كيف نستقبل شهر رمضان؟ – نورالدين قربال
كل واحد منا يردد ما يلي” اللهم بلغنا رمضان”. إن هناك رغبة ملحة في استقبال هذا الضيف الكريم لما يحمله من دلالات. ففيه الصيام والإفطار والقيام والإحسان وقراءة القرآن. والمنطلق الأول هو تحرير النية من كل الشوائب والشعور بأننا في عبادة متميزة لا تعرف الكسل والعطالة، بل الاجتهاد في البذل والعطاء لأنه موسم يجب استثماره أحسن استثمار، ومهما كانت السياقات فعلى الصائم أن يكون شعاره “إني صائم، إني صائم”.
إن المطلوب هو التوبة النصوح، بعد تجديد النية، وصيامه وقيامه إيمانا واحتسابا، والغاية هي غفران ما تقدم وتأخر من الذنوب. ومصاحبة كل هذا بالإخلاص، والمحافظة على الصلاة، وعدم المبالغة في النوم نهارا والسهر ليلا، وإفطار الصائم، وتعهد الفقراء والمحتاجين، وقراءة وتعلم القرآن. مع حفظ اللسان والجوارح من المحظور، والتعامل الراقي مع الناس تناغما مع هذا الشهر المبارك. لأن حسن الخلق هو الذي يقربك إلى الله عز وجل إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
كل هذه الدينامية مرتبطة بالدعاء الصالح، لأن فضله عظيم وأجره كريم، لأن هناك علاقة بين الدعاء والقضاء كما هو الشأن بين العمر والبر، وأن يضاعف الصائم المجهودات في العشر الأواخر. والطابع الأساسي هو تقوى الله من أجل القبول. والمؤشر على ذلك هو الشعور بالسعادة، واللسان الرطب بالشكر والحمد، والاستعداد النفسي والعقلي لاستيعاب معاني وقيم الشهر المبارك، والتحكم في حسن تدبير الوقت، وعدم المبالغة في تناول الطعام وعدم الإسراف، وإدراك كنه الصيام وفضله، ومعناه، وحسن التدافع بين التحكم في الأمور والعشوائية في كل شيء وذلك بالتمييز بين العادة والعبادة.
فيا أيها الصائم ويا أيتها الصائمة: لقد آتاكم شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن، والمنافسة في الطاعات والبركات والخيرات، فيه تغلق أبواب جهنم، وتفتح أبواب الجنة وتسلسل فيه الشياطين، فاستنشقوا نسمات الرحمة، ولا تكونوا من الأشقياء، فعليكم بالإكثار من التوحيد والتسبيح، والتحميد والتكبير، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، فالصيام لله وهو يجزي به، فلا ترفتوا ولا تجهلوا ولا تسبوا واجعلوا شعاركم “إننا عباد صائمون”.
صوموا على الكذب والأذى والاعتداء والمحارم وعانقوا الوقار والسكينة والطمأنينة، لأن الصيام جنة، وتذكروا أن الصيام هو الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة، ولا بناء بدون أعمدة محكمة، وروحوا على أنفسكم بالتراويح، فرمضان فرصة للتأمل والعبرة والتغيير من حال إلى حال أفضل، ويبقى الاجتهاد قائما بعد رمضان في إطار التدافع بين الصواب والخطأ، والخير والشر. لكي تحافظوا على هذا السمو، والتجديد، والندم على الغفلة، واستشعروا أن قدوم رمضان بشارة، وفيه ليلة خير من ألف شهر فلا تحرموا أنفسكم من خيرها وبركتها، عظموا هذا الشهر المبارك، واستعدوا له بالدعاء، والتضرع والخشوع.
اعلموا أن الأجور تكون مضاعفة في هذا الشهر الكريم، فاستقيموا على الحق والهدى، لتنالوا حب الله، واجعلوا باطنكم لا ينافي ظاهركم، وصححوا أعمالكم، واغتنموا نفحات هذا الشهر لتكون نبراسا لكم في حياتكم كلها وبها تلقون ربكم يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وفي هذا المقام نسأل الله تعالى أن ينعم عنا جميعا بالتوبة والاستغفار لأن الله يغفر الذنوب جميعا، ويغفر ما كان منا ولا يبالي، ونسأله شكر النعمة، وقوة العزم والهمة العالية والصدق في القول، والاستفادة من أيام الله بالعبرة وحسن النظر، وأن يعمنا الله برحمته، وتدبر القرآن قراءة واستماعا وإنصاتا، وإدراك ليلة القدر، والإكثار من ذكر الله تعالى.
فاللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، ونسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لنا، وارزقنا الهمة العالية في العبادة والتقوى والخشية والإنابة والصيام والقيام وتلاوة القرآن والدعاء لأن العبد يجد حلاوة الراحة عندما يضع قدمه في الجنة، فاللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار آمين ورمضان مبارك كريم وكل عام وأنتم بخير.