مصطفى الجراري يكتب: أي بني
أي بني: اِعلم، هداك الله ووفقك إلى خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، أنك لما بلغت طور الاحتلامِ الذي هو حد التَّكْلِيف والعقلِ للوعْظ والتِّبيانِ للرشد، لزمني أَن أقدم إلَيْك وصيتي وَأُظْهر إلَيْك نصيحتي، مقتفيا خطى سلفنا الصالح الذي كانت سنتُه النصيحةَ للأهل والولد.. وفي ذلك رسائلُ مؤلفةٌ نثرا ونظما..
فأقول وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه سبحانه:ِاعلم بُنيَّ، أَن لَا أحد أنصحُ مني لَك وَلَا أشْفقُ مني عَلَيْك،وَأَنه لَيْسَ على الأَرْض من تطيبُ نَفسِي أَن يُفَضَّلَ عليَّ غيرُك، وَلَا أن يكون أرفع حَالا مني فِي أَمرَيْ الدّين وَالدُّنْيَا سواك؛ لذا، فأَقلُّ ما يُوجب ذَلِك عَلَيْك، أَن تصيخَ إِلَى قولي وتتعظَ بوعظي وتتفهمَ إرشادي وتعقِل نُصحي.
وَأول مَا أوصيك بِهِ، مَا أوصى بِهِ إِبْرَاهِيمُ بنيه، وَيَعْقُوبُ {يَا بَنِيَّ إِن الله اصْطفى لكم الدّين فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ} الْبَقَرَة 132، وأنهاك عَمَّا نهى عَنهُ لُقْمَان ابنَه وَهُوَ يعظه {يَا بني لَا تشرك بِاللَّه إِن الشّرك لظلم عَظِيم} لُقْمَان 13
وأؤكِّد عَلَيْك فِي ذَلِك وصيتي، وأكررها حرصا على أن تتعلق وتتمسك بِهَذَا الدّين، الَّذِي تفضَّل الله تَعَالَى علينا بِهِ، فَلَا يَسْتزِلُّك عَنهُ شَيء من حطام الدنيَا، فَإِنَّهُ لَا ينفع خير بعده الخلود فِي النَّار، وَلَا يضر شر بعده الخلود فِي الْجنَّة {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا فَلَنْ يقبل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين} آل عمرَان 85.
كما أوصيك بالتَّمَسُّك بِالْكتاب وَالسّنة، فقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:”تركت فِيكُم مَا إِن تمسكتم بِهِ لن تضلوا بعدِي، كتاب الله تَعَالَى وسنتي عضَّوا عَلَيْهَا بالنواجذ”.
وأَشْرِب قلبك محبَّة أَصْحَابه أَجْمَعِينَ، وتفضيلَ الْأَئِمَّة مِنْهُم الطاهرين، أبي بكر وعمر وَعُثْمَان وَعليٍّ رَضِي الله عَنْهُم، ونفعنا بمحبتهم. وألزِم نفسك حُسن التَّأْوِيل لما شجر بَينهم، واهجُر من يذمهم أو يسبهم، فقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:”لَا تسبوا أَصْحَابِي فو الذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أنْفق أحدُكُم مثلَ أُحُد ذَهَبا مَا بلغ مُدَّ أحدهم وَلَا نَصيفَه”.
ثمَّ تَفْضِيلَ التَّابِعين وَمن بعدهمْ من الْأَئِمَّة وَالْعُلَمَاءِ رَحِمهم الله، والتعظيمَ لحقهم والاقتداءَ بهم وَالْأَخْذَ بهديهم والاقتفاءَ لآثارهم.
وإياك والعونَ على سفك دم بِكَلِمَة أَو الْمُشَاركَةَ فِيهِ بِلَفْظَة، فَلَا يزَال الْإِنْسَان فِي فسحة من دينه مَا لم يغمس يَده أَو لِسَانه فِي دم امرئ مُسلم،قَالَ الله تَعَالَى: {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا وَغَضب الله عَلَيْهِ ولعنه وَأعدَّ لَهُ عذَابا عَظِيما} الْبَقَرَة 93.
وأقمِ الصَّلَاة، فَإِنَّهَا عَمُود الدّين وعمادُ الشَّرِيعَة وآكدُ فَرَائض الإسلام،فارْعَ طَهَارَتهَا وراقبْ أَوْقَاتهَا وأتمِمْ قرَاءَتهَا وأكملْ ركوعَها وسجودَها واستدِمِ الْخُشُوع فِيهَا وأقبلْ عَلَيْهَا فِي المساجد مع الجماعات، فَإِن ذَلِك شعارُ الْمُؤمنِينَ وسَنَنُ الصَّالِحين وسبيلُ الْمُتَّقِينَ.
واعلم، أنك إِنَّمَا تصل إِلَى أَدَاء فرَائِض الدّين والإتيان بِمَا لزمك مِنْهَا، مَعَ توفيق الله لَك،بِالْعلمِ الَّذِي هُوَ أصل الْخَيْر، وَبِه يُتوصل إِلَى الْبِر، فعليك بِطَلَبِهِ فَإِنَّهُ غنى لطالبه وَعزٌّ لحامله، وبِهِ تجُتنب الشُّبُهَات وتَصِح القربات، فكم مِنْ عَامل يُبعده عملُه من ربه، ويُكْتب مَا يَتَقرَّب بِهِ من أكبر ذَنبه، قَالَ الله تَعَالَى:{قل هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الحيوة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا} الْكَهْف 103 104. وَقَالَ تَعَالَى:{قل هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ إِنَّمَا يتَذَكَّر أولُوا الألباب} الزمر 9. وَقَالَ تعالى:{إنَّمَا يخْشَى الله من عباده العلماء} فاطر 28. وَقَالَ تَعَالَى:{يرفع الله الَّذين ءامنوا مِنْكُم وَالَّذين أُوتُوا الْعلم درجات} المجادلة 11.
فاجتهد فِي طلبه واستعذب التَّعَب فِي حفظه والسهرَ فِي درسه وَالنّصَبَ الطَّوِيل فِي جمعه.
وأفضل الْعُلُوم علمُ الشَّرِيعَة وَأفضل ذَلِك لمن وفْقه الله، حفظ الْقُرْآن وحَدِيثِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمعرفةُ صَحِيحه من سقيمه.
وعليك بِالصّدقِ فَإِنَّهُ زَيْن وإياك وَالْكذب فَإِنَّهُ شَيْن، وَمن عُرف بِالصّدقِ فَهُوَ نَاطِق مَحْمُود، وَمن شُهِرَ بالْكَذِبِ فَهُوَ سَاكِت مهجور مَذْمُوم، وَأَقل عقوبات الْكذَّاب أَلا يُقبل صدقه وَلَا يتَحَقَّقَ حَقُه، وَمَا وصف الله تَعَالَى أحدا بِالْكَذِبِ إِلَّا ذامّا لَهُ، وَلَا وصف سبحانه أحدا بِالصّدقِ إِلَّا مادحا لَهُ.
وإياك ثم إياك أن تقرَب الزِّنَى، فاجْتنَابه من أَخْلَاق الْفُضَلَاء ومواقعتُه عَار فِي الدُّنْيَا وَعَذَاب فِي الْأُخْرَى، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تقربُوا الزِّنَى إِنَّه كَانَ فَاحِشَة وساء سَبِيلا} الْإِسْرَاء 32
والحذر الحذر من شرب الْخمر فَإِنَّهَا أم الْكَبَائِر والمُجَرِّئة على المآثم، وَقد حرمهَا الله تَعَالَى فِي كِتَابه الْعَزِيز، فَقَالَ عز من قَائِل: {إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} الْمَائِدَة 91. وحسبك بِشيء يذهب الْعقل وَيُفْسد اللب، وَقد تَركهَا قوم فِي الْجَاهِلِيَّة مروءةً، فإياك ومقاربتَها والتدنسَ برجسها، فقد وصفهَا الله تَعَالَى بذلك، وقرنها بالأنصاب والأزلام فَقَالَ عز من قَائِل:{إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون} الْمَائِدَة 90.فَبين تَعَالَى أنها من عمل الشيطَان ووصفها بالرجس وَقرن الْفَلاح باجتنابها.
وإياك وفوائدَ البنوك فهي الربا الحرام، كما قال علماؤنا، فَإِن الله تَعَالَى قد نهى عَنهُ وتوعد بمحاربة من لم يتب مِنْهُ، فَقَالَ عز من قَائِل:”يأيها الَّذين ءامنوا اتَّقوا الله وذروا مَا بقى من الربا إِن كُنْتُم مُؤمنين فَإِن لم تَفعلُوا فأذنوا بِحَرب من الله وَرَسُوله”الْبَقَرَة 278، 279 وقال تعالى:”يمحق الله الربا ويربى الصَّدقَات” الْبَقَرَة 276
ولا تسمع لمن يتمسحون بلباس العلماء مُدَّعين أن هذه “الفوائد” لا بأس بها! فهم كما ورد في الأثر، شرُّ من تحت أديم السماء.. وإياك والأغاني والموسيقى فَإِنهما ينْبتان الْفِتْنَة فِي الْقلب ويولدان خواطر السوء فِي النَّفس.
ذ. مصطفى الجراري
-*-*-*-*-*-*-*-
مقالات الرأي لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع الإصلاح