أهمية العلم في الإسلام
الإسلام دين العلم والمعرفة، وليس من شيء أدل على ذلك من كون أول ما نزل من كتاب الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾.
وقد دعا الله تعالى في آيات كثيرة من كتابه إلى التعقل والتفكر، والتدبر والتأمل، ونعى على أولئك الذين يُعطِّلون عقولهم، فلا يُعْمِلونها فيما خُلقت له، فقال تعالى: ﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾.
وقد حثَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أفرادَ أمته على طلب العلم والسير في طريقه، وأخبرهم بأنه جهاد في سَبيل الله تعالى، وأنَّ طالب العلم بمنزلة المجاهد حتى يرجِع إلى بيته، فقال صلى الله عليه وسلم: (مَن خرَج في طلب العلم، كان في سبيل الله حتى يرجِع).
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بفَضل العلم على العبادة؛ وذلك لأن أثر العلم يتعدى إلى الغير، أما العبادة فهي خاصة بصاحبها، فقال صلى الله عليه وسلم مخاطبا أحد صحابته: (لأَن تغدو فتعلِّم آيةً من كتاب الله خيرٌ لك من أن تُصلِّي مائة ركعةٍ، ولأن تغدو فتعلِّم بابًا من العلم عُمل به أو لم يُعمل خيرٌ لك من أن تُصلِّي ألف ركعةٍ).
ويقصد بالعلم، كل علم يَنفع الإنسان في دينه ودنياه، ويتعدى نفعه إلى مجتمعه، سواء كان ذلك علمَ دين أم علم دنيا، مما ينفع المسلمين ويحتاجون إليه؛ كالطب والهندسة، والفلَك والصناعات، وغيرها من العلوم النافعة للمجتمع.
وقد رفع الله تعالى شأنَ العلماء وأَعلى قدرهم في الدنيا والآخرة، ولم يسوِّ بينهم وبين غيرهم؛ فقال تعالى: ” يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ “، وقال تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾.
وجعل شهادةَ أهل العلم مقرونة بشهادته تعالى وشهادة الملائكة عليهم السلام، فقال عزَّ من قائل: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾، وأثنى عليهم بأنهم الفاهمون المتعقِّلون للأمثال التي ذكرها في كتابه، فقال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾، وأنهم المرجِع والمآل لأفراد المجتمع المسلم في أمور دينهم ودنياهم، للسؤال عنها وبيان حُكمها، قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.
كما جاءت الأحاديث النبوية لتبين مكانة العلماء ومنزلتهم؛ من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فَضلُ العالِم على العابد كفَضلي على أَدناكم)، ثُم قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله وملائكتَه، وأهل السَّموات والأرضين، حتى النَّملة في جُحرها وحتى الحُوت – ليُصلُّون على مُعلِّم النَّاس الخير)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلَّا في اثنتين: رجُل آتاه الله مالًا فسُلِّط على هلَكَته في الحقِّ، ورجُل آتاه الله الحكمةَ فهو يقضي بها ويُعلِّمها).
والعلم المقصود بالثَّناء هنا، هو ذلك العلم النّافع، الذي يورث صاحبه خشيةً لله تعالى وقرْبا منه، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾، كما يورِثه إيمانا وتصديقا بما جاء من عند الله، قال تعالى: ﴿لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ﴾، وهذا هو العلم الذي أُمر المسلم بطلبه والاستزادة منه، والدعاء من أجله، قال تعالى مخاطبًا نبيَّه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾.
وإن من مظاهر عدم الانتفاع بالعلم، أن يورث صاحبه غرورا وإعجابا بالنفس، فيظن أن ما عنده من العلم ليس موجودا عند أحد من خلق الله، ناسيا قول الله تعالى: ﴿ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾، أو أن يفتقد النية الصالحة من طلب العلم، فيكون منتهى قصده إحراز المناصِب والألقاب والرتب، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: (مَن تعلَّم علمًا ممَّا يُبتغى به وجه الله عزَّ وجل؛ لا يتعلَّمُه إلَّا ليُصيب به عرضًا من الدُّنيا لم يجِد عَرف الجنَّة يوم القيامة)، أو أن يَكتم ما أُمر بتبليغه ونشره من العلم النافع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَن سُئل عن علمٍ عَلِمَه ثُمَّ كَتمه، أُلجِم يوم القيامة بلِجامٍ من نارٍ).
وعليه، فإن على أمة الإسلام أن تكون السباقة والرائدة في كل ميادين العلم والمعرفة، وأن الإسلام بتعاليمه وقِيَمه لم يكن في يوم من الأيام مانعا من تطور أتباعه وارتقائهم بين الأمم، كما لم يكن سببا في انتشار مظاهر الكسل والتواني بينهم، بل كان بحق مشْعَل نهضة الأمة عبر التاريخ، ومُحَرك هِمَمها إلى السبق والريادة والتميز في كل مجالات الحياة، وإن الضعف والوَهن الذي أصابها، لا ينبغي أن يَثنيها عن استعادة دورها الحضاري، وأمجادِ تاريخها الزاهر، لتأخذ مكانها الصحيح بين الأمم، بعد أن برهنَت الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى على تقدمها وإثرائها لكل الحضارات في زمانها.
الإصلاح
العلم من الضروريات الأساسية في الدين لأن غايته ومقصده حفظ العقل وتنويره بالأفكار تخدم المجتمع والمصالح العامة. فهو نور في ظلمات الجهل و النفس. ومن مستلزماته إخلاص النية لله عز وجل طلبا للأجر والثواب في الدنيا والآخرة.