وأساتذة يرسل لهم التلاميذ من الشكر رسائل – الحبيب عكي

ولعل ما استرعاني هذه السنة بمناسبة اليوم العالمي للمدرس 05 أكتوبر 2019، وبعيدا عن احتفالاتها الرسمية الباردة التي لم تستطع رغم بهرجتها رفع ولو بعض الصمت والتجهم عن وجه الأستاذ فبالأحرى بعض المعاناة، ما استرعاني هي بعض المنشورات في الفايسبوك، كان ورائها بعض قدامى التلاميذ من مختلف المؤسسات العتيدة بالمدينة على مختلف مستوياتها، يطلب فيها الناشرون إرسال رسالة شكر أو بطاقة تهنئة إلى أحد الأساتذة الذين أثروا في حياتهم الدراسية وكان لهم الفضل في نضج شخصيتهم وتحسن مستواهم الدراسي بل وربما حصولهم اليوم على منصبهم المهني وما يتمتعون به من النجاح في حياتهم العامة، وفعلا كان التفاعل مع المنشور قويا وتمخضت عنه لائحة بأسماء العديد من الأساتذة الفضلاء، لا أدري كيف كنت ضمنهم و- لا فخر- بل ضمن الأوائل منهم والمجمع بشأنهم، هذا وقد ذكر أصحاب رسائل الشكر من التلاميذ أسماء الأساتذة الذين شكروهم ولماذا كانوا يستحقون شكرهم والتفاتتهم الصادقة والإنسانية هذه، وهم الذين لم يقطعوا في الحقيقة صلتهم بهم ولا زياراتهم لهم حتى بعد مغادرتهم مؤسساتهم وفصولهم الدراسية.

والمثير في لائحة الأساتذة المؤثرين في التلاميذ وحياتهم الدراسية بل وفعاليتهم المجتمعية هو عموما:

1 – أنهم يغطون مختلف المستويات الدراسية وعلى امتدادها، الابتدائي والإعدادي والثانوي.

2 – أنهم من جميع الحساسيات الفكرية والسياسية، وعلى الخصوص الإسلامية واليســارية.

3 – أنهم رساليون في المجتمع من نشطاء الجمعيات والنقابات والأحزاب الوطنية لا الإدارية.

4 – أنهم فعلا أكفاء ومتمكنون من تخصصات موادهم الدراسية، ولهم أساليب تدريسية وتواصلية حية وفعالة.

5 – أنهم يجمعون بين التدريس والتوعية الفكرية وهموم التربية والإصلاح والأنشطة الموازية الفنية والرياضية..

6 – أنهم ظلوا مناضلين حقيقيين، ولم يستسلموا لكل الظروف المزرية التي عرفتها وتعرفها الساحة التعليمية وكلها تدعو إلى اليأس والانسحاب.

7 – أنهم كانوا يضحون بأوقاتهم وينفقون منها بسخاء كما كانوا ينفقون من أموالهم الخاصة لتوفير بعض النقص من الوسائل التربوية وتزيين الحجرات الدراسية وتجهيزها بل وحتى المساعدة المادية لبعض الحالات الاجتماعية من التلاميذ دون من ولا صدقة.

8 – أنهم متواصلون ومتعاونون بقدر كبير مع الزملاء، ولم يكونوا يعنفون التلاميذ ولا يتلقون منهم العنف، بل حتى الإدارة لماما ما قد يدخلونها فيما قد يتعرضون له من المشاكل، بل كثيرا ما تستفيد الإدارة من خبرتهم وسمعتهم لحل بعض معضلاتها والاحتجاجات ضدها.

9 – أنهم في الغالب قدوات سلوكية، لم يثبت عنهم أي تمييز بين التلاميذ من حيث الاهتمام أو التنقيط أو المحاسبة، أو أي استغلال لأي تلميذ أو تلميذة بما لا يليق من الناحية الأخلاقية أو حتى الاستقطاب الحركي أو الحزبي إلا ما كان عن رضا وقناعة.

10 – لا يبخلون عن الدعم النفسي للتلاميذ وتصحيح المفاهيم والتصورات ومعالجة الحالات اللاتربوية داخل الفصول وخلال الأنشطة، كما أنهم كانوا متعففين يبتعدون في الغالب عن استغلال التلاميذ في الساعات الإضافية للدعم والتقوية.

وأتذكر أحد الأساتذة في تلك اللائحة المكرمة من طرف التلاميذ و كيف تخرج على يديه العشرات والمئات من التلاميذ وأصبحوا اليوم طاقات خلاقة في الفنون والأداء لما كان يمارس معهم من أنشطة موازية إبداعية ساحرة، وأحد الأساتذة توجه بفضله العشرات والمئات من التلاميذ إلى التوجهات العلمية والمنطقية فأصبحوا اليوم أطباء ومهندسين ومحامين وفلاسفة، لما كان يتقن معهم من كثرة التجارب الشيقة والسلسة والتي علمتهم عمق السؤال وأهمية البحث، وأحد الأساتذة وكيف توجه بفضله العشرات والمئات إلى عشق اللغة الانجليزية وإتقانها بل وإدماجها في  حياتهم المهنية إلى درجة أن العديد منهم قد احترف مهنها في السفارات والسياحة والإعلام بل وهاجر بعضهم للعمل والاستقرار في بعض الدول الأنجلوساكسونية، وأحد الأساتذة في السلك الابتدائي وكيف أنقد بفضل الله العشرات من التلاميذ والتلميذات في العالم القروي، وقد كانوا مهددين بتوقف مسارهم الدراسي رغم نبوغهم، لا لشيء إلا لدواعي مادية أو وثائقية أو فقط عادات وتوجسات اجتماعية كادوا أن يصبحوا لها ضحايا، ولكن الله ألطف والآن أصبحوا موظفين مرموقين وناجحين أعتقوا أنفسهم وأسرهم بل أحيائهم ووطنهم.

وأستاذ وأستاذة..، ممن لم تستهويهم يوما متاهات المقاهي والملاهي، ولا فراغ القيل والقال حول الزيادات والاقتطاعات، والإضرابات وصراع النقابات، رساليين وعصاميين تكونوا من مالهم الخاص في كل ما كانوا يحتاجون ولم تكونهم فيه الوزارة، وتملكوا العديد من البيداغوجيات ومن التقنيات والتكنولوجيات..، سمعتهم الطيبة شائعة ومكانتهم الرائدة محفوظة، عليهم يتهافت التلاميذ وبهم يوصي لأبنائهم الآباء، مرض وغياب الواحد منهم خسارة ويأسه وتقاعده ألف خسارة وخسارة، هم من يبقون للتعليم ما تبقى له من الشرف، ومثلهم رغم نضالهم على العديد من الواجهات، من يزيل حسابات الوزارة الضيقة من أدمغتهم حتى لا تفلسها، اكتظاظ الأقسام في عهد قانون الإطار، فرنسة المناهج ضدا على الجميع، واقتطاعات من الأجور الهزيلة في اليوم العالمي للأستاذ، وتدبير مفلس من الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد إلى الذين فرض عليهم التقاعد..

فتحية لهم ولتلاميذهم الذين أبقوا للمدرس والمدرسة بعض المعنى وبعض المبنى، هنيئا لهم الصفاء والعطاء، وهنيئا لهم التكريم والاعتراف والوفاء والسخاء، في وقت قد تتقاعد فيه هذه الطيور وتغادر أوكارها بعد عقود وعقود من وجع التربية والتغريد وآثاره على النفس والصحة، دون حتى كلمة شكر من أحد أو شهادة تقدير أحسنت هذه الطيور أو أساءت، لم تكن تجد طوال مسارها المبدع وصياحها المضني حتى كلمة أو شهادة فبالأحرى وبالأحرى، ولكن هنيئا لهم بتلاميذهم وفلذات أكبادهم الذين يحتفظون لهم ببعض الذكرى.. ذكرى المودة والوفاء والأستاذية والعطاء.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى