة، وإنتاج الموارد التعليمية الرقمية ضمانا لحق الجميع في الولوج المنصف والجيد للتعليم عن بعد.

وعلى المستوى القانوني والتشريعي يتوقع أن ينتهي بالتدريج زمن المذكرات والمراسيم التنظيمية وسيتم الاقتصار على القوانين الناظمة التي ستتوجه أكثر فأكثر إلى الإرساء التدريجي لهذا النموذج الجديد للتعلم، كما سيتم التركيز بيداغوجيا على تقييم المهارات والقدرات المنهجية المؤهلة للحياة أكثر من المعلومات والمعطيات، وسيتم التركيز على أنماط وشبكات ومؤشرات التقييم، وأنظمة الإشهاد والتصديق على الكفاءات، ومعادلة الشهادات وحركية التكوينات، مع ظهور وتطور التكوين البينمؤسساتي.

إن تكوين الأستاذ الرقمي أصبح خيار المستقبل والذي سيغطي حاجيات أكبر عدد ممكن من المتعلمين، خاصة مع الارتفاع المضطرد لعدد المتعلمين، وستختفي مهن إدارية وبيداغوحية كثيرة، وستعوض بمهن التدبير والتواصل والتأطير والتقييم الرقمي، والتطوير والمواكبة والتتبع والجودة، وستختفي بالتدريج مصطلحات النقل المدرسي والداخليات والأحياء الجامعية والمدرجات وستعوضها مختبرات إنتاج الموارد الرقمية، وآليات التدبير الرقمي، وستختفي الشعب والتخصصات التقليدية المعروفة في جامعاتنا وتظهر عوضها أسماء ذات الصلة بالكفاءات المنهجية الأفقية المندمجة القادرة على  تمكين الخريجين من التكيف السريع مع تحولات سوق الشغل.

ستولي الجامعات أهمية أكثر فأكثر للعلوم الإنسانية والاجتماعية، شريطة أن تركز على رصد التحولات المجتمعية ومراقبة التطورات واقتراح استراتيجيات التطوير، مع تضييق هامش التنظير، فمهن المستقبل لن تتطلب بالضرورة التنقل الى أماكن العمل، يمكن لمهندس أو أي إطار أن يمارس عمله في أمريكا من المغرب، ويمكنه أن يمارس أكثر من مهنة في وقت واحد، كما يمكنه أن يمارس مهنا متعددة خلال مساره المهني الافتراضي، الذي قد يصل إلى 40 سنة، مع اختفاء شيء اسمه سن التقاعد الذي سيصبح قرارا شخصيا وخيارات فردية.

إنها تحولات تحث تقارير المنظمات الدولية على ضرورة التفكير الجدي فيها والاستعداد لها بالموازاة مع التدبير الاعتيادي للنموذج التقليدي، فالعالم دخل منذ بداية عصر الانترنيت بالتدريج إلى التعليم الهجين ( حضوري وعن بعد )، والذي ليس سوى علامة  فارقة على أفول النموذج التقليدي للمدرسة  وبزوغ فجر النموذج الجديد. فهل تأخذ الدول النامية حذرها واستعداداتها حتى تتكيف مع هذه التحولات. أم ستغرق في التدبير اليومي لمنظوماتها التربوية بعيدا عن أي تفكير استراتيجي؟

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى