دراسة: المغاربة يرون تدريس العلوم بالفرنسية تهديدا للهوية الوطنية

أظهرت دراسة صدرت حديثا أن رفض التدريس بالفرنسية ينبع أساسا من ارتباط اللغة العربية بالهوية الوطنية والدينية للمغاربة. وينظر كثيرون إلى فرض الفرنسية باعتباره امتدادا للاستعمار الثقافي وتهديدا للسيادة اللغوية.

الدراسة الصادرة في “العربية Al-ʿArabiyya” (مجلة رابطة أساتذة اللغة العربية) بعنوان “The Debate on Language Policy and Planning in Morocco: Examining Attitudes Toward Foreign Language-Based Instruction of Science”، تتناول قضية حساسة ومثيرة للجدل تتعلق بسياسات اللغة والتخطيط اللغوي في المغرب، مع التركيز على المواقف تجاه تدريس العلوم باللغات الأجنبية.

وقام الباحثان آدم زياد وإبراهيم شكراني من خلال هذه الورقة البحثية بدراسة تأثير سياسة إدخال الفرنسية كلغة تدريس أساسية للمواد العلمية في النظام التعليمي المغربي، مسلطين الضوء على ردود الفعل الشعبية وتأثير هذه السياسة على الطلاب وأولياء الأمور والمعلمين.

وخلصت الدراسة إلى أن قرار تدريس العلوم بالفرنسية في المغرب لا يحظى بتأييد واسع، خاصة بين أولياء الأمور والمعلمين، الذين يرون فيه تهديدا للهوية الوطنية، وسببا في تراجع المستوى الأكاديمي، وعائقا أمام تحقيق العدالة الاجتماعية. وبالتالي، فإن النقاش حول سياسة اللغة في المغرب يجب أن يكون مفتوحا ومتعدد الأبعاد، يأخذ في الحسبان مصلحة الطلاب والمجتمع ككل، وليس فقط التوجهات السياسية أو الإملاءات الخارجية.

وتنطلق الخلفية التاريخية والتطورات القانونية لهذه الدراسة البحثية لمرحلة ما قبل الاستعمار الفرنسي والإسباني، حينما كان المغرب يعتمد بشكل رئيسي على اللغة العربية في جميع مراحل التعليم، حيث كانت جامعة القرويين رائدة في تدريس العلوم والمعارف باللغة العربية. ومع دخول الاستعمار، فرضت الفرنسية كلغة رئيسية للتعليم، مما أدى إلى انقسام واضح في النظام التعليمي بين المدارس التي تتبع نظاما فرنسيا وتلك التي تعتمد على العربية.

وتمر لمرحلة بعد الاستقلال، حينما تبنت المملكة سياسة التعريب التدريجي، لكن ذلك لم يشمل التعليم العالي أو المواد العلمية والتقنية، حيث بقيت الفرنسية هي اللغة الطاغية. في السنوات الأخيرة، وضع قانون الإطار 51.17 الذي يعزز تدريس العلوم بالفرنسية، مما أثار موجة من الجدل بين المؤيدين والمعارضين.

وتهدف هذه الورقة البحثية إلى تحليل مواقف مختلف الفاعلين في المجال التعليمي تجاه سياسة “فرنسة” التعليم، ودراسة تأثير اللغة المستخدمة في التدريس على الأداء الأكاديمي للطلاب، وتقييم الأثر الاجتماعي والثقافي والسياسي لهذه السياسة.

اعتمدت الدراسة على تحليل التعليقات المنشورة في عريضة إلكترونية على منصة Change.org والتي حملت عنوان “نعم للعدالة اللغوية ولا للفرنسة”، حيث تم جمع وتحليل 745 تعليقا من الموقع. تم تصنيف التعليقات وفقا لعدة محاور، بما في ذلك الهوية الثقافية، الأداء الأكاديمي، والعدالة الاجتماعية.

وأشار العديد من المعلقين، خاصة المعلمين، إلى أن الطلاب الذين تلقوا تعليمهم باللغة العربية يجدون صعوبة كبيرة في متابعة الدروس العلمية بالفرنسية، مما أدى إلى تراجع مستويات التحصيل الدراسي وزيادة نسب الفشل والتسرب المدرسي.

واعتُبرت هذه السياسة سببا في تعميق الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، حيث يتمكن الطلاب المنتمون للطبقات الغنية من الالتحاق بمدارس خاصة توفر تعليما قويا بالفرنسية، بينما يعاني أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة من ضعف تكوينهم اللغوي في الفرنسية.

كما أن هناك شعور عامّا بأن هذا القرار يخدم مصالح النخبة الفرنكوفونية ولا يأخذ بعين الاعتبار آراء المواطنين العاديين. كما ينظر إلى تفضيل الفرنسية كلغة تدريس على أنه خطوة تعزز النفوذ الفرنسي في البلاد.

وتدعو الورقة البحثية إلى إعادة النظر في قانون الإطار 51.17 وإجراء استفتاء شعبي حول لغة التدريس، وتعزيز تدريس العلوم باللغة العربية، والاستفادة من تجارب دول أخرى نجحت في تطوير منظومتها العلمية بلغتها الأم مثل الصين واليابان.

كما تقترح تحسين جودة تعليم اللغات الأجنبية، بحيث يكون لدى الطلاب القدرة على التعامل مع العلوم بلغات مختلفة دون فرض لغة معينة على حساب لغتهم الأم، واعتماد مقاربة متعددة اللغات تأخذ بعين الاعتبار التنوع الثقافي واللغوي للمغرب، وتشجع استخدام الإنجليزية كلغة علمية عالمية بدل الاعتماد المطلق على الفرنسية.

 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى