الغارديان: حرب ممنهجة لطمس تاريخ المساجد وتدميرها في الهند
سلّطت جريدة “الغارديان” البريطانية الضوء على تقرير نشرته صحيفة “أوبزيرفر” عن هجمات المتطرفين القوميين الهندوس على مساجد المسلمين، ومحاولتهم إعادة كتابة تاريخ الهند. وتطرقت الجريدة إلى مسجد شمسي جماعة الذي ظل قائما منذ 800 سنة، ويعد من أقدم أماكن العبادة للمسلمين في الهند تؤكده ذلك سجلات قانونية تعود إلى عام 1856 منذ أن بناه الملك المسلم شمس الدين إلطتميش عام 1223.
وحاول محاميان عبر عريضة قضائية، نيابة عن مزارع هندوسي بدعم من الحزب الهندوسي المتطرف “أكيل بهرات مهاسبها” طمس تاريخ المسجد والدعوة لتدميره، وزعما أن مسجد شمس الدين ليس مسجدا في الحقيقة، ولكن “بناية غير قانونية”، أقيمت على معبد هندوسي في القرن العاشر يعود للإلهة شيفا. وأن الهندوس الملاك الحقيقيون للمكان.
ولم يتفق المحاميان المتشاجران على الحقائق التاريخية، وزعم أحدهما أن المعبد الأصلي دمره حاكم مسلم طاغ، والآخر أن زهرة اللوتس مرسومة في داخل قبة المسجد كما لم يتفقا على التاريخ الحقيقي لبداية استخدام المسلمين المسجد للصلاة. فيما توعد الذين يقفون وراء الدعوى أن هذه البداية و”لدينا قائمة بـ 3.000 مسجد قررنا استعادتها” كما يقول سانجاي هاريانا، المتحدث باسم الحزب المتطرف.
وعند السماح للصحيفة بدخول المسجد، لم تشاهد الموتيف الهندوسي، بل آيات قرآنية مكتوبة. ولم تكن هناك أدلة عن “غرفة مغلقة مليئة بالتماثيل الهندوسية” في داخل المسجد، وهو ما زعم في بي سينغ مشاهدتها في السبعينيات من القرن الماضي. والغرفة المعنية هي غرفة خزين، وضعت فيها مواد التنظيف وسجادات الصلاة.
ويقول المسلمون الهنود البالغ عددهم أكثر من 200 مليون نسمة؛ إنهم يتعرضون منذ وصول الحزب القومي الهندوسي المتطرف بهارتيا جاناتا (بي جي بي) للاضطهاد والعنف والتمييز المدعوم من الدولة. وبحسب أجندة القوميين الهندوس التي يطلقون عليها “هندوفتا” (القومية الهندوسية)، الهادفة لجعل الهند بلدا للهندوس وليس بلدا علمانيا، فقد تم استهداف المسلمين المدنيين والناشطين والصحفيين، وتمت مقاطعة المتاجر المسلمة، ونشر قادة “بي جي بي” الخطاب المعادي للمسلمين. وأصبحت المساجد وسط مشاريع واسعة للحزب، وتهدف لإعادة كتابة تاريخ الهند بناء على أيديولوجية هندوفتا.
وأصبحت الرواية الرسمية التي تبناها الحزب، وبدعم من المؤرخين والمناهج الدراسية، تقوم على أن الأمة الهندوسية القديمة تعرضت لمئات من السنين للاضطهاد من قبل الغزاة المسلمين القساة، وبخاصة الإمبراطورية المغولية التي حكمت ما بين القرن السادس عشر والتاسع عشر، وأصبحت مزاعم تدمير المعابد لبناء المساجد أساسية لهذه الرواية. وفي مايو زعم مسؤول بارز في حزب “بي جي بي”، أن المغول دمروا 36.000 معبد هندوسي، وسيعيدون استرداد هذه المعابد “واحدا بعد الآخر”.
ووجد المؤرخون الهنود في المقابل الذين ناقضوا هذه الرؤية عن التاريخ أو من تحدثوا علنا ضدها، أنفسهم على الهامش وعوقبوا بالطرد من المؤسسات الحكومية والمراكز الأكاديمية التي تعتمد في تمويلها على الدولة.
وكان رضائي واحدا من قلة تجرأت على الحديث عندما اتصلت به “أوبزيرفر”، أما البقية فقد تعللوا بالخوف على وظائفهم وأمنهم. ولم يفلت المؤرخون الأجانب من الملاحقة، فقد واجهت المؤرخة المتخصصة بجنوب آسيا أودري تراتشيك تهديدات بالقتل من قبل المتطرفين الهندوس بسبب عملها وأبحاثها حول الدولة المغولية. وشبه رضائي ملاحقة المؤرخين والباحثين ومحاولة إسكاتهم، باستهداف الأكاديميين في ألمانيا النازية.
ومع زيادة الزخم للانتقام واستعادة التاريخ الهندوسي من قبل الجماعات الهندوسية المتطرفة، فقد تم تقديم عدد من العرائض ضد المساجد في أنحاء البلاد. ورغم وجود قانون يحمي أماكن العبادة والخلاف عليها في مرحلة ما بعد 1947 إلا أن القضاة يسمحون بها. ولم يفلت تاج محل الذي بناه امبراطور مغولي ليكون قبرا لزوجته من التقاضي، وأنه بني على معبد هندوسي وفيه غرفة مغلقة وضعت فيها التماثيل والتحف الهندوسية.
وزادت الحالات بعد قرار المحكمة العليا عام 2019 لتمكين الهندوس من مسجد بابري في أيوديا بأوتار براديش، الذي يعود للقرن السادس عشر، وبعدما زعم الهندوس أنه مكان ميلاد الإله رام. وفي عام 1992 قام “الرعاع” الهندوس بتدمير المسجد، وهو ما يخشى الكثيرون من تكراره مرة أخرى.
وتُتهم الجماعات الهندوسية المتطرفة بالسعي إلى إزالة المساجد، واعتدى المتطرفون الهندوس على مسجد في مدينة غيرغوان، فيما تدفقت الحشود في ولاية كارناتاكا على مدرسة ووضعت تمثالا فيها وأدت الصلاة. وفي ماثورا بأوتار براديش، يواجه مسجد شاهي إدغان الذي بناه الامبراطوري المغولي أورانغزيب عام 1670، 12 دعوى قضائية تزعم أنه مكان مولد الإله كريشنا وبني على بقايا معبد هندوسي. ويقاوم المسلمون الدعاوى. وفي مدينة “تفاخر” رغم أنها تعتبر مكانا للانسجام الاجتماعي، انضم الهندوس لمعارضة الدعاوى. ويواصل المسلمون الصلاة فيه خمس مرات في اليوم، لكنه محاط بالحواجز والأسلاك الشائكة والشرطة مثل السجن.
وأصبح الوضع أكثر سخونة عندما زعم محامون عن الجانب الهندوسي في مايو، أنهم “عثروا” على قطعة دينية للإله شيفا داخل المسجد. ويقول القيم على المسجد منذ أكثر من 30 عاما سيد محمد ياسين؛ إن كل المزاعم الهندوسية بوجود تحف وتماثيل وصلوات “لا تصدق” و”غير صحيحة على الإطلاق”، و”لم يصل الهندوس فيه داخل المسجد في تاريخه الذي مضى عليه 350 عاما”.
مواقع إعلامية