في ذكرى رحيله، عبد الرزاق المروري، شهيد القضية الفلسطينية
كان الأستاذ عبد الرزاق المروري رحمه الله (1956-1996) عضوا في المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح في مرحلتها الانتقالية بعد تأسيسها في غشت 1996، وإلى جانب تخصصه رحمه الله في علم الاجتماع، كان عضوا في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، كما أن اهتماماته الإعلامية والثقافية دفعته إلى تأسيس مجلة “رسالة الأسرة”، والإسهام في إنشاء جريدة “الصحوة”، بالإضافة إلى عضويته في أسرة تحرير جريدة “الزمن”.
وكان بعض الإخوة يطلقون على الراحل المروري “شهيد القضية الفلسطينية”، لاستماتته الشديدة في الدفاع عن قضية فلسطين، والحضور في أغلب الأنشطة الداعمة لها، كما عرف الأستاذ المروري اسهامه في بدايات عمله الإسلامي في تأسيس عمل الأخوات، وإقامة الدورات التكوينية في هذا المجال تشجيعا للمرأة على العمل الإسلامي.
وفي يوم 6 نونبر 1996، فاضت روح الأستاذ عبد الرزاق المروري رفقة زوجته فتيحة الراجي أستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة ابن طفيل(رحمهما الله)، في حادثة سير، وقعت على مشارف مدينة الرشيدية، والتي كانا يقصدانها للقيام بعدد من اللقاءات والأنشطة الدعوية والتنظيمية.
وقد كتب الدكتور أحمد الريسوني، في وقت سابق، مقالة عنونها بـ : عشرون عاما على الغياب الأليم
نأخذ منها هذه الفقرات:
عبد الرزاق المروري وخصاله المتميزة
يطول الشرح وسرد الأمثلة في هذا المقام، بما لا تسعه هذه الكلمة. ولكنْ لو أردت أن أُجمل الخصال الحميدة الكثيرة للفقيد، فهي أنه كان ذا خصال قيادية ريادية. وأذكر شيئا قليلا من ذلك:
1. هو مؤسس العمل الإسلامي النسائي ورائده
في بدايات العمل الإسلامي المعاصر، لم يكن للمرأة أو الفتاة وجود فيه، بل ولا كانت واردة في أذهان القائمين عليه. وقد كانت الأساليب السرية والتطلعات الثورية، مما يزيد من استبعاد المرأة والبعد عن إقحامها… وحينما بدأت الاختيارات السياسية والتنظيمية والفكرية تتطور وتنضج أوائل الثمانينيات من القرن العشرين المنصرم، بدأنا التفكير في “القطاع النسائي”… ولكن محاولات اقتحام هذا المجال كانت خجولة متهيبة من ذواتنا أولا، بسبب النظرة النمطية الجامدة للموضوع. ثم بسبب الرفض والحصار والتخوف من الآباء والأمهات. حتى كان بعض الأخوات يسألن عن حكم الكذب والتمويه على الوالدين لأجل الذهاب إلى لقاء أو مبيت، أو استقبال جلسة تربوية في المنزل… في ظل هذه العراقيل والصعوبات، شق عبد الرزاق المروري طريقه نحو تأسيس “عمل الأخوات”. وقد كان معززا في هذا الاتجاه ببعض إخوانه من (جماعة التبين) بالرباط، وفي مقدمتهم الأستاذ أحمد المشتالي. وما زلت أذكر الدورات التكوينية الجادة والمكثفة (تكوين المكونات)، التي دعيتُ إلى المشاركة في تأطيرها منتصف الثمانينيات، وقد تابعها نحو 30 أختا، أصبح أكثرهن قياديات في الحركة وفي المجتمع وفي العمل السياسي، وحتى في الحكومة… وق كان المدير المباشر لتلك الدورات هو أحمد المشتالي، تحت إشراف عبد الرزاق المروري…
2. انفتاحه وطبيعته التواصلية
كان رحمه الله ذا علاقات متنوعة ناجحة، في الوقت الذي كان المزاج العام في صفوف شباب العمل الإسلامي آنذاك ميالا إلى الانغلاق والنفور والقطيعة مع “الآخرين”. ولكَم كنت أندهش – ما بين إعجاب واستغراب – حين أعلم أنه يتصل ويتزاور ويتحاور مع فلان أو فلان من اليساريين والفنانين والرياضيين وغيرهم، ممن كنا – أيامها – نعتبرهم لا دين لهم أو لا فائدة فيهم. وكان منهم أستاذه ومشرفه الدكتور محمد جسوس، وغيره من أساتذة الفلسفة. وما زلت أذكر الزيارة التي أخذنا فيها إلى “الزعيم” نوبير الأموي بالدار البيضاء، وكذلك العشاء والسمر الطويل الممتع، الذي نظمه لنا بمنزله، مع صديقه الكبير الدكتور عبد المجيد بوزوبع.
3. عنايته بالطفولة والأسرة
وحسبنا في ذلك مشروعان رائدان في زمنهما: الأول: هو إصداره لمجلة (رسالة الأسرة)… والثاني: تأسيسه لمشروع تعليمي نموذجي، هو (مؤسسة وحي القلم). ورغم أن الفقيدين المرحومين (عبد الرزاق وفتيحة) لم يرزقا أبناء إلى غاية وفاتهما، فقد كنا حين نقوم بالتعارف في بعض لقاءاتنا، فيذكر كل واحد منا عدد أبنائه، أو أنه بدون أبناء، أو أنه “مفتش”، أي: لم يتزوج بعد …، كان عبد الرزاق يقول في تعريف نفسه:متزوج، ولي مائة وعشرون ابنا وبنتا…! كان يقصد أن الأطفال الذين عنده في مؤسسة وحي القلم كلهم أبناؤه. ويُذكر أنني كتبت مقالا صغيرا بعنوان: (عبد الرزاق المروري: الأب الكبير الذي لم يلد).