مفكير: النداء الديمقراطي عبر عن إلحاحية تعزيز الإصلاحات الدستورية والسياسية بإصلاحات في المجالين الاقتصادي والاجتماعي
انطلقت في 20 فبراير 2011 تظاهرات عمت شوارع المغرب مطالبة بالعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين، إضافة إلى إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، وتوسيع مجال الحريات، وتشغيل العاطلين من العمل، وضمان حياة كريمة، وتعميم الخدمات الاجتماعية، وكذا إرساء نظام ملكي برلماني.
واليوم، وبعد عشر سنوات من عمر حركة 20 فبراير، خص الأستاذ والفاعل المدني عبد الرحيم مفكير موقع الإصلاح بهذا التصريح لعرض تقييم لتجربة نداء الإصلاح الديمقراطي التي أطلقتها حركة التوحيد والإصلاح مع عدد من الهيئات الشريكة:
نستحضر اليوم وبكل اعتزاز روح “نداء الإصلاح الديمقراطي” سنة 2011م”. الذي أطلقته ثلة من التنظيمات الإسلامية المغربية، وهي حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب وشبيبة العدالة والتنمية ومنظمة التجديد الطلابي ومنتدى الزهراء للمرأة المغربية، وقد جاء النداء “استلهاما من رياح التحول التي هبت على شمال إفريقيا” وكونه “مبادرة مفتوحة في وجه الجميع لا مبادرة بديلة عن تلك الموجودة على الساحة رغما عن التلاقي الكلي أو الجزئي” وكان من غاياته
“ضمان إنجاز التعهدات المعلنة لإجراء إصلاحات دستورية عميقة من أجل تكريس الخيار الديمقراطي وإقرار الفصل الفعلي بين السلطات لجعلها متوازنة..”، وبتوفير “الضمانات السياسية والقانونية والمسطرية لتحقيق الإصلاح السياسي والمؤسساتي اللازم، والذي من شأنه أن يعيد الثقة في العمل السياسي والحزبي، ويضمن نزاهة وشفافية الانتخابات تشريعا وتنظيما وإشرافا ورقابة، وينهي كل أشكال التحكم والسلطوية والإفساد، ويحصن المغرب ضد أي نكوص أو تراجع عن الخيار الديموقراطي”.. ودائما حسب لغة ذات النداء.
و “بضرورة الاستجابة لمطالب الشباب في الكرامة والحرية والعدالة والمشاركة السياسية والمدنية، وتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة وضمان إسهامها في ورش الإصلاح الدستوري والديمقراطي.. زيادة على إطلاق مبادرات مسؤولة وذات مصداقية لتعزيز الثقة في الإصلاح وإسقاط الفساد ومحاسبة المفسدين وإلغاء قانون الإرهاب وإنهاء مظالم مرحلة التحكم والسلطوية والطي النهائي لملف الاعتقال السياسي ومعالجة مقدامة للانتهاكات الجسيمة لمرحلة (1999- 2011)، وتطهير البنيات المؤسساتية والتشريعية من جميع القيود المفروضة على حرية الصحافة، وبناء إعلام عمومي مهني وتعددي وتنافسي”.
وعبر النداء المفتوح أمام باقي الهيئات عن إلحاحية تعزيز الإصلاحات الدستورية والسياسية بإصلاحات في المجال الاقتصادي والاجتماعي “تقطع مع الاحتكار وتنهي كل مظاهر استغلال النفوذ لكسب الثروة وتتصدى لاقتصاد الريع وتعمل على إقرار التنافسية والشفافية وبناء مقاولة وطنية عصرية ومواطنة، وخلق مناخ جدي للأعمال والاقتصاد وبناء تعاقد بين الفرقاء في الحقل الاجتماعي والاقتصادي يؤسس لسلم اجتماعي حقيقي ويستجيب للمطالب المشروعة لمختلف فئات المجتمع ويحقق العدالة بين الأفراد والفئات والجهات”.
واليوم نتساءل، ما الذي تحقق على أرض الواقع من مطالب النداء، على مستوى الإصلاح الديمقراطي وهل تم بناء الثقة والانخراط المجتمعي في ورش الإصلاح الذي احتاج إلى كل الفاعلين بمختلف اتجاهاتهم وتصوراتهم؟ وهل نحن في حاجة إلى نداء ثان بعد مرور عشر سنوات؟
لقد لقي هذا النداء انتقادا من بعض المحللين الذين شككوا في فاعليته ونويا متبنيه، قبل تنزيله على أرض الواقع وللأسف كان دوافع النقد ذاتية بعيدا عن النقد العلمي حيث تبنى التشكيك في المبادرة من أصلها، في حين أن الغالبية من الفاعلين المدنيين والسياسيين والنقابيين تبنت المشروع وعملت على المطالبة بتنزيل مضامينه.
إن مطالب النداء ما زالت راهنيتها والاستجابة لها ولحراك 20 فبراير، وذلك بترسيخ دولة الحق والقانون وتفعيل الدستور والقيام بالإصلاحات الاستراتيجية سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي وتعزيز الحريات والمحافظة على الحقوق والعدل والمساواة بين المواطنين دعما لاستقرار البلاد وتطورها.
لقد حققت حركة 20 فيراير مكتسبات عجزت عن تحقيقها أحزاب عريقة، وأنها غابت لتظهر في أشكال احتجاجية وتعبيرية وسياسية وفنية وأدبية أخرى، عبر مسارها توجت بإصلاحات أقدم عليها المغرب، لاسيما خطاب 9 مارس والذي جاء بالمرتكزات السبعة التي جعلها الخطاب الملكي موجها للمراجعة الدستورية، وتشكل معالم ولبنات أساسية لإحداث نقلة نوعية تتجاوب مع مطالب الشعب المغربي، وتؤسس لميثاق جديد.
إقرأ أيضا: في 20فبراير.. الأمم المتحدة تدعو إلى العدالة الاجتماعية في الاقتصاد الرقمي |
وبالرغم من كل الإيجابيات فإن هناك أوراش تحتاج إلى مضاعفة المجهودات والفاعلية، وضمان إنجاز التعهدات المعلنة لإجراء إصلاحات دستورية عميقة، تكرس الخيار الديمقراطي، وتقر الفصل الفعلي للسلطات وتوازنها، وتفضي إلى بناء دولة الحق والقانون، بحكومة منتخبة وبرلمان مسؤول، وتربط ممارسة السلطة بالمسؤولية والمحاسبة، وتؤدي إلى دسترة المطالب الديمقراطية المشروعة، وتؤسس لتعاقد سياسي جديد يضمن الكرامة والحرية والعدالة، وتحقق استقلال القضاء والارتقاء بمنظومة حقوق الإنسان وإطلاق الحريات؛ وتوفير الضمانات السياسية والقانونية والمسطرية لتحقيق الإصلاح السياسي والمؤسساتي اللازم، والاستجابة لمطالب الشباب في الكرامة والحرية والعدالة والمشاركة السياسية والمدنية؛ وتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة وضمان إسهامها في ورش الإصلاح الدستوري والديمقراطي القائم؛ ومحاربة الفساد والرشوة، والقضاء على التحكم، وبناء الثقة، وضمان حرية الصحافة والتعبير، وطي ملفات الاعتقال السياسي، ومحاربة الريع والاحتكار، وإلغاء قانون الإرهاب، تعزيز الإصلاحات الدستورية والسياسية بإصلاحات في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وتوفير الشغل، والقطع مع الاستخدام المفرط للقوة في مواجهة الاحتجاجات السلمية لأن ذلك يشكل نكوصا على مسار الإصلاح…
لقد ساهم النداء الديمقراطي في تعزيز الديمقراطية بالمغرب ودعم الاستثناء المغربي في التعاطي مع الحراك والاحتجاج الذي عرفته الشعوب في تلك المرحلة، لكن النكوص والتراجع عن الخيار الديمقراطي وبروز تيارات اصطفت إلى جانب الفساد في مواجهة الإصلاح، عثرت عمليا المشاريع التنموية بالمغرب، مما فرض طرح النموذج التنموي الجديد والرجوع إلى بدايات الإصلاح.
إن مطالب 20 فبراير والنداء الديمقراطي ما زالت تجد راهنيتها في ظل وضع اقتصادي واجتماعي يزداد سوءا يوما بعد يوم، تجسّده مظاهر الفقر التي تعيشها كثير من مناطق المغرب وفئات واسعة من أبناء شعبه، وتعبر عنه الحركات الاحتجاجية المطلبية التي تخرج، بين الفينة والأخرى، في كل مناطق المغرب بدون استثناء، وتشمل العاملين والموظفين والعاطلين. وقد أكدت تقارير لمنظمات دولية على أن المغرب يشهد نزوعا نحو تفاقم أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، بسبب استشراء الفساد، وتدنّي مستوى الخدمات، وتراجع كثير من الحقوق والحريات، فآخر تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية يتحدث عن أن المغرب دخل “منطقة فساد مزمن”، بسبب غياب إرادة سياسية حقيقية لمحاربة هذه الآفة التي تنخر المجتمع. وقبل أيام فقط، صنفت مؤسسة بحثية بريطانية متخصصة في الأبحاث والتحليل، “وحدة الاستخبارات الاقتصادية”، المغرب ضمن الأنظمة الهجينة غير الديمقراطية، التي تجمع بين السلطوية والمؤسسات الديمقراطية الشكلية. وحالات الاعتقال ما زالت قائمة، وقد صنفت مؤسسة بحثية بريطانية متخصصة في الأبحاث والتحليل المغرب ضمن الأنظمة الهجينة غير الديمقراطية. والمغرب اليوم في حاجة إلى إسقاط الاستبداد والفساد، والمصالحة الوطنية وربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقوبة، وتطبيق مبدأ المغاربة سواسية أمام القانون.
إن تحقيق مطالب النداء الديمقراطي ومطالب 20 فبراير سيمكن بالدفع بعجلة التنمية وإعادة الثقة للعمل السياسي والانخراط في المبادرات التنموية مستقبلا. لقد ساهمت الحركات الاحتجاجية خلال حراك 20 فبراير في الإفراج عن المعتقلين السياسيين الستة في ملف أطلق عليه «الخلية الإرهابية» لبلعيرج، وبعض معتقلي الرأي السلفيين، واستطاعت تحقيق زيادات طفيفة في الأجور، وتحريك متابعات للفاسدين سياسيا، رغم أن الكثير من الأسماء التي رفعت في المسيرات وطالب المحتجون برحيلها لم يطلها القضاء. وشكل الحراك بداية شكل جديد من أشكال النضال السلمي من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والقطع مع الفساد، لكن المغرب عرف تراجعا أثر سلبا على هذا المسار وخلق جوا من الاحتقان.
ولا بد من التأكيد أن النداء الديمقراطي شكل وعيا سياسيا ومجتمعيا ورصد الاختلالات التي عرفها المغرب.
وما لم تتم الاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة فإن المغرب سيخطئ موعده مع التاريخ، ويدفع الحراك المجتمعي إلى مزيد من الاحتجاج من أجل العدالة والكرامة والعيش الكريم.
الإصلاح