معروف تستعرض أبرز المبادئ المساعدة على تماسك الأسرة وحمايتها
أكدت الأستاذة سعيدة معروف نائبة الأمينة العامة لمنظمة تجديد الوعي النسائي، أن الإسلام أولى للأسرة من خلال نصوص كتاب والسيرة النبوية القولية والعملية، مركزية كبرى حيث اعتبرها القران الكريم آية من آيات الله، بأن يجمع بين مكونين مختلفين ليحقق السكن المؤسس للود والرحمة، فضبطها بمجموعة من المقومات الاستمرار والاستقرار وشدد على مبدأ الوقاية والحماية قبل أن تنشأ من خلال مجموعة من الشروط والضوابط كالقدرة والأهلية وغيرها، وكان التركيز على الجانب الأخلاقي ممثلا في التدين السليم والخلق القويم، وأول قيمة تبنى عليها هذه العلاقة الزوجية في نظري هي خلق التكريم بنص الآية “ولقد كرمنا بني آدم”، فالتكريم مبدأ محوري أساسي لأنه يرقى بالعلاقة ويرقى بمستوى التعامل الإنساني ويسمح ويشيع الاحترام بين طرفي العلاقة والمحيطين بهم خصوصا الأطفال فيكبر معهم التقدير وحفظ حقوق الآخرين ثم تأتي تبعا لها أخلاق المودة والرحمة، يقول المفكر طه عبد الرحمن: “إن الأسرة هي منشأ العلاقة الأخلاقية بين الناس، بحيث لا علاقة إنسانية بلا أخلاق”.
وأضافت معروف في تصريح لموقع الإصلاح بمناسبة إطلاق حملة “أسرنا مسؤوليتنا”، أن ديننا نبهنا لهذه القيمة الأخلاقية البانية للعلاقات وديمومتها، يقول عليه الصلاة والسلام : (ذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، وتركيزي على مبدأ التكريم والتقدير ينبع من أن العلاقة الزواجية تتأسس عليه ثم تأتي المبادئ الأخرى من تراحم ومودة، لكي ننفي مبدأ التسلط والملكية والاستعباد، وتتحقق بذلك الشراكة في البناء وتنميته، وإذا كانت هذه الضوابط تحفظ حقوق كل أفراد الأسرة من التيه ومن التفكك وانفراط عقد العلاقات، فإن كثيرا من النساء تشكو من غياب هذا المبدأ فتحس بوطأة هذه العلاقة تصل بها إلى درجة الإحساس بالدونية والرتابة والملل والاكتئاب، لأن غياب هذا المبدأ هو بداية إحداث شرخ في جدار هذه العلاقة.
ومن العوامل الأخرى إلى جانب الكرامة والتكريم والإحساس بالتقدير، وهي التي تضفي على الحياة الزوجية المتعة وأداء الأدوار المنوطة بها، المشاعر والتعبير عنها والبوح، التي تخفف من وطأة وعبء البناء الأسري الذي يحتاج إلى جانب التأهيل، العمل الدؤوب لاستمرارها وتقويتها.
إقرأ أيضا: البراهمي: الإسهام في حماية مؤسسة الأسرة إسهام في استقرار المجتمع وتماسكه وأدائه لوظائفه الأساسية |
وأشارت معروف أن النبي عليه الصلاة والسلام كان خير زوج، (خياركم خياركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، واعتبر المرأة الصالحة خير متاع الدنيا للرجل، وكان عليه السلام يعلن رومانسيته وحبه للسيدة خديجة رضي الله عنها، وتحكي عائشة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (إني رزقت حبها)، حيث اعتبر حبه لخديجة رزق من الله سبحانه وتعالى، بل بعد وفاتها قال للصحابة عندما فتحوا مكة انصبوا لي خيمة عند قبر خديجة وفاء لها وتقديرا لمجهودها واستمر الوفاء حتى بعد الوفاة، حين كان يقول على الملأ (آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس)، ويعدد صفاتها ويقدر كل جهودها، هذا البوح وهذا التقدير يضفي على الأسرة متعة ويخفف من وطأة الحياة، فكان عليه الصلاة والسلام ينطق بهذا الحب وهذا التقدير وهذا الامتنان، فالصحابة علموا حب رسول لعائشة رضي الله عنه الذي كان يعلنه وكان لا يتحرج في إعلانه وكان ينحني لتركب على ظهره بمعنى أنه يدللها امام الملأ، بل إنه عليه الصلاة والسلام كان ينبذ كل أشكال العنف والمهانة، وعندما تمردت عليه الزوجات مطالبات بالزيادة في النفقة هجرهم لمدة شهر، فلم يضرب ولم يعنف ولم يسب ولم يشتم، فقط عبر عن غضبه بالهجر وبترك المكان رفضا لمطالب غير معقولة وفي الأخير خيرهن بين البقاء والسراح بالإحسان.
واعتبرت معروف أن من العوامل التي طبقها الرسول عليه الصلاة والسلام والتي ترى أنها تحمي الأسرة وتقوي الشراكة داخل الأسرة تفكيك نمط الأدوار السائدة التي تعارف عليها المجتمع، حيث كان يخدم أهله ويقوم بشؤونه الخاصة دون ما حرج، وتحكي عائشة عن النبي عليه الصلاة والسلام داخل المنزل فكانت تقول: (لقد كان في خدمة أهله)، بل إنه عليه السلام كان يقول تقديرا لتقاسم الأدوار وخدمة الرجل لأهله أي زوجته وأسرته، (حتى إنك ترى الرجل يكون في خدمة أهله يدفع الكبر عن نفسه)، وهذا شيء قد لا يقبله كثير من الرجال باعتبار أن ذلك من خصوصية النساء ، حيث ترى الأعراف السائدة بأن هناك أعمال خاصة بالنساء لا ينبغي للرجال القيام بها، فعدم التقاسم وعدم الشراة الفعلية يجعل تعدد الأدوار، إذا كانت المرأة موظفة، ينعكس عليها وعلى صحتها النفسية والجسدية مما قد يوصلها كما قال أحد علماء النفس إلى مرحلة الإنهاك أو ما يسمى بالاحتراق النفسي وهي المرحلة التي يصل فيها الفرد إلى إنهاك لطاقته الجسمية والنفسية وبالتالي هذا الانهاك يجعل هذه الأم وهذه الزوجة غير قادرة على التجاوب العاطفي مع محيطها الأسري فيكون الإحساس بالعجز وعدم القدرة على الاستمرار فضلا عن العطاء والقيام بواجباتها في غياب شراكة الزوج وتملصه من المسؤولية.
لقد أسست مدونة الأسرة في 2004 لثقافة المواساة والتكامل والشراكة في رعاية الأسرة، ونجد المادة 51 من المدونة تتضمن ستة بنود حددت الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين وتحمل المسؤولية المشتركة في تسيير ورعاية الشؤون البيت والأطفال. هل فعلا وبعد أكثر من 16 سنة تحقق ذلك في واقعنا الأسري؟ لا أظن فهناك ضغط وتراكم للأدوار وتعددها على طرف واحد بفعل هيمنة وتقاليد وأعراف مجتمعية لا علاقة لها بالدين وطبعا يفند ذلك ما ذكر سابقا من فعل وسلوك الرسول عليه الصلاة والسلام.
وهكذا يمكن أن نلخص الأمور التي تحمي وتضمن تماسك الأسرة في :
- منظومة الأخلاق
- التكريم
- إشاعة التعبير عن المشاعر والبوح والاعتراف والتقدير
- التقاسم والشراكة في تحمل أعباء الأسرة
وهو ما سيتحقق من خلال التأهيل قبل الولوج لتشكيل الأسرة والتسلح بالمعرفة واكتساب مهارات الحياة لدى الطرفين معا حتى نضمن أسرة متماسكة تحقق الأمن للفرد والأمن المجتمعي.
وفيما يتعلق بالتحديات والاكراهات التي تواجه الأسرة، تؤكد الأستاذة معروف أن الأسرة تعرضت في الآونة الأخيرة لمجموعة من الإصابات:
- التحولات القيمية مما أدى إلى ضرب تماسكها، ويتجلى ذلك من خلال الإحصاءات المهولة والصادمة التي جاءت بها المندوبية السامية للتخطيط لمعدلات ارتفاع الأسر التي تعولها النساء بسبب الإهمال وعدم تحمل المسؤولية وارتفاع نسبة الأسر المهملة إضافة إلى معدلات الطلاق التي خلقت ضحايا وقنابل موقوتة فهناك من خلال الإحصاءات التي تعطينا وزارة العدل ارتفاع مهول لطلاق الشقاق هذا الطلاق الذي هو مبرر لمن لا مبرر له وحجة لمن لا حجة له، وبالتالي خلق مجموعة من الضحايا الذين يؤدي ثمنها الأطفال على الخصوص.
- التمرد على قيم العفة والاستقامة والوقوع في سلوك جانح من خلال مجموعة من الظواهر الاجتماعية التي بدأت تطفو على السطح كالأمهات العازبات والأطفال خارج إطار الزواج والعلاقات الرضائية حيث يشكل هذا التمرد حجر عثرة أمام تماسك وتحقيق ما تصبو إليه الاسرة من استقرار.
- تنامي ظاهرة العنف خصوصا العنف الزوجي رغم صدور قانون مناهضة العنف في 2018، حيث أثر على النسيج الأسري وفكك الروابط الأسرية، وأثر على الأطفال وعلى سلوكهم بالإضافة إلى تداعيات أخرى كثيرة.
- الإدمان بكل أنواعه الذي نخر جسم الأسرة وتسبب في الطلاق والتفكك والإهمال.
- تراكم الأدوار خصوصا على المرأة الموظفة وبالتالي انهاكها مقابل استقالة كثير من الرجال وغياب الشراكة الفعلية لتحمل عبء الأسرة ورعاية وتربية الأطفال.
إقرأ أيضا: سلاوي: علينا أن نكون السباقين لتجديد الإعلان والإشهار والتسويق لثقافة الاعتراف بفضل المرأة |
ولتجاوز هذه التحديات وخلق فرص للحماية والحفاظ على الأسرة، أشارت معروف أنه لا بد أولا من الوقوف على الاختلالات التي تعطب الأسرة وتصيبها في مقتل من أجل إيجاد مقترحات وحلول لتجاوز هذه الاكراهات. ومن بين هذه الفرص التي يمكن أن تحفظ وتعيد الاعتبار للأسرة :
- التأهيل والتسلح بالمعرفة وبالتدرب على كفايات الحياة قبل تأسيس وقبل نشأة هذه الأسرة خصوصا للشباب المقبل على الزواج، بالإضافة إلى إعادة الاعتبار للأسرة الممتدة ودورها في إنتاج القيم والأخلاق كدور الجدة والجد والخال والعم والخالات والعمات وغيرهم من مكونات الأسرة الممتدة التي لها دور كبير في ثبات القيم.
- تفعيل المجالس الدستورية خصوصا مجلس الاستشاري للأسرة والطفولة والذي يتولى حسب الدستور في الفصل 166 تأمين وتتبع وضعية الأسرة والطفولة، ونجد في الفصل 32 أن مسؤولية الدولة أن تتحمل ضمان وحماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للأسرة، فلا بد من تفعيل هذه المجالس لتؤدي دورها وتسند الأسرة.
- بلورة سياسات أسرية من خلال مجموعة من المتدخلين من بينهم الفاعل السياسي من خلال برامج الأحزاب، والفاعل الترابي أو الجماعات الترابية بأن تقوم بأدوارها لإسناد الأسرة من تهيئة أماكن الترفيه وملاعب القرب والنوادي والمساحات الخضراء حيث تحول كما نشاهد بعض المساكن خاصة السكن الاقتصادي إلى سجن في غياب فضاءات يفرغ الطفل شحناته حيث تساعد الفضاءات الأسرة في الترويح والترفيه عن الطفل.
- مساهمة الإعلام والفن والثقافة في التوعية وفي التأهيل وتحصين الأسرة.
- تفعيل آليات الوساطة وإعادة الاعتبار لدور حكمين وتفعيل دور المساعدين الاجتماعيين القضائيين لخلق فضاءات للصلح ملائمة خارج المحاكم وألا تبق هذه الوساطة التي تقوم بها المحكمة وساطة شكلية غير منتجة وغير مجدية.
- تفعيل دور المجتمع المدني في إسناد الأسرة من خلال مراكز الاستماع والقيام بدور الوساطة الأسرية حتى نحفظ هذه الأسرة من التفكك ومن الانهيار.
س. ز / الإصلاح