الحكم بحبس مغتصبي طفلة بسنتين يثير ردود فعل وزير العدل ومنظمات نسائية ومدنية
تتواصل التفاعلات مع حكم صادر عن غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالرباط يقضي بسنتين حبسا في حق ثلاثة أشخاص تتراوح أعمارهم ما بين 25 و32 و37 سنة، تناوبوا على اغتصاب طفلة (تنحدر من نواحي مدينة تيفلت التابعة لإقليم الخميسات) تبلغ من العمر 11 سنة نتج عنه حمل.
وأثارت هذه النازلة جدلا واسعا في المجتمع المغربي لأنها تأتي بعد أسابيع قليلة من إصدار التقرير السنوي لرئاسة النيابة العامة يكشف عن ارتفاع عدد القضايا المتعلقة بالاعتداءات الجنسية على الأطفال خلال سنة 2021 بتسجيل 2998 قضية، موضحا أن العنف الجنسي يأتي على قائمة الاعتداءات بنسبة 47 في المائة، وأن عدد قضايا العنف ضد الأطفال بشكل عامة ارتفعت بشكل ملحوظ بزيادة تقدر بـ27.53 في المائة.
صدمة ووقائع
على المستوى الحكومي، قال وزير العدل عبد اللطيف وهبي إنه “صعق لمضمون الحكم الصادر مؤخرا في حق المتهمين في ملف اغتصاب طفلة مدينة تيفلت”، موضحا في تصريح صحافي، أن الواقعة تسائلنا كمسؤولين وكفاعلين وكمجتمع مدني.
وأكد وهبي أن وزارة العدل “عازمة على تشديد أقصى العقوبات في مشروع القانون الجنائي الجديد، حماية للطفولة من جرائم الاغتصاب ومن تعاطيها للمخدرات، وغيرها من الاعتداءات التي قد يتعرض لها الأطفال”.
و انتقد رئيس نادي قضاة المغرب عبد الرزاق الجباري خرجة وزير العدل قائلا : إن “خروج وزير العدل بتعليق يُقيِّم فيه قرارا قضائيا ابتدائيا صدر في قضية لا زالت معروضة على أنظار القضاء الاستئنافي، يشكل خرقا خطيرا لاستقلالية القضاء”.
واعتبر الجباري ذلك “تدخلا سافرا في قضية معروضة على القضاء ومحاولة للتأثير على قضاة الدرجة الثانية بكيفية غير مشروعة وفق مفهوم الفصل 109 منه”، قائلا إن “قضاء الموضوع يصدر أحكامه الابتدائية بناء على ما ثبت من وقائع ومعطيات ثبوتا قطعيا”.
أحكام مخففة
وانتقدت عدد من المنظمات النسائية الحكم المذكور، وعبرت منظمة نساء العدالة والتنمية عن صدمتها الكبيرة من هذه الأحكام المخففة في حق شبان ارتكبوا هذه الجريمة، موضحة أن مثل هذه القرارات والأحكام المخففة في جريمة من هذا الحجم من شأنها أن تشجع الاعتداءات الجنسية على الأطفال.
ودعا بلاغ منظمة نساء العدالة والتنمية إلى مزيد من الحماية القانونية والقضائية والاجتماعية للطفولة، مطالبة السلطات المختصة بتوفير المواكبة الطبية والنفسية والاجتماعية للطفلة المجني عليها ولأسرتها.
منظمة نساء الأصالة والمعاصرة هي الأخرى طالبت وزير العدل والسلطة التشريعية بمراجعة الفصول القانونية المؤطرة لجريمة الاغتصاب وسن عقوبات رادعة وتشديد العقاب على مرتكبي فعل الاغتصاب لاسيما في حق الأطفال والنساء.
ودعا بيان نساء الأصالة والمعاصرة إلى فتح نقاش فقهي وحقوقي وقانوني هادئ حول ملف نسب أطفال الاغتصاب، مشددا على ضرورة إقرار حماية مادية للأمهات الضحايا، وللأطفال الناتجين عن الاغتصاب انسجاما مع ما ينص عليه الدستور من مساواة بين الأطفال بغض النظر عن حالتهم الاجتماعية.
وطالبت منظمة النساء الاتحاديات بفتح تحقيق عاجل للكشف عن ملابسات هذا الحكم وحيثياته، وتنوير الرأي العام بخصوصه، مع ترتيب الجزاءات المناسبة في حال ثبوت أي انحياز مخل بمقاصد العدل والإنصاف.
ورأت المنظمة أن الحكم الصادر في حق مغتصبي طفلة تيفلت “يشكل مظهرا من مظاهر الإفلات من العقاب، التي تشجع الجرائم والاعتداءات الجنسية على القاصرين والنساء”.
تعديل قانوني
وعلى المستوى المجتمع المدني المتخصص في الطفولة، قال رئيس رابطة الأمل للطفولة المغربية، حسن المرابط “بداية لابد من التأكيد أن القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط شكل لي صدمة حقيقية ليس كرجل قانون ومهتم بقضايا الطفولة المغربية ولكن أولا وقبل كل شيء كأب ومربي”.
ودعا المرابط الغيورين على الطفولة المغربية وخاصة مؤسسات المجتمع المدني لليقظة، قائلا “لأن طفلة تيفلت ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وهذا النوع من القرارات القضائية للأسف الشديد من شأنها أن تفاقم هذا النوع من الاعتداءات الهمجية”.
ونبهت الجمعية المغربية لحقوق الانسان لوقائع مماثلة من الأحكام في قضايا الطفولة، مطالبة بوضع حد للافلات من العقاب في كل الجرائم والانتهاكات التي تطال الطفل وحقوقه حتى في حالة تنازل أسرته عن المطالب المدنية، وتتشبت بتصليب وتشديد العقوبات في حق المعتدين.
وطالب بلاغ للجمعية بـ”الإقرار التشريعي بأن كل فعل جنسي من استغلال او استعمال استغلالي جنسي أو اغتصاب الممارس في حق قاصر أو قاصرة، يعتبر عنفا مقصوا، وتدعو الجمعية الى استبعاد الصيغ المنافية لحقوق الإنسان المتضمنة في القانون الجنائي المغربي الذي يتحدث عن الاغتصاب بعنف أو بدون عنف”.
مخاوف ومطالب
قالت رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، بثينة قرور، إن الحكم الابتدائي الصادر عن غرفة الجنايات الابتدائية بالرباط بخصوص حالة اغتصاب الطفلة، يثير الكثير من القلق والخوف حول مستقبل الطفولة المغربية في ظل تنامي ظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال.
وأضافت في تدوينة لها على صفحتها بـ”فيسبوك”، إنه مع الاحترام الكامل لأحكام القضاء، فإن الحكم الابتدائي “مخيف ومقلق ومرعب، في الوقت الذي تشدد فيه الدول العقوبات على مثل هؤلاء المجرمين، كألمانيا والدنمارك وغيرها التي تضيف عقوبة إضافية أخرى إلى جانب العقوبات الحبسية الطويلة الأمد”.
وطالبت فدرالية رابطة حقوق النساء بإعادة النظر في الحكم الصادر في القضية، موضحة أن الحكم لا يتناسب مع فظاعة الجريمة ووحشية الأفعال المرتكبة، وحجم العنف المركب الذي تعرضت له الطفلة وأسرتها من خلال الاغتصاب المتكرر وتهديدها بقتل أسرتها.
ودعت الفدرالية بتوفير الحماية للفتيات والنساء ضحايا العنف مع تنزيل مقتضيات قانون مناهضة العنف ضد النساء 13/103 وتجويد مضامينه وملائمته مع المقتضيات الدولية مع المراجعة الجدرية للقانون الجنائي وملائمته مع دستور البلاد والإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب.