الصبر عند الشدائد

البلاء سنَّة الله الجارية في خلقه؛ فهناك من يُبتلى بنقمة أو مرض أو ضيق في الرزق أو حتى بنعمة .. فقد قضى الله عزَّ وجلَّ على كل إنسان نصيبه من البلاء؛ قال تعالى {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 2,3]، فمنهم من سيفهم حكمة الله تعالى في ابتلاءه، فيهون عليه الأمر، ومنهم من سيجزع ويتسخَّط، فيزداد الأمر سوءًا عليه ..

وضرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مثلاً معبراً للمؤمن في هذه الحياة، فقال: «مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأَرزِ لا تهتز حتى تُستحصد»، لقد اختلطت جذور الزرع في الأرض وتماسكت فالريح ـ وإن أمالته ـ لا تطرحه ولا تكسره ولا تسقطه. وكذلك المؤمن فإنّ المصائب وإن آلمته وأحزنته فإنها لا يمكن أن تهزمه أو تنال من إيمانه شيئاً ذلك أنّ إيمانه بالله عاصمُه من ذلك.

وهذه الدنيا مليئة بالحوادث والفواجع، والأمراض والقواصم فبينما الإنسان يسعد بقرب عزيز أو حبيب إذا هو يفجع ويفاجأ بخبر وفاته، وبينما الإنسان في صحة وعافية وسلامة وسعة رزق إذا هو يُفجع ويفاجأ بمرض يكدر حياته ويقضي على آماله، أو بضياع مال أو وظيفة تذهب معه طموحاته، وتفسد مخططاته ورغباته.

وقد أمرنا الله بالصبر، وجعله من أسباب العون والمعيّة الإلهية، فقال – سبحانه – : {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]، ثم أخبر مؤكِّداً أنّ الحياة محل الابتلاء بالخوف والجوع ونقص الأرزاق والأموال والأنفس والثمرات، وأطلق البشرى للصابرين، وأخبر عن حالهم عند المصائب، وأثبت جزاءهم فقال: {وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ, مِّنَ الـخَوفِ وَالـجُوعِ وَنَقصٍ, مِّنَ الأَموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إذَا أَصَابَتهُم مٌّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإنَّا إلَيهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيهِم صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الـمُهتَدُونَ} [البقرة: 155 – 157].

فالصبر سبب بقاء العزيمة، ودوام البذل والعمل، وما فات لأحد كمال إلا لضعف في قدرته على الصبر والاحتمال، وبمفتاح عزيمة الصبر تُعالج مغاليق الأمور، وأفضل العُدَّة الصبر على الشدَّة.

واعلم إنك لن تتحصل على الصبر إلا بالتدريب .. قال رسول الله “من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر” [متفق عليه] .. وعلى قدر استعدادك، يكن صبرك على المشاكل والابتلاءات التي تعتريك في الطريق ..

والصبر يكون بمعرفة الحكمة من البـــلاء، فالله سبحانه وتعالى يبتلي ليُهذب لا ليُعذب، فعليك أن تفهم لماذا يبتليك الله تعالى، عن النبي قال “ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه” [متفق عليه] ..

ويكون بتذكَّر أحوال الأشد منك بلاء، فمن يرى بلاء غيره، يهون عليه بلائه، فعلى المسلم أن يهيِّئ نفسه للمصائب قبل وقوعها، وأن يدربها عليها قبل حدوثها، وأن يعمل على صلاح شؤونها لأن الصبر عزيز ونفيس، وكل أمر عزيز يحتاج إلى دربة عليه.

وبتلقي البلاء بالرضا بقضـاء الله وقدره، وهذا من أعظم ما يعين العبد على المصيبة، قال تعالى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22]

وبعدم الجزع وعدم الرضا، فالتحسر على المفقود لا يأتي به، كان يحيي بن معاذ يقول “يا ابن آدم، ما لك تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت؟!، وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت؟!” استحضار سعة رحمة الله، وواسع فضله:

المؤمن الصادق في إيمانه يُحسِن ظنَّه بربه، وقد قال الله كما أخبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «أنا عند ظن عبدي بي»، فثقوا بسعة رحمة الله بكم، وأنّ أقداره خير في حقيقة أمرها، وإن كانت في ظاهرها مصائبَ مكروهةً وموجعةً، وقد قال الله: {وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَّكُم وَعَسَى أَن تُحِبٌّوا شَيئًا وَهُوَ شَرُّ لَّكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ} [البقرة: 216]، وقال رسوله – صلى الله عليه وسلم -: «عجباً للمؤمن لا يقضي الله له شيئاً إلا كان خيراً له! »

وبمعرفة طبيعة الدنيا وأنها دار عناء، فالدنيـا بمثابة القنطرة التي تعبر بها إلى الدار الآخرة، فلا تحزن على ما فاتك فيها ..

وبمعرفة ثواب الصبر العظيم وحينها يهون عليك كل بــلاء، قال تعالى {.. إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] ..

وباستحضار سعة رحمة الله، وواسع فضله، فالمؤمن الصادق في إيمانه يحسِن ظنه بربه، وقد قال الله كما أخبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «أنا عند ظن عبدي بي»، فثقوا بسعة رحمة الله بكم، وأنّ أقداره خير في حقيقة أمرها، وإن كانت في ظاهرها مصائبَ مكروهةً وموجعةً، وقد قال الله: “وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَّكُم وَعَسَى أَن تُحِبٌّوا شَيئًا وَهُوَ شَرُّ لَّكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ”.

الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى