ورقة بحثية تسلط الضوء على أعطاب نظام التغطية الصحية بالمغرب
كشفت دراسة حديثة عن جملة من الفجوات التي ستقف أمام فعالية الحق في العلاج وإجراءات التغطية الصحية الشاملة في المغرب، من بينها الإقصاء في الاستهداف عبر استثناء بعض الفئات من الحق في الضمان لا إراديا عبر تصنيفهم خارج العتبة. وذلك يتعارض مع منظور الحماية الصحية كحق من حقوق الإنسان. بدل ضمانته اللامشروطة للفئات المعوزة أو الهشة.
وسعت الورقة -التي أعدها الأستاذ الباحث في علم الاجتماع عبد الهادي الحلحولي- بعنوان “التغطية الصحية الشاملة بالمغرب: من الحق في العلاج إلى اللامساواة في الصحة”، إلى تحليل نظام الحماية الاجتماعية في المغرب بمجمله، مع التركيز على ركنه الأساسي المتعلق بالتدخل السياساتي في مجال توسيع التغطية الصحية الإجبارية لتشمل الفئات الهشّة والمِعوَزة.
وأظهرت الدراسة عدم فعالية ربط الاستفادة من الرعاية الصحية بنظام الاستهداف الاجتماعي، خصوصاً بسبب هشاشة معايير الاختيار، وضبابية وضع العاملين في القطاع غير الرسمي، والانتشار الواسع للبطالة، واتساع وعاء المهمشين. وبالتالي يمكن لنظام الاستهداف الاجتماعي في المغرب أن يساعد على الحد من عدم المساواة من خلال توفير دعم أكبر للأسر المحرومة، لكنه قد يُنتِجٍ استبعادا أخر، كحذف المستفيدين المؤهلين، أو إنتاج وصم جديد للمجموعات المستهدفة عبر نشر لوائح المستفيدين.
كما سجلت الدراسة التي نشرتها المؤسسة البحثية “مبادرة الإصلاح العربي” إلى وجود ضبابية في كيفية تمويل التغطية الصحية الشاملة، تعود إلى كون الدولة المتكفل الرئيسي بأداء مساهمات فئات واسعة من المستهدفين. وفي المقابل هناك صعوبة استدامة اشتراك بقية الفئات في أداء واجبات الانخراط بسبب هشاشة وضعها الاجتماعي والمهني. أو بسبب رفضها الانخراط في ضمان اجتماعي «للدولة». مفضلة ضماناً آخر. لدى الوكالات الخاصة على سبيل المثال لا الحصر.
ولاحظت الورقة البحثية غياب الرعاية الصحية للأمهات العاملات في القطاع غير الرسمي على الرغم من كونهنّ الأكثر عدداً في المغرب، ومحدودية التصور المقدم للأشخاص ذوي الإعاقات في مجال الرعاية الصحية، خصوصا في ظلّ غياب تجانس هذه الشريحة الاجتماعية، بسبب تعدّد خصوصياتها الجسدية. وبالتالي. تعدّد حاجاتها إزاء نظام الرعاية الصحية. إضافة إلى استبعاد المهاجرين واللاجئين كليا ما يتعارض أيضا مع المقاربة الحقوقية.
ونبه صاحب الدراسة إلى أن الفجوة الرقمية حالت دون وصول العديد من المستهدفين والمعوزين إلى الرعاية الصحيةـ إذ تزداد هذه الفجوة أمام كبار السن منهم، والمعزولين جغرافيا في حين لم يطرح ورش التغطية الصحية الإجبارية أي بدائل أو ضمانات تسهم في استفادتهم من الدعم ومن الرعاية الصحية، فضلا عن الصعوبات الإدارية، والمساطر المحددة للتسجيل والاستفادة.
واستحضرت الدراسة بزوغ ملامح سياق تدخل سياساتي مختلف للدولة تجاه مسألة الضمان الاجتماعي داخل السياق المجتمعي، عبر محاولة مأسسته خصوصا لصالح الفئات غير المؤمنة، مما أنتج دينامية من الفعل الاجتماعي سواء من قبل الفاعل الرسمي أو حتى داخل أوساط الفئات غير المؤمنة من التجار الصغار والفلاحين والمعوزين والفقراء. وباتت تجد فئة من المستهدفين سبيلها إلى العلاجات أو الخدمات الصحية وطلب التعويض عن الضرر، أو تكاليف العلاج من صناديق الاحتياط الاجتماعي.
وجاء في الورقة البحثية أنه “بقدر ما يكشف هذا المشروع عن طموحات هامة في مجال المساعدة، وتقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، أمام الحق في العلاج والحماية من المخاطر الصحية، بقدر ما تتجلى بعض مراميه التقنية، ولبس مكوناته من ناحية (تهم الاستهداف والتضريب)، وحجم الصعوبات والعوائق البنيوية التي تقف أمامه، فضلاً عن اللامساواة واللاعدالة الصحية التي سيكرسها من جهةٍ ثانية. وعليه، تصبح استدامة الحماية من المخاطر الصحيّة موضع تساؤل”.
يذكر أن ورش التغطية الصحية الشاملة يسعى إلى ضمان الحق في العلاج، والوقاية من المخاطر الصحية لأكثر من 22 مليون مستفيد إضافي من التأمين الإجباري على المرض. وذلك بعد إصدار المغرب، في 23 مارس 2021، ظهيراً ملكياً في هذا الشأن برقم 1.21.30 لتنفيذ القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية، والمُستند بدوره أولا إلى أحكام الفصل 31 من الدستور المغربي الذي ينص على الحق في الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، وثانيا إلى التشريعات الدولية حول الموضوع نفسه، ومستحضرا أهداف التنمية المستدامة 2030 التي انخرط فيها المغرب، وتحديدا الهدف الثالث المتعلّق بالصحة والرفاه.