اللغة العربية.. مبادرات وتطلعات ومعاكسة مقصودة

تعد العربية لغة رسمية إلى جانب اللغة الأمازيغية بنص الدستور، غير أنهما تشكوان من إهمال على مستوى الإدارة والتعليم والاقتصاد وبعض مناحي الحياة، حيث تعلا عليهما اللغة الفرنسية رغم تراجعها العالمي بشهادة رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون في مؤتمر الفرنكفونية المنعقد قريبا بتونس.

وتعتبر اللغة العربية إحدى اللغات الرسمية للأمم المتحدة منذ صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 18 ديسمبر 1973. واعتمدت اليونسكو اليوم العالمي للغة العربية عام 2012 للاحتفال بهذه اللغة سنويا، إذ يتكلم بها يوميا ما يزيد على 450 مليون نسمة من سكان المعمورة ويتعاطف معها المسلمون.

وتم تحرير 243 أطروحة جامعية في الطب باللغة العربية  منذ تأسيس أول كلية للطب بالمغرب إلى غاية منتصف 2021، حسب دراسة نشرتها الطبيبة إلهام السملالي الحسيني في المجلة الصحية المغربية بعنوان “حصيلة الأطروحات الطبية المغربية باللغة العربية” في شتنبر 2021.

وبهذه اللغة، فاز الروائي والناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو بجائزة الملك فيصل للغة العربية والأدب دورة 2023 عن عمله “السرد العربي القديم والنظريات الحديثة”. ويعد كيليطو أكاديميا متخصصا في الأدبين العربي والفرنسي، وهو من أبرز النقاد المغاربة في المنطقتين العربية والفرنكفونية.

وبفضل اللغة العربية، فاز بجائزة كتارا للرواية العربية ثلاثة مغاربة هم سعيد يقطين عن دراسة (السرديات التطبيقية.. قراءات في سردية الرواية العربية) وسعيد الفلاق عن دراسة (السرديات من النظرية البنيوية إلى المقاربة الثقافية) وعبد المجيد نوسي عن دراسة (النص المركب: دراسة في أنساق النص الروائي العربي المعاصر).

جحود مقصود

ورغم كون اللغة العربية من اللغات السامية القديمة وامتدادها من العالم العربي إلى العالم الإسلامي،مازالت تواجه مظاهر الجحود، ومن ذلك استمرار قطاعات في استعمال اللغة الفرنسية وتهميش اللغتين العربية والأمازيغية. 

ومازالت عدة مؤسسات بنكية وتجارية تواصل اعتماد العقود التي تبرمها مع المواطنين باللغة الفرنسية، كما أن وزارة التربية الوطنية لازالت ماضية في تكريس الفرنسية بمبرر التعدد اللغوي، وفي هذا الإطار نظمت مباراة وطنية لانتقاء أجود جريدة مدرسية رقمية باللغة الفرنسية، وغيبت العربية في مباراة ولوج مسالك الإجازة التربية- تخصصي اللغة الفرنسية والإنجليزية، مع فرض الفرنسية في تخصص اللغة العربية.

كل هذا وغيره دفع شخصيات وهيئات إلى انتقاد الوضع، وفي هذا السياق انتقد الروائي محمد الأشعري الحصار المضروب على اللغة العربية في المغرب. وقال في لقاء أدبي نظمته المديرية الجهوية للثقافة بجهة الشرق، بوجدة مساء السبت 24 دجنبر 2022 إنه يراهن على الأدب للحفاظ على اللغة العربية.

ودعا الوزير السابق إلى تضمين المناهج الدراسية قصائد لشعراء مغاربة وعرب، في استحضار للتنوع الهوياتي المغربي. ورأى  رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية فؤاد بوعلي، أن استعمال اللغة الأجنبية في المعاملات المالية هو مخالفة للدستور والنصوص القانونية التي يفرض منطوقها الاستعمال الإجباري للغة الرسمية في التعامل مع المواطنين.

كما اعتبر الأكاديمي وكاتب الدولة السابق خالد الصمدي أن كتابة اللغة العربية بالحرف اللاتيني لا مبرر له من الناحية التواصلية، ولا يُفهم إلا في سياق السعي إلى تعويد عين المغاربة على قراءة اللغة العربية  بحرف لا صلة لها ولا لهم به، في أفق التطبيع مع ذلك.

وأضاف الصمدي في تدوينة له أن أمر كتابة اللغة العربية بالحرف اللاتيني “لم يكن في يوم من الأيام محط نقاش أو تداول سواء على المستوى الرسمي أو المدني، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام على إصرار بعض الشركات الأجنبية العاملة بالمغرب والفرنسية منها على وجه الخصوص على كتابة  الكلمات العربية بالحرف اللاتيني في إعلاناتها الموجهة إلى زبنائها المغاربة”. 

تطلعات شعبية

ويتطلع المغاربة إلى احترام لغاتهم الوطنية والتمكين لها، وفي هذا الصدد كشفت دراسة وطنية ميدانية للمركز البرلماني للأبحاث والدراسات التابع لمجلس النواب عن تفضيل الأغلبية الساحقة من المغاربة استعمال اللغات الوطنية في مخاطبة الإدارة على اللغات الأجنبية.

وعلى مستوى الإعلام، أشارت الدراسة الوطنية الميدانية حول “القيم وتفعيلها المؤسسي: تغيرات وانتظارات لدى المغاربة” أن 39 بالمائة من المغاربة المستجوبين اختاروا اللغة العربية على رأس اللغات التي يريدون زيادة استعمالها خلال المستقبل القريب في الإعلام السمعي البصري.

كما يتطلع المغاربة إلى تفعيل أكاديمية محمد السادس للغة العربية، إلى جانب المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وذلك تفعيلا لمقتضيات الدستور.

لغة حية متمددة

في الوقت الذي كشفت فيه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) عن انقراض مئات اللغات واللهجات، استطاعت اللغة العربية الامتداد والانتشار، وهكذا نجد أنها تعد اللغة العربية اللغة الأسرع نموا في عدة دول بما فيها الغربية.

وتمكنت اللغة العربية من أن تصبح الثامنة من بين اللغات التي تحظى بالاهتمام في تدريسها في المدارس والجامعات الأميركية وفقا لبيانات التعداد الرسمي. ويوجد حوالى 26 ألف طالب في المدارس العامة من رياض الأطفال وحتى الصف الثالث الثانوي. و31500 طالب جامعي يدرسون اللغة العربية.

وقامت الجامعات الأميركية في أعقاب هجمات 11 شتنبر 2001، بشكل سريع بزيادة دورات اللغة العربية لتلبية طلب الطلاب، وحسب ما نقله موقع “شار أمريكا” ارتفع عدد الطلاب الجامعيين الأميركيين المسجلين في مسارات اللغة العربية من 5505 في العام 1998 إلى 35083 في العام 2009.

وعلى مستوى الجهود المصطلحية التي تحفظ للغات تجددها، أدخل مكتب تنسيق التعريب في الرباط مصطلحات جديدة في مجالات تقنية وطبية مثل المصطلح المتداول “الأنترنيت” بحيث توصل المكتب لمصطلح عربي بسيط وهو “الشابكة” أي الشبكة التي تجمع عدة أشخاص، ومصطلح “تكنولوجيا” باعتماد مصطلح “تقانة”.

وكشف مكتب تنسيق التعريب كذلك عن إطلاق تسعة عشر مجلدا جديدا من المعجم التاريخي للغة العربية، وتغطي أربعة حروف هي الحاء والخاء والدال والذال، ليصبح العدد الإجمالي للحروف التي تم تحريرها تسعة أحرف من الهمزة إلى الذال ويرتفع عدد المجلدات المنجزة 36 مجلدا.

مبادرات متنوعة

وتسعى عدة مبادرات وطنية وأخرى إقليمة وعالمية إلى تطوير اللغة العربية، وفي هذا الشأن دعا المؤتمر الثاني للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) حول اللغة العربية في دورة تونس إلى إنشاء منظمة عالمية للغة العربية على غرار المنظمة الدولية للفرنكوفونية.

وطالب المشاركون في المؤتمر في بيان أصدرته الألكسو بضرورة “تنمية اللغة العربية عبر تعميم استخدامها واستعمالها وإتقان حوسبتها وتوظيف الذكاء الاصطناعي والإنتاج الرقمي من أجل تنميتها”.

من جهتها، أعلنت جامعة الدول العربية أمس الأحد أنها أعدت الخطة التنفيذية للاستراتيجية العربية للنهوض باللغة العربية تنفيذا لقرار وزراء الثقافة العرب الذي صدر في عام 2018، موضحة إن الاستراتيجية تستهدف النهوض باللغة العربية تحت شعار “التمكين للغة العربية رمز هويتنا وأداء تنميتها”.

ودعت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة إلى العمل على إدماج التكنولوجيا في تعليم اللغة العربية، ورصد الجوائز القيمة في مجال الترجمة والترجمة الفورية المتصلتين بأعمال المنظمات الدولية، وتأهيل الدبلوماسيين لغويا.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى