هذه مضامين تعديلات حركة التوحيد والإصلاح المقترحة على بنود مدونة الأسرة
قدمت حركة التوحيد والإصلاح في مذكرتها التي سلمتها للهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة مقترحات لتعديل بعض بنود المدونة، همَّت أربع قضايا رئيسية؛ تيسير الزواج وبناء أسرة مستقرة، وتعزيز تماسك الأسرة وتفعيل آليات ومساطر الصلح والوساطة الأسرية، ومسائل النسب والبنوة وحفظ مصلحة الطفل، ومسائل الإرث وحفظ مصالح الأطراف الضعيفة، ونبسطها على الشكل التالي:
1. تيسير الزواج وبناء أسرة مستقرة:
من خلال تبسيط مساطره الإدارية وإجراءات انعقاده وحسن توثيقه، وكذا السعي لتدقيق وترشيد الزواج قبل سن الأهلية القانونية، وسماع دعوى الزوجية، وتعديد الزوجات، وتدبير الأموال المكتسبة.
أ- الشروط الإدارية لعقد الزواج:
نعتبر التوثيق الرسمي لعقد الزواج من واجبات العصر، لأنه يحقق الأمن والاستقرار الأسري ويمنع الغَرَر والخداع، ويغلق بابا من أبواب الاختلاف والتنازع. ولذلك ترى الحركة ضرورة قيام الدولة بكل الإجراءات المشروعة والكفيلة باعتماده، مع إزالة بعض الصعوبات التي تعترض هذا التوثيق بتبسيط الشروط الإدارية وعدم إلزام استصدار إذن توثيقه بالنسبة للراشدين والاكتفاء بالتوثيق العدلي، مع الإبقاء على ذات الإذن في حالات محدودة مثل زواج التعدد والزواج المختلط، وزواج من هو دون سن الأهلية أو المصابين بإعاقة ذهنية.
وفي هذه الحالات نقترح تسهيل الحصول على الإذن بتوثيق الزواج بوضع منصة رقمية آمنة من طرف الوزارة الوصية، يتم من خلالها القيام بالإجراءات اللازمة.
ب- زواج الأفراد قبل سن الأهلية القانونية:
ننطلق من أن الرشد يُسهم في الاستقرار الأسري، وأن تحصين الشباب وإبعادهم عن الرذيلة مما دعت له الشريعة وحثت عليه. وهو ما يقتضي التأكيد على أن الأصل هو اعتماد سن الرشد القانوني ( 18 سنة )، مع الإبقاء على إمكانية الإذن بزواج من اقترب (ت) من سن أهلية للزواج والتي يكون الزواج فيها مصلحة واقعة وراجحة، يقدرها القضاء المختص مع الأولياء الشرعيين، مع التنصيص على إلزامية الجمع بين البحث الاجتماعي والخبرة الطبية، ويمكن اعتماد خمس عشرة سنة كحد أدنى لإمكانية إعطاء الإذن.
ج- الإبقاء على سماع دعوى الزوجية.
نرى تجويد المادة 16 حول إمكانية سماع دعوى ثبوت الزوجية لا إلغاءها، ونقترح فرض غرامة مالية على من يثبت تماطله في توثيق زواجه دون سبب استثنائي وجيه. إن إلغاء المادة 16 قد يسهم في مفاسد متعددة منها ما يضر بالمتزوجين وحقوقهم، وأشدها ما يلحق الأطفال من أضرار وهدر لحقوقهم، علما أن الشريعة الإسلامية تسعى إلى تصحيح أنكحة الناس بأقل شبهة، حفظا للأنساب والأعراض وتضييقا لدائرة السفاح والفساد، وارتقاء بالعلاقة إلى دائرة المشروعية والمسؤولية.
د- تعديد (تعدد) الزوجات
ترى الحركة الإبقاء على إباحته بالنظر لورود نص قطعي من كتاب الله عز وجل يبيحه، ولما يحققه عند إعماله بضوابطه من مصلحة للمرأة والأسرة. وتسعى المذكرة إلى ضبط مسطرته، وتخفيف بعض قيوده التي قد تسبب العنت للأفراد، وتدفع إلى ممارسة التعدد غير الموثق الذي يضر بالأسرة والمجتمع.
ه- تدبير الأموال المكتسبة:
ترى الحركة أن المادة التاسعة والأربعون من مدونة الأسرة تفي بمقصد حفظ الذمة المالية للزوجة وللزوج، وقد صيغت بطريقة دقيقة جعلت الذمة المالية لكل واحد منهما مستقلة عن ذمة الآخر، ونبهت الزوجين إلى إمكانية إقامة عقد مستقل عن عقد الزواج يتم بموجبه الاتفاق على كيفية تدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية. ولكنها تحتاج إلى مزيد ضبط خاصة فيما يتعلق بوسائل الإثبات، عندما لا يكون هناك اتفاق بين الزوجين وتدعو الحاجة لتقدير وتقييم ما قدمه كل واحد منهما من مجهودات وما تَحمَّله من أعباء لتنمية أموال الأسرة.
2. تعزيز تماسك الأسرة وتفعيل آليات ومساطر الصلح والوساطة الأسرية.
من أجل تضييق دائرة حل ميثاق الزوجية، والبحث عن السبل الكفيلة بتحقيق التماسك الأسري؛ تدعو الحركة إلى مأسسة الصلح والوساطة الأسرية، ومراجعة بعض أحكام ومساطر الطلاق والتطليق بسبب الشقاق.
أ- مأسسة الصلح والوساطة الأسرية:
نقترح اعتماد مؤسسة مؤهلة يصدر قانون بتنظيمها وتكوينها، وتتولى مهمة القيام بمساعي الصلح والوساطة الأسرية. وتتمثل مهمة هذه المؤسسة في النظر في جل طلبات حل ميثاق الزوجية ومحاولة حلها عن طريق الصلح، وعند العجز تحيلها مع محضر على أنظار المحكمة.
ب- مراجعة بعض أحكام مساطر الطلاق:
نرى ضرورة التخفيف من إجراءات الطلاق عند تَعيّنه، والسعي لتوحيد مسطرته مع إجراءات التطليق للشقاق، ووضع ضوابط حفظ حقوق الأطراف. ومن ذلك توسيع أجل وضع المستحقات قبل طي الملف واعتبار الزوج متراجعا، لأن ذلك لا يحقق الاستقرار ولا السكينة.
ج- مراجعة بعض أحكام التطليق بسبب الشقاق:
بالدعوة إلى ضبط مفهوم الشقاق وتدقيق مسطرته لئلا يصبح وسيلة في هدم الأسرة، ومن جهة أخرى بحسن تنزيله وتحويل مسطرته حسب المتسبب فيه إلى ما يناسبه من خلع أو طلاق رجعي. كما نسعى إلى حذف ما يحيل إلى الفتح التلقائي لمسطرة الشقاق في بعض المواد.
3. مسائل النسب والبنوة وحفظ مصلحة الطفل:
حرصت الشريعة الإسلامية على حفظ النشء، ولأجل ذلك رغبت في الزواج وجعلته المؤسسة الطبيعية لرعاية الأبناء وحسن تربيتهم. ومن جهة أخرى حرمت الزنا والسفاح ورتبت عليه عقوبات زجرية بسبب إضراره بمقصد حفظ الأسرة والنشء، واعتبرت الطفل المولود من زنا بريئا من زلة والديه، وله حق الرعاية والكفالة من طرف المجتمع.
ونؤكد أن النسب لحمة شرعية بين الأب وابنه، وله تعلق بمسائل متعددة في مدونة الأسرة، وأنه سدا لذريعة الفساد وزيادة عدد أبناء الزنا، ينبغي تضييق دائرة إعمال الخبرة في إمكانية إعطاء النسب إلى أبعد الحدود بما يتوافق مع مواد المدونة من حيث أسباب ثبوت النسب، كما نقترح تحميل الزاني جزءا من مسؤولية جبر الضرر اللاحق بالمجتمع. دون إلحاق ابن الزنا بنسب أبيه.
4. مسائل الإرث وحفظ مصالح الأطراف الضعيفة:
أ- أحكام الإرث مصدرها العليم الحكيم.
نظام الإرث في الإسلام مصدره العليم الحكيم وهو جزء من نظام الأسرة بأحكامها المتعددة، وكل تدخل فيه بالتغيير قد يؤثر على أحكام أخرى. والحركة لا ترى مانعا من النظر في بعض أحكام الإرث الخلافية في إطار المرجعية الإسلامية بما يحقق العدل، ويحفظ الحقوق، لكنها تؤكد أنه لا يجوز التطاول على أحكامه القطعية.
وإن النظر الشرعي يتيح خيارات تروم إيجاد حلول لبعض الحالات الاستثنائية المرتبطة بالتعصيب، من قبيل حالة شخص له زوجة وبنات صغيرات وليس له ولد ذكر، وقدّر أن ما يُخلّفه لا يفي بحوائجهم عند اقتسام تركته.
ب- بعض خيارات حفظ مصالح الأطراف الضعيفة داخل الأسرة.
حماية لبعض هذه الحالات يمكن اعتماد خيارات كثيرة موجودة شرعا، ومنصوص على بعضها في أحكام مدونة الأسرة ومدونة الحقوق العينية. وهي تحتاج فقط إلى حملات علمية وإعلامية تُعرّف بها بين عموم المواطنين من مثل:
الخيار الأول: الهبة للبنات وللزوجة في الحياة : فمن مصادر التملك في الفقه الإسلامي المال الناشئ عن قبول الهبة. وهي مشروعة للأقارب وغيرهم، وقد تتأكد بالنسبة لمن هم في أمس الحاجة إليها من مثل الأبناء الصغار، ومن عندهم احتياجات خاصة (إعاقات)، أو الزوجة التي يخشى تشردها بعد الوفاة.
الخيار الثاني: العُمرى: وهي تعني أن يهب الإنسان الانتفاع ببعض ما يملك من عقار (سكن رئيسي مثلا) لفرد معين كالبنت أو الزوجة على أن يحتفظ الواهب بملكية الرقبة، ولن ينازع المنتفعَ أحدٌ في الانتفاع طيلة حياته المحددة في العقد. (المادتان 105 و106 من مدونة الحقوق العينية المغربية).
الخيار الثالث: حق الانتفاع: وهو حق من الحقوق العينية الأصلية المتفرعة عن حق الملكية، أي “حق عيني يخول للمنتفع استعمال عقار على ملك الغير واستغلاله وتنقضي مدته لزوما بموت المنتفع”. فيمكن مثلا لمن ليس له ولد ذكر وله بنت أو بنات؛ يمكنه نقل حق الرقبة إلى بناته والاحتفاظ لنفسه بحق الانتفاع من هذا العقار، انتفاعا ينتهي بوفاته ولا إرث فيه. (المادة 79 إلى 104من مدونة الحقوق العينية).
الخيار الرابع: تأجيل اقتسام السكن الرئيسي إلى ما بعد بلوغ البنات واستغنائهن بالكسب: من خلال إسناد الأمر إلى نظر القضاء في وضعية الأبناء والزوجة والطرف العاصب عندما يكون المال الذي تركه الهالك هو السكن الرئيسي للزوجة والأبناء الصغار، وقد يؤجل اقتسام ذلك إلى ما بعد بلوغ الصغار واستغنائهم عن الكسب، إعمالا لمصلحة حفظ أفراد الأسرة الضعاف كالصغار والزوجة استئناسا بقوله تعالى: (ولْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) [النساء: 9].